في التاريخ الإسلامي تم تغييب الكثير من الإحداث المهمة, بسبب أرادة الطغاة وسعيهم للتفرد, فرفضوا أن تشرق شمس الحقيقة, مما تسبب بسيطرة الباطل طويلا, ليتكون دين السلطة الهجين, منذ عهد الأمويين, ومن تبعهم من الفقهاء وأهل الحديث وكتاب التاريخ والعقائد, ليشكلوا دين هجين بعيد عن روح الإسلام, يحمل بداخله جبل من الخطايا, ففي الماضي أنتج عشرات الفرق المنحرفة, وفي عصرنا كان نتاجه الأخوان والوهابية والسلفية والقاعدة والدواعش.أن سبب استمرار الانحراف, عدم تصدي المؤسسات الدينية العربية, لقضية الفقه المنحرف والروايات الإسرائيلية والكاذبة, التي تملى التراث, ليصبح هذا الفقه العجيب والروايات المكذوبة قاعدة لكل فرقة ضالة.نناقش هنا حدث أسلامي مهم تم تغييبه, بإرادة السلطة الحاكمة منذ الأمويين وما تلاها, فقط لان بطل الحدث لا يحبه القوم, أنها قصة تكسير الأصنام قبل الهجرة.بين يدي كتاب مهم وهو ( تكسير الأصنام بين تصريح النبي وتعتيم البخاري) دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث, للكاتب السيد نبيل الحسيني, يناقش قضية تاريخية تم تجاهلها بسبب السياسة, وهي قضية تكسير الأصنام قبل الهجرة, فقد تم تغييبها تماما لولا رحمة الله, التي حفظتها في بطن احد أهم كتب القوم, حيث قام الرسول الأعظم (ص) والإمام علي (ع) ليلة الهجرة بتكسير الأصنام وخصوصا صنم هبل, الإله الأهم عند القرشيين, حادث كالزلزال هز مكة, وصرف الأنظار عن هجرة النبي, فهبل المقدس عندهم قد تحطم.أولا نتساءل لماذا قريش تقدس وتحترم هبل, مع وجود عشرات بل مئات الإله الأخرى؟إلهة قريش وتمييز هبل
كان لقريش العديد من الإلهة, تقدم لها شتى أنواع الطاعة والتقديس, وكانت العبادة مرتبطة بالتجارة والمكانة الاجتماعية, مما جعلها مرسخة بعقلية العرب, إلى إن جاء الإسلام وحارب هذا الانحطاط بالاعتقاد, لكن كانت حرب طويلة لأنها ليست حرب عسكرية, بل حرب إيمان وعقيدة, وكان لقريش اله تعظمه اشد التعظيم, إلا وهو هبل, ذلك الصنم مكسور اليد الذي يعتقد انه تم جلبه من الشام, وكان مكسور اليد فقام القرشيون المؤمنون به, بتشييد يد من الذهب مكان الكسر.
نتساءل هنا لماذا تعظم قريش الصنم هبل, لماذا تعطيه هذه القدسية؟من الأسباب المهمة لتعظيم “هبل” (( إن عمرو بن لحي جاء به فنصبه في جوف الكعبة ووضعه على بئرها, وأمر الناس بعبادته وتعظيمه, فكان الرجل أذا قدم من سفره بدا به قبل أهله بعد طوافه بالبيت وحلق رأسه عنده)) { السيرة الحلبية ج1 ص17}.وكان أمام الصنم هبل سبع أقداح, فإذا شك بمولود ضربوا الأقداح فإذا خرج قدح “ضريح” ألحقوه به,وإذا خرج قدح “ملصق” دفعوا الطفل, وقدح عن الميت, يخبرهم عن مصيره, وقدح على النكاح, وقدح مكتوب به “غفل” إذا اختلفوا فيمن يحمله منهم ضربوه به فعلى من خرج يحمله, وقدح فيه ” بها” وقدح فيه ” ما بها” إذا أرادوا أرضا يحفروها للماء.
هذا النهج رسخ الاحترام والتقديس في حياة القرشيين لهبل, عن باقي الالهه, خصوصا مع تسليمهم التام للقداح الهبلية, للتحكم في حياتهم بهذا الشكل الغريب, فأصبح لهبل رأي فاصل في الأنساب والإعراض, فتصور مقدار ما حصل من فجائع فقط لان القدح ألهبلي اخبرهم إن الطفل غير شرعي, وأيضا يدلل على انتشار الانكحة الفاسدة, مثل نكاح الاستبضاع ونكاح العشرة, التي كانت موجودة في حياة القرشيين, بالإضافة لصاحبات الرايات الحمر, أو إن هبل يخبرهم بمصير الموتى, هل هو معذب أو معافى, خصوصا إن لقريش إيمان بحياة أخرى.
هذه الأمر يكشف عن تجذر الاعتقاد بهبل في مجتمع قريش عن الارتباط العميق بهبل بواسطة أقداحه السبعة, فكم كان داهية من وضع فكرة الأقداح,كي يكون حضور فعلي لهبل, ومما يعني إن عملية تغيير المعتقد ستكون صعبة جدا بل هي أصعب من تحريك الجبال, فتصور حجم الجهد الذي قام به الرسول الأعظم (ص).عملية تكسير الأصنام
الحقيقة إن كتب التاريخ والصحاح تذكر إن عملية تكسير الأصنام جرت على مرحلتين, الأولى قبل الهجرة والثانية في عام الفتح, لكن هنالك حملة جبارة للتعتيم على قصة تكسير الأصنام وتفاصيلها قبل الهجرة, خصوصا إن من قام بها فقط النبي الخاتم (ص) وابن عمه علي ابن أبي طالب(ع), ولأنها تمثل اكبر عمل لإذلال كبرياء قريش, وترسم فضيلة عظيمة للأمام علي, وهو الخصم الكبير لأتباع السقيفة, ومن تبعهم في العصور اللاحقة, لذلك نجد أن نقل الوقائع عبر كتب الحديث والتاريخ أخذت إشكال متعددة حسب مقدار العداء والحقد.
أولا: بعضهم عتم عليها كليا, كأنها لم تحصل نهائيا, وتجاهلها بشكل عجيب, مثل البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وابن ماجة.ثانيا: منهم من ذكر الحادثة لكنه عتم عن تعيين الليلة وعن هوية الصنم الذي كسره الرسول الخاتم والإمام علي, مثل احمد ابن حنبل والنسائي وابن أبي شيبة والموصلي والزيلعي.الثالث: منهم من صرح بهوية الصنم وعتم عن ذكر الليلة, لكي تختلط الأمور على الناس ويصبح النظر متجه إلى يوم الفتح فقط, مثل الخطيب البغدادي.الرابع: ذكر الواقعة بتفاصيلها, ولم يفعلها إلا الحاكم النيسابوري جزاء الله خيرا لأنه ذكرها بتفاصيلها, فذكر الحاكم عن علي (ع) قال: ( لما كان الليلة التي أمرني رسول الله (ص) إن أبيت على فراشه, وخرج من مكة مهاجرا, انطلق بي رسول الله (ص) إلى الأصنام, فقال: اجلس, فجلست إلى جنب الكعبة, ثم صعد رسول الله (ص) على منكبي ثم قال” انهض” فنهضت به , فلما رأى ضعفي تحته قال ” اجلس”, فجلست , فأنزلته عني, وجلس لي رسول الله (ص) ثم قال لي : يا علي اصعد على منكبي,فصعدت على منكبيه ثم نهض بي رسول الله فخيل لي إني لو شئت نلت السماء, وصعدت إلى الكعبة, وتنحى رسول الله (ص) فألقيت صنمهم الأكبر وكان من النحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض, فقال لي رسول الله (ص) : عالجه, فعالجته , فما زلت أعالجه ويقول رسول الله (ص) ” إيه, إيه”, فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه, فقال: دقه, فدققته فكسرته ونزلت. { المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3, ص5}فالحديث أولا يحدد بوضوح تاريخ حادثة تكسير الأصنام, بخلاف الكثير من أهل الحديث والتاريخ ممن كان جهدهم لإخفاء التاريخ, كي تختلط مع حادثة عام الفتح, لأسباب تتعلق بالسياسة أو الحقد الكبير على الإمام علي, من قبل الحساد المنافقين والحاقدين والساعين للحكم بالقوة, فكيف يقوم القوم بتوثيق فضل كبير لا يدانيه فضل لعدوهم الأكبر” الأمام علي”, وبالتالي يسجل مأخذ شديد على إتباع السقيفة. مضامين تكسير الأصنامأولا: إن عملية تكسير الأصنام تكشف زيف من جاء إلى الرسول (ص) وادعى انه امن به, بمعنى كشف المنافقين, فمهما لبسوا من أقنعة فان قضية تكسير إلهتهم فاضحة لهم, وعدائهم لمن كسر إلهتهم ستكون كاشفة لباطنهم النتن, حيث سيتأثرون وسيحزنون.ثانيا: في قصة إبراهيم (ع), كان تكسير الأصنام الإعلان عن بداية مرحلة جديدة, وهي مرحلة المواجهة والقتال, كذلك عمل الرسول الأعظم (ص), فأبى إن لا يهاجر إلا إن يكسر الأصنام ليلة الهجرة وخصوصا كبير إلهتهم “هبل”, واستعان بابن عمه الإمام علي في عملية تكسير الأصنام, ثم جعله يبيت مكانه ويهاجر سرا نحو يثرب.ثالثا: توضيح تاريخي من قبل النبي (ص) على مكانة الإمام علي من الإسلام, كمكانة إسماعيل من إبراهيم (عليهما السلام), وهارون من موسى (عليهما السلام), فالمواجهة والإحداث كانت دوما تحتاج لعون, والعون لا يكون إلا الوصي, لذا سارع اغلب رواة الحديث والكتاب مؤرخين التاريخ ممن يوالون السلطات الأموية والعباسية, إلى التعتيم عن هذه الحادثة, لأنها على الضد من توجهات السلطة التي كان إباؤها رموز الكفر وضحية تكسير الأصنام.رابعا: من الذي كسر هبل؟ سؤال طفولي تم إبعاده عن ذاكرة المجتمع العربي, كي لا تتوسع الأسئلة, ليكتشف حقيقة الأدوار التي قام بها الإمام علي, وتنكشف معه أكاذيب إلف وأربعمائة عام, التي تراكمت ودعمتها السلطة, قرن بعد أخر لتثبيت واقع حصل على حين فلتة, كما عبر احدهم عن منجزهم السياسي.خامسا: كان الحدث الأهم في الفتح هو إسقاط هبل, رمز الكافرين, لكن نجد رواة الحديث الملتصقين بالسلطة جاهدوا وبمكر كبير للتعتيم وتضييع الحدث, لأن الحدث مرتبط بالأمام علي, الذي كسر صنمهم الكبير هبل, ولكن قصة التكسير حفظها الله في صدور آل بيت النبي, وبعض الخلص من الصحابة, والقلة من الرواة والكتاب الذين التزموا المهنية العلمية في كتابة الحديث والتاريخ, وهكذا بقيت القصة ولم تزول.