“….ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا اعزة أهلها أذلة.”
نعم، لايعيشون إلا في الظلام الحالك، كخفافيش ليل!!
لابسبب ظلمهم وظلامهم ومكرهم وفسقهم وإستبدادهم وتنطعهم فحسب، بل لأن الظلاميين لا يناسبهم النور والضياء،، ولايعرفون مرادفاتهما في قواميس اللغة، ذلك لأنهم لالغة لهم سوى لغة الكذب والخداع والتدليس، ولن يستطيعوا أن يطفئوا ضوء الشمس ولانور القمر ولولا استطاعوا لفعلوا.
ولايعرفون الرحمة والإنسانية ولا الكدح والعوز، ولا الفاقة ولا الحرمان، ولا الحر ولا البرد، ولا القيض ولا الزمهرير، إذا ذكر الشر ذكروا له، فهم عبيده وخاصته، ومنه وفيه وهم أقرب اليه من حبل الوريد، وهم أصله وفرعه ومسكنه ومعدنه.
كما وانهم لم يتجرعوا العطش ولا الجوع إلا في شهر رمضان-الذي ليس لهم فيه إلا العطش والجوع- والذان سرعان ما يتحولا إلى تخمة عند المساء يبحثون فيه عن دواء يخلص بطونهم المؤدية لكروشهم السمرقندية من تخمتها ونهمها، فنفوسهم ضعيفة رغم غناهم وتكبرهم ومهما ملكوا من نفوذ فهو زائف وزائل، على عكس الفقراء من أصحاب القيم والمبادئ، والذين يتميزون بغنى النفس وقوتها،”فلا الفقر يستطيع اذلال النفوس القوية، ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الضعيفة”.
ومازلنا في دبر وليجتهم، دعونا نعرج على واحدة من مثالبهم المفصلية، المثيرة للجدل، والتي تمثل جل جهادهم وغاية جهودهم في إنعاش ظاهرة سلطان الفقر وابقائها كظاهرة معرقلة لجهود الحكومة والشعب في تحري أسباب الرقي والتطور واللحاق بركب الدول المتطورة والمتحضرة انسانيا، وابقائها في حضيرة الدول المتخلفة، طبقا لوحي الأجندة الخارجية التي تملى عليهم بكرة وأصيلا.
وهي الحرب بعينها التي لن يتورعوا في العدول عن خوضها ضد هذه الطبقة المحرومة المظلومة وهي”طبقة الفقراء” والتي يطمحون لرفع دونية مستوى خط الفقر فيها لأكثر من هذا المعدل الذي بلغ 37% .
أما وأن مفردة “فقير” بمجرد أن تطرق على أسماعهم يتشائمون منها من فورهم، كأنها ناقوس شؤم يدق على أوتار اسماعهم الصماء، الناقوس المخدش لكبرياءهم والمقزز لأذواقهم، لإن وجود الفقير في دنياهم وفي جوارهم في الوطن الذي يعيشون فيه، يستفز كيانهم ويؤذي مشاعرهم، ويشعرهم كذلك بالتقصير والمسؤولية والملامة، فينغص عليهم حياتهم والحؤول عن ممارسة ملوكيتهم بأبشع صورها.
وكنتيجة لردة الفعل المتأتية من شعورهم المتزايد بالنقص، تولدت عندهم الدونية لتلاحقهم بمجرد سماع تداعياتهم وارتفاع مظلومياتهم عندما تطفو فوق السطح، ظنا منهم وايمانا بأن هذا التداعي سيكون علامة من علامات تدحرج عروشهم وزوال ملكهم، ومن هذا المنطلق يمكن القول “أن هدير أصوات الفقراء والمظلومين إذا استحال إلى سلاح فهو امضى واقوى من كل أنواع الأسلحة”، وبذلك “فإن مجرد وجود الفقراء في دولة ما أو محيط ما، هو أصدق وأدق المقاييس على الاطلاق، لفحص مروؤة وانسانية وشجاعة وكرم ونزاهة ووطنية وديمومة الملوك والمسؤولين المتنطعين والأغنياء المتمكنين وأهل الحل والعقد المتنفذين”.
فالفقراء وعلى سبيل المثال، هم أول من يفترشوا الأرصفة للاسترزاق وطلب العيش الشريف في عرضهم لما يطلق عليها ب” البسطيات والجنابر والأكشاك” والتي دائما ماتلاحقهم دوائر البلديات لغلقها بعد العبث بها أو مصادرتها في بعض الأحيان، الحق والحق أقول لو أن الغلظة هذه لو أنهم وظفوها -واقصد موظفوا البلديات- بنفس تلك الهمة وذلك الاندفاع لتحري أسباب هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة والناجعة لها فما تجاوز أحد من هؤلاء على حرمة القانون والنظام بعد هذا أبدا، ولتقلص عدد الفقراء والمتجاورين على الأماكن العامة، ولأنحسرت الرشوة والفساد لحدودها الدنيا في تلك المؤسسات.
ويفترشون الأرض كذلك-أي الفقراء- في أبواب وغياهب السجون والمعتقلات لزيارة ذويهم النزلاء بعد اللتيا والتي. وأخرى في المستشفيات التي لفظتهم لأنهم مملقون وبائسون لايملكون تغطية نفقات علاجهم وتحررهم من ظلمة امراضهم، الأمر الذي جعل من محنة فقرهم غربة، ويجعل الملوك على رأس قائمة المقصرين.
وفي أؤلئك وأخر متشابهات ومشتبهات جعلن الفقراء غرباء في وطنهم، مصداق قول أمير المؤمنين(ع): “الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة”.
والفقراء أول من ضحوا باموالهم وباعوا ممتلكاتهم -إذا كانت عندهم ممتلكات- ليشتروا بها علما لابنائهم الذين صار بعضهم من حضيرة الأنذال ذي النجوم الخمسة، ومن لم تسعفه الفرصة في أن يصير نذلا ركب قطار البطالة وفي درجاته الممتازة وألاصها على أسرته.
وهم-أي الفقراء- أول من تنشر تصاويرهم ومعاناتهم في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف، لتوجه تهمة مظلوميتهم لمن ظلمهم من أولئك الملوك، لتشكل هذه التهم حملة فاضحة ضد هؤلاء ووضعهم في الأفق على مرأى ومسمع جميع الشرفاء في العالم.
وهم أول من يقاضون الملوك وعلى مختلف رتبهم ودرجاتهم وأصنافهم في محكمة العدل الآلهية حين “تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة”.
وأول من يشتكي علي هؤلاء في عرصات يوم القيامة ويقولون لبارئهم: ربنا هؤلاء الذين قطعوا ومنعوا عنا أرزاقنا في الدنيا، ولم يطعمونا مما رزقهم الله مثلما أطعموا أنفسهم وابنائهم ونسائهم وأهل حظوتهم في الدنيا، وحرمونا من حقنا المعلوم ، بادعاءهم علينا-أي الملوك- ظلما بالضلال المبين، وعلى الله إفتراءا وكذبا بالطعن في مشيئته سبحانه، على أن الله هو الذي حرمنا وأملقنا، “….قال الذين كفروا للذين آمنوا انطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم الا في ضلال مبين”ولكن الأمر ليس هكذا أوكما يدعون، بلحاظ قول الامام علي عن احدى مسببات الفقر(ع):”ماأغتنى غني إلا بما افتقر به فقير”، فنحاججهم إذن بهذا وبتلكم الآية الكريمة التي وصفهم الله بها بالكافرين.
لاادري أهي مناشدة مني أم مناجاة أم صرخة أم دعوة أم نداء؟؟
سموها ماشئتم شريطة ان يفهم قصدي، ويحمل على محمل الحق، ويؤول على حسن نية صادقة، ووضوح في سريرة وفطرة سليمة.
فأنا لست مسؤولا في الدولة ولا نائبا في البرلمان العراقي أو المحافظاتي، ولا وزيرا، ولكني أعتقد اني أنوب عن أبناء جلدتي بقول كلمة الحق والتعبير عن معاناتهم اليومية بحكم مسؤوليتي الأخلاقية والانسانية تجاه بلدي العزيز، وتجاه كرام اهلي فيه، بما حباني الله بمهارة تنضيد الحروف، فاستشعرهم في كل لحظة يحرمون فيها من نسمة هواء عليلة وشربة ماء بادرة، أو نقص من لقمة غذاء أو جرعة من دواء، وفي كل لحظة لايفارقهم فيها ظلام دامس في ليال مدلهمة، بسبب غياب الكهرباء، وبسبب ندرة الزيت الذي يوقد السراج في بلد نفطي، وهذا واقع حقيقي لاأتخيله بل اعيشه.
كانوا الفقراء في بلدي، يقتاتون على مفردات البطاقة التموينية في عهد ملكية صدام، فيبيعون معظمها للملوك الصغار بأبخس الأسعار ليعيشوا به، ويقتاتون بما تبقى منها لمصارعة سلطان الجوع والعوز، بطريقة توزيع الأدوار في تناول وجبات الطعام ضمن العائلة، فمن كان دوره مثلا أن يتناول بما تسمى بوجبة غداء، فدوره اللاحق أن لايتناول وجبة بما تسمى بوجبة عشاء، ليفسح المجال لغيره في النوبة، والعكس صحيح، وتعمد ربة البيت في اليوم التالي أن لاتوقظ عيالها في الغداة في وقت مبكر فتكون بهذا وقد وفرت وجبة بما تسمى بوجبة الإفطار التي هي أساسا مفقودة، وبهذه الطريقة تكون العائلة قد اجتازت مرحلة مأساة يوم كامل وما عليها الا ان تستعد إلى اليوم التالي ومفاجآته التي لاتخلو حتما من نمط آخر من أنماط الصراع من أجل البقاء.
وهذي أسمى آيات الصبر والجلد، في بلد قد غاب عنه العدل والانصاف والرحمة ومات فيه الدين والضمير وقل فيه الحياء وتلاشت فيه الموازين، وكانت تلك واحدة من عوائل المجتمع العراقي الباسل المعروف بكياسته وعظم صبره، كأنموذجا لمعظم عوائل العراق من الأسر الفقيرة والأسر المتعففة والأسر ذات الدخل المحدود، اللائي كتب لهن أن يعشن في ذاك الزمن الصعب، ولو نجري مقارنة بسيطة بما جرى على العراقيين في هذه الفترة الزمنية الممتدة مابين انتهاء الحرب العالمية الاولى والى يومنا هذا، بما عانوا من ظلم وتسلط وجور وتداعيات من تخلف وانحدار تحو رذائل الفسق والفساد،ومع ماعانوه من نقص في الانقس والأموال والثمرات، وبين ماجرى مع كل حقب الفترات الزمنية المظلمة التي مر بها المجتمع العراقي، فسوف نتفاجأ برجحان هذه الفترة على كل الفترات السالفة بالصبر والجلد وتحمل الصعاب.
والمقارنة تكاد تكون معدومة تماما بين مايحدث اليوم وما كان قد حدث بالأمس، تتابعا من عصر الجاهلية الاولى قبل انبثاق الإسلام المحمدي إلى عصرنا هذا، لنجد أن من سبقنا من أقوام لايرقون لإخلاق مجتمعنا الحالي لامن ناحية الصبر ولا من النواحي الاخرى، إذا ماأخذنا بنظر الاعتبار شيوع وتفشي ظاهرتي وأد النساء وقتل الاولاد من إملاق من حيث كان الاعراب من الناس يقتلون اولادهم من شدة الفقر والإملاق، مصداق الآية الكريمة: “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطئا كبيرا”، ويأدون بناتهم مصداق أية “الوأد”التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أيضا.
خلا حادثة من مجمل حوادث كثيرة مماثلة في الأسباب والنتائج ومختلفة في الاداء بعض الشيء، قد حدثت بسبب هذه الأجواء المظلمة والمخيفة على العراق، وبسبب تداعيات المرحلة التي تركت بصمتها على البيت العراقي، فأستوقفتني هنا حادثة لأسوقها كمثالا واقعيا لحال بعض الأسر العراقية السيء ماديا ومعيشيا، والمنحدرة من احدى الطبقات المعدومة والبائسة، والحادث حقيقة كان من الحوادث المروعة والنادرة، قد حصل قبل فترة وجيزة في إحدى المحافظات العراقية، إذ اضطرت إمرأة إلى قتل نفسها وأبنائها الأربعة من مخمصة اصابتها وعيالها الايتام، من خلال الأرتماء بمياه دجلة فماتوا جميعهم غرقا في النهر، بسبب ضنك العيش ولنفاذ صبرها في تحمل المسؤولية ومقارعة الحياة بصورها الصعبة.
ونعود لسرد شجون الموضوع، لتعود بنا الذاكرة إلى فترة مابعد سقوط الملك الصنم منذ عقد من الزمن إذ أستبشروا الفقراء خيرا وخالوا أن حالهم سينقلب إلى أحسن حال، للتخلص على الأقل من حالة الاقتيات والإسترزاق على مزابل ونفايات صغار الملوك، ترقبوا على أمل تحسين مفردات بطاقة تموين رزقهم الوحيدة وزيادة انواعها، وتحسين أداء الكهرباء وباقي الخدمات، فتفاجئوا بفقرهم الجديد وقد انقلب عليهم إلى أعلى درجات الفقر المدقع، وتفاجئوا أيضا بإنحسار كميات وانواع مفردات البطاقة التموينية المزامن بدخول موجة كبيرة من الطبقات الوسطى من المجتمع والتحاقها بطبقتهم-أي طبقة الفقراء- فاصبحوا ينافسونهم بفقرهم بسبب زيادة اعدادهم، هذه الزيادة لربما تقف حائلا ضد تشريع القوانين التي قد تعالج وضعهم، ومايجعل ملوك المرحلة يضيقون بهم ذرعا بسبب تباكيهم على قلة التخصيصات التي تشكل عبئا على كاهل الخزينة بادعاءهم، في بلد تجاوزت ميزانيته السنوية لأكثر من 130 مليار دولار، ونتيجة لذلك عمدوا لإجتثاثها بخطوات منظمة ومحسوبة، فشنوا عليها حربا ضروسا-أي على مفردات البطاقة التموينة- الحرب التي غيرت في مصداقية تسليم المفردات في أوقاتها المحددة، وحذف بعض المواد المهمة منها، حتى وصل الأمر بالاقتصار على صرف مادة واحدة أو مادتين في أغلب الأحيان.
فالحرب الضروس -هذه- التي شنت على الشهيدة الميتة سريريا “البطاقة التموينية”، لو أنها شنت على الفساد بجميع انواعه، وبنفس الاصرار والقوة، وأعني قوة أدامة الزخم والترصد، لإنحسر -الفساد- إن لم نقل جله، فبعضه!!.
أما مازاد في حرج الفقراء ومحنهم هو استمرار حالة التصاق طبقة المتقاعدين بطبقتهم مما “زاد في الطين بلة” السبب الذي جعل من مجمل شريحة الفقراء شريحة كبيرة وتشكل عبئا ثقيلا على كاهل الحكومة في احتواء فقرهم وتذليل هوانهم، فعمدت الحكومة إلي تقليص اعدادهم بمقترح تشريع قانون التقاعد الموحد الذي ينصف المتقاعدين بشكل ولو نسبي-” لأن الضايك الموت يرضى بالصخونة”-.
ولكن مشروع القانون هذا مازال يتخبط في أروقة الحكومة، وفي عتمة ظلامية صغار الملوك، لأسباب غير معروفة، فتعطيل أو تأخير تشريع قانون التقاعد الموحد في مؤسسات الحكومة، له تأثير سلبي وسيء على العامل النفسي للمتقاعدين وأسرهم، الذين ينتظرون اقراره بفارغ الصبر بسبب صعوبة ظروفهم المعيشية، وتداعي الحالة الصحية والبدنية لمعظمهم، وانخفاض معدل مايتقاضونه من رواتب بأرقام عشرية، التي جعلت منهم ان يعيشوا عيش الكفاف، وتحت مستوى خط الفقر، وسط ارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين متطلبات الحياة من”أجل البقاء”وتحري سبل العيش الرغيد الذي يحفظ لهم كرامتهم وانسانيتهم وماء وجوههم في مرحلة تقدم السن وفي مابقي من عمرهم القليل.
والتسريع في إقرار قانون التقاعد الموحد، له تأثير ايجابي كبير في انحسار ظاهرة البطالة المستشرية في البلد، من حيث ان مجمل رؤوس الأموال البسيطة التي ستلحق بسلة السوق المحلية من جراء تطبيق القانون وتعديل رواتب المتقاعدين تساهم في خلق عمالة شعبية في السوق وخلق حركة تجارية فيه،قد تساهم بأستقطاب بعض العاطلين عن العمل بحسب هممهم، وأمر آخر ان قسما من هؤلاء الشباب سيشغلون مناصب بعض الموظفين المخضرمين الذين سيحيلون أنفسهم على التقاعد بعد صدور هذا القرار.
فالتسريع هو إذن الآلية البلسم التي تستنقذ المتقاعدين مماهم فيه فضلا عن انها تقلص إعداد الفقراء للحد الذي يمكن الدولة والحكومة أن يضعا خططا ناجعة تساعد على انحسار ظاهرة الفقر والعوز في المجتمع العراقي بشكل جدي وجذري وحيوي، ويقينا أن الارهاق الذي يصيب أذهان هذه الطبقات سببه الانتظار الطويل المتعلق بحسم هذه الملفات الواجبة الغلق بأسرع مايمكن، مصداقا لقول أحد الحكماء المتعلق “بإرهاق ذهن الإنسان” والذي استخلصت منه ثلاثة معان هن الكهرباء، وتشريع القوانين والبطاقة التموينية، فوجدت أنهن قد جمعن في قوله-أي الحكيم-: “ثلاثة أمور ترهق ذهن الإنسان، سراج لايضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء”.
دعوني أعرج ولو قليلا على”مثلث الفقر والجهل والمرض” الذي كان يعاني منه العراق منذ أمد ليس ببعيد، وإبتلي به شعبه عقيب سقوط الدولة العثمانية، وتعرض العراق من جرائها للاحتلال البريطاني وانتدابها البغيض على اعقاب الحرب العالمية الاولى ومرورا بالحرب العالمية الثانية، التي لاتقل ضراوة عن سابقتها خسر فيها العراق الغالي والنفيس، تلتها فترة حكم ملوك العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة سنة 1958 التي فجرها الزعيم عبد الكريم قاسم، فأراد رحمه الله، أن يختزل مفردات هذا المثلث، ولكن مالبث أن يفكر في تحقيق هذا الأمر حتى انقلب عليه عبد السلام محمد عارف، بثورة 8 شباط الفاشية في سنة 1963، وبدلا من انحسار تقويض هذا المثلث المشؤوم وباقي معاناة الشعب، تضاعف إلى اضعاف مضاعفة، منذ أن وضع حزب البعث قدمه على سدة الحكم بحرسه القومي السيء الصيت الذي أشاع الفوضى وجرائم القتل والاعتقال والاغتصاب والتصفيات، والاعتداء على عفة المواطنين وكرامتهم في مناطق محدودة من العراق، وتلاحقا إلى متتالية الأيام والسنين التي عاشها العراقيون في ظل حكم حزب البعث الاعرابي الفاشي، حتى استحال هذا المثلث إلى “مثمن” يحتوي من بين زواياه الثمانية بالاضافة إلى الفقر، والمرض، والجهل، خمس تداعيات أخرى، هن ؛ “الظلم والظلام”، و”الموت والإرهاب والإرهاب المجاز”، و”الفساد بجميع انواعه”، و”التمييز الطائفي والعنصري والمناطقي”، و”اضمحلال القيم والأخلاق”.
فتبا لملوك الشر، وتبا لملوك الاعراب، وتبا لملوك الدين الإسلاموي السياسي، وتبا لملوك الإرهاب والإرهاب المجاز، وتبا لملوك الاستحواذ والإستبداد المتنطعين، وتبا لملوك الفساد والفساد الاداري، وتبا لملوك الفوضى والانحدار الاخلاقي، وتبا لملوك الضبابية والبيروقراطية والديكتاتورية والديموقراطية المزيفة، وتبا لملوك الايديولوجيا الفاسدة، وتبا لملوك العلمانية الغير واعية ،وتبا لملوك الظلام الذين جعلوا بلدي يغط في ظلام دامس، ليتآزروا مع بقية الملوك ومع ملوك الإرهاب والقتل الذين جعلوا من بلدي يغرق في بحر من الدماء.
وسلاما على وطني الجريح الذي يغطش بظلام حالك، وسلام على شعبي المظلوم الذي يغط في عتمة مدلهمة ظلماء، وتعسا لملوك الظلام الذين أشاعوه في بلدي، وتعسا لتيجانهم السوداء المرصعة بدماء وجماجم العراقيين، والتي صاغوها من ويلات ومعاناة ودموع هذا الشعب الطيب.
وعتبنا على شرفاء هذا الوطن الذين اختارهم الشعب، الذين لايتفوهون بكلمات الحق لإسعاف هذا الوطن وإستنقاذه من ظلمة هذه المرحلة، واشاعة النور في سكانه ومساكنه، الذي بذلت من أجله ترليونات الدنانير العراقية دون جدوى، فيدخلوا التاريخ من أوسع ابوابه، فلو انهم وفوا بعهودهم التي قطعوها على أنفسهم للشعب الذي أوصلهم لهذا المقام لدخلوا التاريخ من أوسع ابوابه، والعراقيون هم أحق بالوفاء بما حباهم الله من ملكات الوفاء والالتفاف حول قادتهم دون أي بلد آخر، ولاينسون الايادي التي تستنقذهم من محنهم، قدر تعلق انتمائهم لبلد يرقد فيه معظم الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم اجمعين.
والأخذ بحديث رسول الله وهو القائل(ص):
“اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.”
والحمد لله الذي رزقنا بشريف من شرفاء العراق، والذي ظهر إلى الوجود بعنوان انه خادم حقيقي لهذا الشعب الذي أنجبه ورباه وعاش في كنفه كمجاهد في الزمن الصعب، والذي استطاع أن يفتح نافذة من نور ليبدد جزء من هذا الظلام الحالك، ونتمنى له التوفيق والتألق في عمله، ليكون نواة وقدوة صالحة للمناصب القيادية في دولة المؤسسات على كافة المستويات ليذكرها التاريخ وتقصها الأجيال بالثناء وبالفعل الحسن وبالوطنية الفذة،أو ليكون نموذجا مناسبا يقتدى به لصناعة النزاهة والاستقامة والوفاء والاخلاص والاقدام والتواضع ونكران الذات في مدرسة اسسوها رجال بدمائهم وبشموخهم وبعنفوانهم وبمجدهم وبإيمانهم وبحبهم لهذا الوطن المعطاء.
ليت أن كل الشرفاء في هذا الوطن أن يقتدوا بهذا الرجل الشريف السيد علي دواي محافظ العمارة، والذي يأبى إلا يكنى إلا بخادم الشعب في هذه المحافظة النجيبة وفي هذه المرحلة العصيبة، فهنيئا لها بهذا الوليد والابن البار وشكرا للتيار الذي أحتواه، واسأل الله وبحق كرامة هذا الشهر الكريم عنده أن يحفظه لخدمة هذا البلد، ولو انه أحرج أقرانه ببدلته الزرقاء التي اسقطت عروش وتيجان ملوك هذه المرحلة، ملوك الفسق المتنطعين وملوك الإستحواذ والاستبداد ، وإن حنفوا، فهؤلاء الذين حرموا أنفسهم من التمتع بنعم العيش الشريف التي وهبها الله لبني البشر ،وبدلا من ذلك آثروا الميل ليتسافلوا بفسقهم وإستبدادهم، والإستحواذ والعبث بمصائر الناس وأمنهم واموالهم ودمائهم، لايعيشون إلا في الظلام الحالك،كخفافيش ليل!!.
فالعراق إذن في أمس الحاجة لخدمات هذا الرجل الشهم، وماأحوجنا له ولإمثاله في مرحلة البناء بعد تعرض البلاد للخراب والتدمير بفعل ما يحتويه مثمن التداعيات الآنف الذكر، وبفعل التركة الثقيلة التي خلفها ملوك الاعراب من حزب البعث.
فسر على بركة الله سيدي يا”علي دواي” فانك بعين الله وبعيون جميع شرفاء الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وبعيون جميع شرفاء العالم، ولاتأخذك في الله لومة لائم، ولاتضرنك عثرات الحاسدين والحانقين والفاسدين والحاقدين والمتفذلكين والزمكانيين، فهناك المباركون الذين يقفون لك اجلالا واحتراما ويكتبون اسمك في قلوبهم وبين ثنايا صدورهم وفي حدقات عيونهم، ويخطونه على أكفان موتاهم ليكون شفيعا لهم ولاابالغ في ذلك، فعن رسول الله (ص) انه قال: “إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة، وإن الرجل ليشفع للقبيلة، وإن الرجل ليشفع للعصبة، وإن الرجل يشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل”
وصدق رسول الله، وصدق وهو القائل أيضا(ص): “هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون.”
والسلام.