22 ديسمبر، 2024 1:18 م

ملف أزمة المياه في العراق والحلول المطلوبة

ملف أزمة المياه في العراق والحلول المطلوبة

أمن المياه يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الغذائي ويكتسب الماء العذب أهمية خاصة في جميع دول العالم،حيث لا يمكن للحياة بوجه عام والإنسانية بوجه خاص أن تقوم أو تستمر وتتطور من دونه, وتقدر كمية المياه العذبة بحوالي 3% من جملة مياه العالم وهي نسبة قليلة فلذلك نشبت الكثير من النزاعات بين الدول المتجاورة على مصادر المياه في مختلف مناطق العالم, ولأجل حلّ هذه النزاعات تم تشريع القوانين الدولية التي تنظم العلاقات والحصص المائية بين هذه الدول لغرض حل كافة أنواع الاشكالات بينها.
المنطقة العربية تقع في الجزء الأكثر جفافا من العالم بسبب قلة هطول المطر فيها، وهذا سبّب محدودية وندرة الموارد المائية المتجددة في المنطقة العربية بالمقارنة مع الزيادة السكانية المتنامية، بالاضافة الى أن معظم الموارد المائية السطحية في المنطقة العربية هي مياه مشتركة مع دول خارجية، وهذا يهدد أمن وسلامة هذه الموارد بالرغم من ابرام الاتفاقيات الدولية بين كل من دول المنبع ودول المجرى والمصب. ولو تحدثنا عن أزمة المياه في نهري دجلة والفرات في العراق فنجد أن تركيا باعتبارها دولة المنبع تمتلك ميزة جغرافية واستراتيجية تتمثل بالسيطرة الكاملة على كل من هذين النهرين في مواجهة الدولتين المتشاطئتين معها وهما سوريا والعراق وقد عملت منذ سنوات طويلة على الاستفادة من هذا الموقع الجغرافي فعملت على انشاء عشرات السدود العملاقة لاستغلال المياه وتخزينها والاستفادة منها وآخرها وأكبرها كان مشروع غاب العملاق الذي يُعدّ أضخم مشروع في العالم، ويشمل ثماني محافظات تركية وعند إتمامه ستقارب مساحة الزراعة المروية من خلاله 8,5 مليون هكتار أي نحو 19% من مساحة الأراضي المروية في تركيا ومن أهم سدود هذا المشروع سد أتاتورك الذي دشن في تموز 1992 ويقع على نهر الفرات وآخرها سد أليسو العملاق الذي اكتمل مؤخراً على نهر دجلة وستتم المباشرة بملئه في شهر حزيران القادم وستكون نتائج ملئه بالماء كارثية على العراق في انخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة وفي الأهوار.
عملت تركيا في جميع المفاوضات التي تخص هذا الملف بربطه بملفات أخرى منها سياسية أو أمنية وأخرى اقتصادية لنيل أكبر قدر ممكن من المكاسب لصالحها, وأشهد بأن تركيا لعبت دوراً ذكياً في ادارتها لهذا الملف بالرغم من وجود القوانين الدولية التي تنظم ذلك حيث ان أصل الخلاف هو على حجم الحصص المائية للنهرين فتركيا تسيطر على نصف هذه الحصص والنصف الآخر يقسم بين العراق وسوريا مع العلم بأن تركيا تمتلك فائضاً مائياً يزيد عن حاجتها الأساسية في منطقة الأناضول مقابل عجز مائي كبير تعاني منه كل من سوريا والعراق خاصة ان العراق يعاني من فقر كبير بإجمالي موارده المائية بإعتباره دولة مصب. وحل المشكلة أن تتنازل تركيا عن جزء من حصصها المائية الفائضة الى العراق وسوريا ولكن تركيا تجد ان هذا الحل غير منطقي لأنه ليس من المعقول أنها تنفق المليارات من الدولارات لانشاء السدود ومايرافق ذلك من صرفيات هائلة من نفقات لتشغيل وصيانة تلك السدود والمحافظة على المياه المخزونة من التلوث وباستخدام التكنلوجيا الحديثة ان تقوم بالتنازل عن جزء من حصصها المائية دون مقابل وهذا أمر منطقي.
تستند تركيا من الناحية القانونية عند تفاوضها حول الحصص المائية على قاعدة مهمة وهي ان القوانين الدولية تمنع بيع الماء وانشاء أسواق خاصة بذلك باعتباره مادة اساسية للحياة ولايجوزمن الناحية الانسانية استغلاله أو بيعه الى الدول التي تحتاجه وحجتها بانها لاتبيع الماء كمادة أولية لأنها قامت بتحويله من مادة أولية الى مادة صناعية (سلعة ذات نفقات) لأنها أنفقت على ( التخزين والتشغيل والصيانة ) لذا فانها تتعامل معه على هذا الأساس وبذلك حمت نفسها من أي مخالفة قانونية.
ما أريد قوله بأن العراق يجب أن يدرك خطورة ملف المياه وعلى الحكومة والبرلمان أن تتعامل معه بجدية لأنه من أهم الملفات وأخطرها وأكثرها مساساً وتهديداً لحياة المواطن العراقي ولقد بدأت بوادر هذه الخطورة أكثر وضوحاً في هذا العام مع قلة الأمطار لذا عليها أن تأخذ دورها الوطني بالتخطيط العلمي السليم لحل مشكلة شحة المياه ووضع الخطوات الصحيحة مع وضع التوقيتات الدقيقة للتنفيذ وتخصيص المبالغ الكافية لتحقيق هذه الخطة ويمكن ادراج أهم الخطوات الواجب على الحكومة اتخاذها وهي:
التخطيط لانشاء سدود جديدة بعد اختيار أماكنها بطرق علمية مدروسة لايقاف هدر المياه التي تذهب معظمها الى البحر دون الاستفادة منها.
ادامة السدود القديمة الموجودة في العراق وذلك بالاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال لكي تتسع لكميات أكبر في تخزين المياه لأن معظمها تعمل حالياً بطاقات منخفضة نتيجة المشاكل الفنية الموجودة فيها.
التعاون مع تركيا عند التفاوض حول هذا الملف بتقديم التسهيلات الاقتصادية ورفع حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين وهذا سيخلق مرونة كبيرة من الجانب التركي في زيادة الحصص المائية للعراق.
التعاون مع تركيا في مايخص الملفات الأمنية بما يحفظ سيادة الطرفين وعدم المساس بأمن اي من البلدين وهذا أيضاً سيشجع الجانب التركي لزيادة الحصص المائية للعراق.
التعاون مع تركيا في تنفيذ مشاريعها المخطط لها منذ سنوات طويلة في توفير المياه العذبة للبلدان التي تحتاجها وأهمها (مشروع نقل المياه من العراق إلى الكويت) و(مشروع نقل المياه من العراق إلى الأردن) وبقية المشاريع المستقبلية لتزويد المياه الى دول الخليج أو أية دول أخرى, وهذا التعاون في اعتقادي سيحقق فائدة اقتصادية كبيرة الى تركيا والى العراق حيث ستقوم تركيا بدفع مبالغ كبيرة الى العراق كضريبة عن مرور المياه الخاصة بتلك المشاريع في أراضيها وكذلك ستقوم تركيا بزيادة الحصص المائية المخصصة للعراق.
مانحتاجه للتعامل مع هذا الملف الخطير أولاً الى الحسّ الوطني الحكومي بحجم الخطورة وحجم الكارثة فيه وثانياً الى النيّة الحقيقية للعمل الجاد ووضع استراتيجية محكمة لتجاوز المخاطر وأخيراً الى الدهاء السياسي في إدارة ملف التفاوض مع تركيا ومع المجتمع الدولي وأخيراً الحاجة للاسراع من الآن باتخاذ الخطوات السريعة والفورية للتعامل مع الأزمة التي بدأت تتفاقم بشكل مخيف وعدم تأجيلها أكثر من ذلك والانشغال بالصراعات السياسية والمكاسب الحزبية والانتخابية ووضع مصلحة العراق وشعبه فوق كل المصالح الشخصية والحزبية لأن التأريخ لن يرحم كل المتقاعسين في مصالح العراق.