23 ديسمبر، 2024 1:33 ص

ملك المعدان الهاشمي

ملك المعدان الهاشمي

بعد فشل احداث ثورة رشيد عالي الكيلاني والضباط الاربع ضد الملكية والانكليز 1941  طاف مشحوف على القرى المنسية في الأهوار ( أم شعثه ، دولبه ، مسنايه ، حذافة ، أم الاعظام ، قرية الرواديد ، سلف سيد منهل ، وقرية السنسول وآل فرحان والسادة المهازيع ) .وهو يحمل موظفين حكوميين ولديهم اوامر بتوزيع صورة الملك فيصل الثاني على تلك القرى مع توصية من متصرف اللواء أن لا يكون التوزيع اجبارياً .

وكان الموظف الذي يحمل تصاوير الملك التي طبعت في مطابع المكتبة الوطنية البريطانية وضعت في صناديق انيقة وبالألوان التي بدت براقة وتشع فيها صورة الملك الصبي الذي لم يزل تحت وصاية خاله الامير عبد الإله.

كان ينادي : هذه صورة الملك الهاشمي من نسل النبي من يُريد أن يتبرك بها في بيته فليأخذ واحدة أو اكثر.

يقول شغاتي موظف الخدمة في مدرستنا وهو يروي هذه الحكاية وكان وقتها شابا يافعا : كان وجه الملك المشع بأبتسامة جميلة مفاجأة أن نرى ملكا من نسل الرسول يحمل وجهه الى قرى المعدان .

فكرة اقتناء صورة للملك استهوتهم كثيرا وان والد شغاتي تصرف بحكمة ليقنع نفسه ورجال القرية بضرورة اقتناء صورة الملك قائلا .: أن بيوتنا فيها صورة نتبرك بها للأمام علي ع وهو يجلس ولديه الحسن والحسين ع على ركبتيه وخلفهم خادمه الامين قنبر .

ومادام الملك من نسل النبي فلندعه حفيدا للأمام وأن لم ترضوا فهو خادمه مثل قنبر ولنعلق صورته .

يقول شغاتي : ومن يومها عرف المعدان التفاصيل الواضحة لوجه الملك بعدما كانوا لايعرفون سوى تفاصيل وجوه موظفي الحكومة الذين كانوا يتحدثون بأسمه يوم تتكاون القرى فيما بينهما ويصبح بينها في بعض الاحيان مقاتل لتأتي شخاتير الشرطة تفض النزاع وتلقي القبض على المطلوبين بأسم الملك حتى أن بعض المعدان البسطاء عندما كانوا يسمعون بأسم الملك يتخيلوه يشبه هذا الملك الذي يأتي ذكره على لسان القارئ الحسيني كملك للموت او ملكيَّ للحساب منكر ونكير او الملك جبرائيل الذي انزل القرآن الكريم على صدر النبي.

وأحدهم كان يعتقد ان هذا الملك موجود في دار الحكومة في قضاء الجبايش حين سلطته على ( طوايف ) هور الجبايش ، وان الفهود والقرنة والقرى التي تجاور مرقد سيد يوشع والعلوية ( فواده ) لها ملكها الذي يحكمها ولكن غير صاحب هذه الصورة ، ولكنه بقي يتساءل وهو مندهش من لمعان الالوان الاوفست التي تدخل لأول مرة تاريخ جدران بيوت الاهوار : من وين لكت الجبايش هذا الملك الحلو وبدلته المزركشة؟

وهكذا من بداية الاربعينات وحتى ما بعد ثورة 14 تموز في 1958 ظلت صورة الملك الهاشمي تجاور صور الائمة وصورة بنت المعيدي ، فكانت تلك الجدران المبنية من القصب تحمل ثلاث هواجس المذهب والحاكم والخيال الرومانسي المغرم بوجه بنت المعيدي.

لسنوات لم يجرأ أي واحد من ابناء المعدان من انزال صورة الملك حتى مع قيام بعض المعلمين بجلب صورة الزعيم عبد الكريم وتوزيعها على بعض البيوت ، وهكذا سكنت جدران بيوت المعدان صراعات السياسة منذ أن اتت صورة الزعيم لتكون جنبا الى جنب مع صورة الملك حد الذي علق فيه احد المعلمين وهو يزور بيت ابو شغاتي في اواخر الخمسينيات : اظن انه لا يصلح ان يكون صورة القتال مع المقتول في مكان واحد . ومازال القاتل منتصرا فعلينا انزال المقتول.

معلم جنبه قال :لا أظن ان الزعيم قاتلا ولكن لكل ثورة اخطائها .

قال المعلم :وبالرغم من هذا الملك والزعيم لا يجتمعان.

انتبه والد ابو شغاتي للنقاش وقال : انتما لا تقرران انا من يقرر. سيظلان في مكانيهما والزمن من يقرر اي صورة ستنزل من الجدار…

انصت الى قصة شغاتي واصل الى يقين أن رد والد شغاتي كانت اول حكمة اسمعها من رجل عاش في هذا المكان وهو ينصفُ ملك المعدان….!