حضيت القوائم والكتل التي تحضى بشراكة السلطة ولديها المال بهالة اعلامية واسعة وبقت نفس زعامات هذه الكتل تصول وتجول على شاشات الفضائيات التي تمتلكها هذه الزعامات او تدفع لها ولم تتغير الا اسماء وعناوين الكتل لتلافي الافصاح عن طائفيتها ونزعتها الدينية وتميزت الشرقية بشكل واضح بتغطية واسعة وتحليلية فيما يبدو انه اعلام مدفوع الثمن بلا تحيز لقائمة او مكون باستثناء موقفها من كتلة الكرامة التي لدى امينها العام اكثر من فضائية غطت اعلامها . ولعبت فضائية البغدادية دورا هاما في فضح ملفات الفساد والفشل لحكومة المالكي وتبني وجهة المرجعيات الدينية ورأيها بأداء الحكومة ولعب برنامج الساعة التاسعة وأنور الحمداني ببرامج الساعة التاسعة دورا توعويا ضد الطائفية وتسقيطيا للمالكي وحكومته وحزبه . كررت نفس الوجوه الكالحة من وزراء وقيادين ونواب ومحافظين وأعضاء مجالس ظهورها بخطاب تسقيطي واستعراضي مدعين بان عدم انتخابهم او انتخاب قائمتهم سيكون كارثة للعراقيين ! . وزراء فاشلين وفاسدين لم يخجلوا من أدائهم وتم تقديمهم على أنهم وزراء إنجاز وأداء . المفروض من الوزير الفاشل ان يخجل من نفسه وينسحب ، اما الوزير الناجح فيفترض منه ان لا يشارك في الانتخابات بل يستمر في نجاحاته تأسيسا لبقائه في حكومة قادمة . الوزراء والمحافظون والوكلاء في حكومة المالكي فاشلون كانوا او ناجحون يشعرون ان الترشيح مع المالكي ان كانوا من خط المالكي ودولة القانون هو وسيلة للبقاء بمناصبهم او كبرلمانيين ، أما سنّة المالكي المشاركون في سلطته وحكومته فيرشحون لأن فوزهم يضمن لهم حق المساومة والابتزاز من المالكي في حالة اصطفافهم معه . المرشحون الجدد والقوائم الصغيرة لم تحض بإعلام واسع لقلة تمويلها . اكبر سلبيات الانتخابات البرلمانية العراقية هو تبني نظام القوائم والتي بسببها تتشكل كتل الحيتان المدعومة بالمال والإعلام والسلطة لتنغمر بينها كتل فردية او جديدة لا تحض بنفس الامكانيات .
أجواء انتخابات 2014 جديدة بامتياز :
1. أجواء طائفية بإمتياز ، لماذا ؟: تشظت الكتل والتحالفات الطائفية السابقة (سنية وشيعية) الى كتل متعددة ومنفردة وقسم منها باسم وثوب جديد بسبب محاولة خداع للناخبين بانها غير متورطة بما ارتكبه ائتلاف دولة القانون والعراقية وحتى( الإتلاف الكردي ) من أخطاء وتجاوزات . وعلى هذا الأساس ظهرت كرامة وإتلاف العراق والتيار المدني وصادقون والكفاءات وعراقيون والوفاء وإخلاص وغيرها .
2. هذا الواقع زاد التأجيج والتسقيط الطائفي داخل الطائفة الواحدة والقومية الواحدة والكتلة الواحدة بتميز إعلامي ودعائي ؟ ولكن هذا التشظي ما قبل الانتخابات وخلاله ، لم ولن يعطي الناخبين ضمانة انها لن تتضامن ثانية وتالثة بعد إفراز نتائج لتعود الى طائفيتها وتبعيتها وبشكل وجاذبية أكبر . لو حدث هذا ستكون هذه الانتخابات أكثر كارثية في النتائج والعواقب من سابقاتها .
3. إختراقات عابرة للطائفية بهدف الاستحواذ وظهور كتل انتخابية جديدة وشخوص انتفاعية عشائرية وتجارية وسلطوية مدعومة بالمال والسلاح والإعلام هدفها التسقيط . ظهور مصطلح (سنّة المالكي) وما يعنيه هذا المصطلح أسس للمقولة السائدة من أن عودة المالكي لولاية ثالثة إذا حصل ، سببه ساسة السنة المالكيين على النقيض من أن عدم التجديد لولاية المالكي الثالثة سيكون بإرادة الناخبين الشيعة العرب لثقلهم الانتخابي الذي يمكنه تجاوز كل وسائل التوزير والتهميش وشراء الذمم بالمال والوعيد . بنفس الوقت الذي يظهر فيه مصطلح ( العلمانيين ) و(المتبرجات غير المنقبات أو المرتديات للباس الشرعي) وظهور فتاوى دينية ومرجعية بتحريم انتخابهم ! .
4. صراع دموي وعنفي وعسكري وتفجيرات ومداهمات واعتقالات وفياضانات في محافظة الانبار وحزام بغداد ومحافظات عديدة ، مما سيسفر عن عزوف كبير عن المشاركة في الانتخابات ويقلص من شرعيتها ويكشف زيف الديمقراطية التي يلصق بها .
5. التضخيم والتفخيم بشرعية الصدام العسكري بين الجيش وابناء العشائر والمعارضين والمنتفضين والمعتصمين من خلال التعامل معهم جميعا تحت مظلة مكافحة الارهاب والقاعدة وداعش ، ساهم وسيساهم في تأثير قوى دولية وإقليمية (واشنطن وإيران والخليج وتركيا) في التعامل مع نتائج الانتخابات لصالح أطراف معينة .
6. ظهور تيارات وكتل لبرالية وديمقراطية ويسارية وكفاءات ورجال اعمال وتقديم دورها كبديل للطائفية والنهج الدكتاتوري والتسلطي وسياسات الحزب الواحد . في حالة مصداقية جماهيرية هذه التيارات ونجاحها في الفوز بعدد متواضع من المقاعد البرلمانية ، فأن هذا الفوز سيكون له تأثير على طبيعة تحقيق تغيير نوعي (وليس بالضرورة جذري ) قادر على تغيير وجوه او منهجية السلطة اللاحقة . ظهور هذه التيارات مؤشر قوي على تغيير نوعي في الوعي والتثقيف .
7. بزوغ ظاهرة الاستغلال والنفوذ العائلي والأقارب والإنحدار العشائري في قوائم الترشيح والدعاية الانتخابية .
8. مخالفات دستورية وقضائية فاضحة للسلطة والجهاز الحكومي والآمني للتأثير على نتائج الانتخابات .
9. غياب قوات الاحتلال واستخدام البطاقة الانتخابية الالكترونية واتباع نظام سانت ليكو المعدل بصيغة عراقية (1,6 ) فريدة . واجتثاث وحرمان مكثف من الترشيح لقوائم واتجاهات معينة من قبل مفوضية الانتخابات . استخدام البطاقة الالكترونية صاحبه تصريحات عديدة عن شمول اعداد ضخمه من المتوفين بالبطاقة وكذلك سرقة اعداد أخرى وقد انسحبت منظمة( شمس) الدولية لمراقبة الإنتخابات عن مشاركتها بسبب كون نظام البطاقة وتصميمها وعدم احتوائها على البصمة وغيرها من مستلزمات ضبط الناخب ورصانة البطاقة و (شمس) هي أهم منظمتين دولية تشرف على الانتخابات وسلامتها كما يفترض في العراق .
10. في هذه الانتخابات قد لا تبالي واشنطن كثيرا بنتائج الانتخابات وما يترتب عليها من نتائج ، كون ان إدارة البيت الأبيض لا تعطي أهمية أو أسبقية كبيرة للوضع في العراق أو سوريا على ضوء تطورات دولية اخرى اهم مع قوى أكبر وأمام مصالح اهم لم تعد مضمونة . مما سيتيح لقوى إقليمية أخرى و طهران بالذات المتنفذة وفق تصريحات سليماني في العراق بشكل أكبر على نتائج هذه الانتخابات.
11. المرجعيات الدينية سنيّة وشيعية تبنت خطاب التغيير والذهاب الى الانتخابات بكثافة ومن خلال التصويت للأفضل والاكفأ والأنزه . ساهم هذا الخطاب برفع المعنويات وبعث الأمل كترياق لحالة العزوف والقنوط التي تعاني منها جموع حاشدة بسبب التهميش والمعاناة وعلى نمط مقولة أزمة اشتدي تنفرجي ، عاد الأمل لنسبة كبيرة من الناخبين بضرورة المشاركة بالانتخابات مهما اشتدت الأزمة لعل في المشاركة ستنفرج الامور ويحدث التغيير هذا الخطاب خلق لحالة متأخره برفع مستوى المشاركة في الانتخابات بشكل واضح .
12. مع انتهاء تصويت الخارج والانتخابات الخاصة ، لوحظ وجود جهد واضح ومنظم لتحقيق انسيابية وسلاسة في سبر الانتخاب وبإقبال اكثر من السنوات الماضية بالرغم من تسجيل خروقات هنا وهناك ومحاولات لشراء الذمم بالمال واستغلال السلطة للتزوير منها أنباء عن استغلال سعدون الدليمي لمنصبه واجبار العسكريين على التصويت باتجاه معين كذلك ما جرى في لندن والسويد من احداث وأخبار عن تظاهرات وتهديدات على مراكز الانتخابات ودور السفرات والرحلات المنظمة لناخبين محددين من قبل جهات مدعومة من احزاب السلطة ومخابرات وموظفي السفارات وشراء الأصوات والأمل ان لا ترق هذه الاختراقات لحد التأثير على النتائج بشكل كبير.
تقييم الانتخابات :
معلوماتي التالية عن تقييم الانتخابات هي ليست بحسب نظرة شخصية ولكنها خلاصة لرأي اعداد كثيرة من السياسيين والاعلاميين والوجهاء الذين يعتادون ديوانيتي وعيادتي ومهاتفتي وبالتالي قد تكون منحازة لأنها تمثل جمع معين ولكني وجدت من المهم في ختام هذا الملف أن أسجل هذه الملاحظات التي أجمع عليها المهتمون بالشأن العراقي :
أولا : ليس هناك تقدم ملحوظ في نوعية المترشحين وثقافتهم أناثا وذكورا عن مستويات المترشحين في الدورات السابقة .
ثانيا : قرارات الاجتثاث ومنع المشاركة في الترشيح سواء كانت من القضاء او من المفوضية لم تكن منصفة بل منحازة بشكل واضح لصالح المالكي وحزبه وانصاره فيما استهدفت بشكل مركز خصوم مشهود لهم بالصراحة والمشاركة الفاعلة وكشف ملفات الفساد والارهاب .
ثالثا : الساسة أسهموا باختلاق أزمات عديدة من خلال قرارات واوامر وحركات وإجراءات وصدامات ، قبل وأثناء إجراء الانتخابات لأغراض مضرة بالانتخابات والمشاركة فيها وتهميش مكون معين بالذات لتقليص امكانية حدوث التغيير .
رابعا : المشاركة في الانتخابات ستكون ضعيفة لا تتجاوز 50% من شريحة الناخبين .
خامسا : بسبب ان لا يحصل التغيير في الوجوه ، سيمارس التزوير بشتى الوسائل والأساليب المتاحة بشكل أكثف من الدورات السابقة .
سادسا : احتمال ان تجدد الولاية الثالثة للمالكي من خلال هذه الانتخابات بالرغم من وجود حالة شبه اجماع على ضرورة تغييره بنسبة قد تصل الى 40% بسبب توقع تاثير كبير للتزوير .
سابعا : لطهران ونظامها الحاكم تأثير كبير على كل الأحداث التي تشهدها الساحة العراقية بضمنها الانتخابات والنتائج والتنصيب والنهج .
في ظل كل ما يحدث بشأن الانتخابات وما يتزامن معها من عنف ودمار واقتتال . من إيجابيات هذه الانتخابات : هي انها تشكل تمخض جبل كان يعتقد انه عقيم عن حمل و ولادة عسيرة ، من خلال ممارسة حق من حقوق الحياة لم يكن عرسا أبيضا كما تمنيننا بسبب ما رافقه من سفك دماء بريئة فلنحسبه ولادة قيصيرية ! . وليد هذا المخاض نأمل أن يكون بشيراً بالتغيير والإنفراج ، اما إن كان الوليد خديجاً ( فأراً) فمن المؤكد انه ينذر بفالٍ أسود ، لا يعلم إلا الله تفاصيل وحجم شروره ومبتغاه .