من أشهر النظريات الفلسفية هي نظرية الحركة الجوهرية للفيلسوف المتأله الملا صدرا الشيرازي التي بينها في كتابه الرائع اﻷسفار اﻷربعة…
وقد لفت أنتباهي ملخصا رائعا للأستدلال على الحركة الجوهرية كتبه السيد الشهيد محمد باقر الصدر في هامش فلسفتنا وأحببت أن أنقل هذا الملخص حرفيا توخيا لفائدة القارئ والباحث إذا لعل الكثير منهم لم تسنح لهم فرصة اﻹطلاع على كتاب فلسفتنا أو لعل بعضهم لا يتوقع أن يطرح ملخص اﻹستدلال على نظرية الحركة الجوهرية في كتاب فلسفتنا..
وقبل أن أنقل ملخص اﻹستدلال لابد من تسليط الضوء ولو بصورة خاطفة على بعض الامور التي لها علاقة بنظرية الحركة الجوهرية:
اﻷمر اﻷول: ما هو الجوهر؟
الجوهر هي الماهية التي اذا وجدت توجد مستغنية عن الموضوع ( الموجود لا في موضوع ) كالجسم فهو جوهر كل مادة..
وينقسم الجوهر الى قسمين:
1- الجوهر القابل للأبعاد: كالجسم.
2- الجوهر المجرد: كالعقل والنفس.
اﻷمر الثاني: ما هو العرض؟
العرض هو الماهية التي اذا وجدت توجد محتاجة الى موضوع( الموجود في موضوع ) كاللون الذي يحتاج الى الجسم.
اﻷمر الثالث: إن الحركة الجوهرية موضوعها الجواهر المادية وليست الجواهر المجردة…فحركة الجوهر تعني أن الحدوث يحصل في الجوهر في كل آن ولا تقتصر فقط على الحركة التي تحصل في العرض…
اﻷمر الرابع: أن هناك بعض المحققين من الفلاسفة قد ناقشوا نظرية الحركة الجوهرية وأشهرهم الشهيد محمد باقر الصدر والشهيد محمد الصدر كما أشار الى ذلك في منهج الاصول ودرس الخارج في أصول الفقه وليس هنا محل بيان تلك المناقشات ولكن أشرت لها لمجرد أثارة فضول القارئ الكريم والباحث المنصف..
ولابد لي أن أترك الكلام للمفكر العظيم الشهيد محمد باقر الصدر( قدس الله سره ) حيث كتب في هامش فلسفتنا ملخصا للأستدلال على الحركة الجوهرية حيث جاء فيه ما نصه:
(( ويتلخّص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالأمرين التاليين :
الأوّل – أنّ العلّة المباشرة للحركات العرضية والسطحية في الأجسام – من الميكانيكية والطبيعية – قوّة خاصّة قائمة بالجسم ، وهذا المعنى صادق حتّى على الحركات الآلية التي يبدو لأوّل وهلة أ نّها منبثقة عن قوّة منفصلة ، كما إذا دفعت بجسم في خطّ اُفقي أو عمودي ، فإنّ المفهوم البدائي من هذه الحركة أ نّها معلولة للدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، ولكنّ الواقع غير هذا ؛ فإنّ العامل الخارجي لم يكن إلّاشرطاً من شروط الحركة . وأمّا المحرّك الحقيقي فهو : القوّة القائمة بالجسم ، ولأجل ذلك كانت الحركة تستمرّ بعد انفصال الجسم المتحرّك عن الدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، وكان الجهاز الميكانيكي المتحرّك يسير مقداراً ما بعد بطلان العامل الآلي المحرّك ، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي القائل : إنّ الجسم إذا حُرِّك استمرّ في حركته ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي . غير أنّ هذا القانون اُسيء استخدامه ؛ إذ اعتبر دليلاً على أنّ الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاصّ وعلّة معيّنة ، واتّخذ أداة للردّ على مبدأ العلّية وقوانينها .
ولكنّ الصحيح : أنّ التجارب العلمية في الميكانيك الحديث ، إنّما تدلّ على أنّ العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلّة الحقيقية للحركة ، وإلّا لما استمرّت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرّك عن العامل الخارجي المستقلّ ويجب لهذا أن تكون العلّة المباشرة للحركة قوّة قائمة بالجسم ، وأن تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوّة .
الثاني – أنّ المعلول يجب أن يكون مناسباً للعلّة في الثبات والتجدّد ، فإذا كانت العلّة ثابتة كان المعلول ثابتاً ، وإذا كان المعلول متجدّداً ومتطوّراً كانت العلّة متجدّدة ومتطوّرة . ومن الضروري على هذا الضوء أن تكون علّة الحركة متحرّكة ومتجدّدة ، طبقاً لتجدّد الحركة وتطوّرها نفسها ؛ إذ لو كانت علّة الحركة ثابتة ومستقرّة ، لكان كلّ ما يصدر منها ثابتاً ومستقرّاً ، فتعود الحركة سكوناً واستقراراً ، وهو يناقض معنى الحركة والتطوّر .
وعلى أساس هذين الأمرين نستنتج :
أوّلاً – أنّ القوّة القائمة بالجسم والمحرّكة له ، قوّة متحرّكة ومتطوّرة ، فهذه القوّة بسبب تطوّرها تكون علّة للحركات العرضية والسطحية جميعاً ، وهي قوّة جوهرية ؛ إذ لا بدّ أن تنتهي إلى قوّة جوهرية ؛ لأنّ العرض يتقوّم بالجوهر . وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة .
ثانياً – أنّ الجسم يأتلف دائماً من مادّة تعرضها الحركات ، وقوّة جوهرية متطوّرة ، وبسببها تحصل الحركة السطحية في ظواهر الجسم وأعراضه .
وليس في المستطاع الآن أن نعرض الحركة الجوهرية وبراهينها بأكثر من هذه اللمحة .
( السيد محمد باقر الصدر قدس سره ) ، يراجع الأسفار الاربعة 3 : 61 ، الفصل 19 ، و : 46 ، الفصل 20 . والجزء 4 : 273 ، بحث وتدقيق)) إنتهى