عاجلا او اجلا سوف يصار بصورة او بأخرى على الاتفاق لإعلان التهدئة، او ان الصحيح والاكثر دقة في التوصيف هو ايقاف عملية الابادة الجماعية للسكان العزل في غزة، التي تقاوم ببسالة لامثيل لها وباي شكل كان، فهي، اي المقاومون فيها، يواجهون ماكنة الحرب الصهيونية الجهنمية، بقوة ردع صاروخي، تحدث للمرة الاولى في تاريخ المواجهة او الصراع العربي الصهيوني ولا نقول الصراع الفلسطيني الصهيوني، فهو من حيث الاطار العام، ومن حيث المخطط والمخطط المقابل، ومن حيث النتائج، يمثله نصا وروحا؛ التوصيف الاول وليس الثاني، فالثاني، توصيفا قصديا؛ لحصر مساحة الصراع في مساحة ضيقة جدا، لارتباط هذا التوصيف او الوصف بالأستراتيج الكوني الامبريالي الامريكي والغربي والصهيوني؛ تمهيدا لعزله عن مولداته، مخططا واهدافا.. في جميع الاحوال، ان المواجهة الحالية؛ غيرت قواعد الصراع لصالح المقاومة الفلسطينية، مهما قيل بخلاف هذا، ما هو الا محض هراء، على الرغم مما يجري وعلى مدار الساعة والدقيقة من مذابح، ماهي الا جرائم حرب، ان كان هناك نظام رسمي دولي؛ يحترم حياة الناس العزل من السلاح كما هو حادث على مدار الدقيقة في غزة. فهذا النظام العالمي الرسمي، وهنا نقصد الدول العظمى والكبرى التي تتحكم في مجلس الامن الدولي، فقد عجز هذا النظام؛ عن اصدار قرار اجرائي ملزم بإيقاف المذبحة.. كما عجز على مدار ما يقارب ثلاثة ارباع القرن؛ عن ايجاد تسوية منصفة وعادلة للصراع العربي الصهيوني على ارض فلسطين، التي تشكل واجهة الصد الاولى لهذا الصراع. بل ان الحقيقة هي بغير بهذا بالشكل الكامل، فقد سهل النظام الرسمي العالمي، بضغط امريكي وغربي، وبصمت الاخرين، الذي تفرضه عليهم شبكة من العلاقات بينهم وبين الامريكيين والغربين. ان ما نلاحظه الان لا يختلف قيد شعرة عن ما جرى قبل ثلاثة ارباع القرن، بل ان ما يجري الان هو اشد وضوحا، مما جرى لأكثر من سبعة عقود خلت. نلاحظ ان ردود الافعال سواء الغربية او الامريكية او حتى العربية بما فيها السلطة الفلسطينية لم ترق الى مستوى الصراع او الاصح الى مستوى المذبحة التي تقترفها اسرائيل؛ فقد انحصرت من الجانب العربي الى الشجب والادانة والاستنكار، لم ترتفع الى سقوف المنازلة التاريخية والملحمية، التي يكتبها الان بالدم والصمود والتصدي الشجاع والصبر والمطاولة، الشعب العربي الفلسطيني في مدونة التاريخ الملحمي لهذا الشعب العربي؛ كمحطة ناصعة في السفر التاريخي لهذا الشعب المقاوم.. الردود الامريكية والغربية جميعها، وحتى غير الغربية، من الدول العظمى الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي؛ قد ساوت بين الضحية والجلاد، وبين ماكنة الحرب الجهنمية، ذات القدرة الهائلة على احداث الدمار المروع في الانسان، شيخا وطفلا ونساءا، ومباني، ومصانع متواضعة. لا نريد هنا ان نذكر بالتفاصيل هذه الردود فهي معروفة ولا حاجة لنا بذكرها، لذا، نكتفي بالإشارة لها، كما اوردناه في اعلاه.. في الجهة الثانية؛ ايقظت هذه الملحمة الضمير العالمي تقريبا في جميع دول العالم، والذي شهد تظاهرات شاجبه ومنددة بهذه الجريمة البشعة بحق المدنيين العزل من الفلسطينيين؛ مما شكل دعما معنويا واخلاقيا للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وعزلا لإسرائيل وفشلا واضحا لخطابها السياسي المخادع والموجه الى العالم. ان هذا المنازلة التاريخية، سوف تشكل محطة مهمة او مفترق طريق للصراع العربي الفلسطيني؛ سوف تغير قواعد الصراع، للأسباب التالية، وباختصار شديد، بل شديد جدا:
اولا؛ ادخلت جميع مدن الكيان الصهيوني في المنازلة كأهداف مشروعة. مما يشكل في المقبل من الزمن؛ ضغطا على صانع القرار في هذا الكيان المجرم.. من جانب ومن الجانب الثاني وهو جانب مهم بل مهم جدا؛ سوف يدفع الكثير من سكان (اسرائيل) على الهجرة العكسية. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع (اسرائيل) والولايات المتحدة الامريكية على اهمية وضرورة الاتفاق على هدنة مستدامة كما يصفها بايدن، الذي ساوى بين الضحية والجلاد.. باستخدام الاداة المصرية المعروفة في كل مرة يجري فيها الصراع على هذا المستوى.. ومن دون وضع خارطة طريقة واضحة ومفصلة وبإجراءات بينة ومعلومة، اي هدنة مستدامة لصالح سياسة الكيان الصهيوني في قضم الارض الفلسطينية في الضفة والقدس. كما قد جرى في العقود السابقة
ثانيا؛ المقاومة الفلسطينية امتلكت وبقدرات تصنيع ذاتية؛ القدرة على صناعة صواريخ تصل الى جميع الجغرافية (الاسرائيلية). في هذه المنازلة لم تتمكن ماكنة الحرب الصهيونية، امريكية المنشأ، من اسكات صواريخ غزة. مما جعل هذا الكيان الصهيوني المجرم؛ يكثف من قصفه على الغزة من البحر ومن البر ومن السماء، وبطريقة الارض المحروقة على مسمع ومرأى من العالم ومن النظام العالمي الرسمي. هذا الصمود الاسطوري، دفع بالولايات المتحدة ان توافق على بيع ذخيرة موجهة وحديثة جدا، وذكية جدا، على جناح السرعة لهذا الكيان وبقيمة 735مليون دولار اي انها صفقة جسر جوي، ضخمة وجهنمية..
ثالثا؛ سكان (اسرائيل) في الوقت الحاضر، ليسوا كما كانوا قبل عدة عقود من عمر هذا الكيان، فهم يتمتعون بالرفاهية والترف، وليس لهم القدرة على حرب طويلة تطالهم في اي مكان من (اسرائيل)، مما يجعلهم يعيشون القلق وحياة الخوف والاضطراب، كما عسكرهم يزرع الموت والدمار والمصادرة، نقصد مصادرة الارض، في فلسطين ارضا وشعبا. ان هذا التطور في سلاح المقاومة، بوصوله الى جميع مدن (اسرائيل)، حساس جدا لصانع القرار في الكيان الصهيوني.
رابعا؛ هذه الملحمة اثبتت بالملموس؛ ان التطبيع مع النظام الرسمي العربي، الخانع والمنبطح، لا يفيد ولا ينفع في تغيير قواعد الاشتباك العسكري والسياسي، بل ان العكس هو الصحيح والذي صار او جعلته هذه الملحمة الاسطورية؛ واضحا كل الوضوح..
خامسا؛ ان اعتماد الشعب الفلسطيني على قدراته الذاتية كفيل بإحداث تغيير في قواعد الصراع مع هذا الكيان لصالح قضية شعب، لا يريد الا ان يعيش في دولة، معترف بها دوليا وذات سيادة على ما تبقى من ارضه.. بإجبار العالم ونقصد هنا الدول العظمى والكبرى التي تتحكم في مجلس الامن؛ على البحث عن طريق جدي وليس صوريا، لغاية تسويفية او اعطاء (اسرائيل) فرص للتمدد وقضم الارض.. كما هو قد جرى في السابق ويجري حتى اللحظة.
سادسا؛ للمرة الاولى، يشترك عرب فلسطين في داخل (اسرائيل) في الاشتباك مع المستوطنين ومع (جند اسرائيل)، مما يعني ان الامر قابل للتفجير في الزمن المقبل. هذا من جانب ومن الجانب الثاني؛ ان النمو الديموغرافي لعرب فلسطين اكثر بكثير من الصهاينة، سواء في الداخل (الاسرائيلي) او في الضفة والقطاع. هذا يعني ان الزمن لا يشتغل لصالح هذا الكيان، بل ان الزمن وبالضرورة الواقعية؛ يشتغل لصالح قضية الحق الفلسطيني في الحياة. ان هذا هو ما يفسر لنا ما جاءت به طروحات او حلول صفقة القرن، والتي من وجهة نظرنا لم تمت بل علق العمل بها في الوقت الحاضر، او ان الصحيح تم شطبها لناحية العنوان وليس لناحية الاجراءات المستقبلية. اما لماذا؟ ونحن هنا من نجيب: ان اجراءات (اسرائيل) منذ النشأة الاولى كانت تمارس اعمال عدوانية ضد شعب فلسطين بالسيطرة وبالقوة على ارضه، ومن ثم تهجيره سواء في داخل ما تبقى من ارضه او في الجوار العربي او في الشتات الاجنبي، بالدعم والمساندة من امريكا والغرب وحتى من غيرها، من الدول العظمى والكبرى، ولو بطريقة مختلفة ولكنها تصب في ذات طريق الدعم. وبالتعاون مع البعض من النظام الرسمي العربي في السابق، اما الان؛ فبالتعاون مع كل النظام الرسمي العربي. عليه، فان صفقة القرن لم تمت لجهة صانع القرار الامريكي و(الاسرائيلي) وبالمشغلين العرب اي النظام الرسمي العربي. لكن، من الجانب الثاني، وهذا هو الحقيقي والواقعي والمهم في عين الوقت؛ ان صمود شعب فلسطين العربي ومقاومته الباسلة هي من تحفر قبورا وليس قبرا، لصفقة القرن سواء بعنوانها هذا او بعنوانها الاجرائي لجهة الواقع الفعلي.
سابعا؛ ان صمود الشعب العربي الفلسطيني، وبهذه البسالة والصبر والقدرة الهائلة على التحمل من اجل الارض والآمال والمستقبل، وفي القدرة على ادخال عناصر قوة غيرت قواعد الاشتباك، كما حدث في هذه المنازلة، ومع استمرار هذا الصمود والمواجهة مستقبلا؛ وفي ظل المتغير الدولي المقبل، وهو تغير قادم لامحالة، وفي اجواء نضج العقل البشري وتحسسه البارومتري للظلم، وانعدام العدالة بفعل الثورة المعلوماتية؛ سينتصر شعب فلسطين، بإجبار العالم في البحث الجدي والاجرائي والمنتج؛ بإيجاد طريق حقيقي للحل العادل. بهذه الطريق اي، بطريق المقاومة وليس باي طريق اخر.. لأن هذا الطريق هو من يمكن الشعب العربي الفلسطيني بانتزاع حقه من افواه الذئاب (الاسرائيلية) والامريكية.
ثامنا؛ نلاحظ وبصورة واضحة جدا؛ ان الشعب العربي الفلسطيني، ملتف وداعم للمقاومة، سواء في القطاع او في الضفة الغربية او في الداخل (الاسرائيلي). سواء بالتظاهر او في الاشتباك مع الجيش الاسرائيلي. مما يعني ان فعل المقاومة ومساحة تأثيرها، ومساحة داعميها من ابناء فلسطين؛ يزداد عددا ومساحة وعمقا اي الوعي العميق بأهميتها وجدواها..
تاسعا؛ ان هذا الهجوم الوحشي الاسرائيلي على الاحياء المدنية في القطاع؛ يعبر عن الفشل الاسرائيلي الذريع في التصدي للمقاومة والحد منها، ولا يعكس النجاح والسيطرة. والاهم، بل الاكثر اهمية؛ يترجم فعليا على ارض الواقع، قلق الوجود الذي يشعر به صانع القرار في (اسرائيل) والولايات المتحدة عراب هذا الكيان وحاميته؛ عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وايضا حاميته من القانون الدولي، والذي تمارس اسرائيل في ظل هذه الحماية ابشع الجرائم الانسانية بحق الفلسطينيين.
في النهاية نقول ان انتصار الشعب الفلسطيني، في نهاية المطاف؛ سوف يسير على خط موازي، لانتصار الشعوب العربية على النظام الرسمي العربي الخانع والمنبطح؛ ليشكل بداية لكتابة تاريخ عربي جديد..