23 ديسمبر، 2024 5:48 ص

ملحمة الطف.. المبادئ والمأساة

ملحمة الطف.. المبادئ والمأساة

تُعد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، من أهم المتغيرات والمنعطفات، التي حدثت في تأريخ العالم الإسلامي، وهي في أبعادها تتجاوز محيطها -الإسلامي- فترقى للمحيط العالمي، هذه الملحمة مثال للتضحية والإيثار، من أجل القيم والمبادئ السامية، فمن يجردها من مبادئها وقيمها وأهدافها، ويُحَجِمها على البكاء والعزاء؛ فقد ظَلَمَ نفسه، وظَلَمَ الإمام الحسين.

 هذا التحجيم قد يكون عن قصد، أو دون قصد، كأن نَبكي على الإمام الحسين، ونَخذل الحق، ونُنادي ياحسين، ونَنصر الباطل.

قد تكون معركة كربلاء، محصورةً مادياً في ذلك المكان والزمان فقط، وهذا ما  نُقل عن الإمام الحسن(عليه السلام):  ((لايوم كيومك يا أبا عبد الله)) إذ لم ولن يأتي يوم، يكون فيه حجم التضحية والمأساة كذلك اليوم، ولا رجال كأولئك الرجال، لكن أثر هذه الثورة المعنوي، لم ولن يكون، محصور في زمان أو مكان معين، فأهدافها مستمرة مدى الزمان، كاستمرار الحق والباطل، الخير والشر.

أهداف ثورة الإمام الحسين، جعلت منها -الثورة- نبراساً ومثالاً لكل الثورات، وجعلت من الحسين مشعلاً وملهماً لكل الثوار، فأهدافها لم تكن شخصيةً أو عنصريةً أو طائفية، بقدر كونها إنسانية وإلهية، وهذا ما عبر عنه الباحث الإنكليزي جون أشر بهذه الكلمات:”أن مأساة الحسين بن علي، تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد، في سبيل العدل الاجتماعي”.

ما ميّز هذه الثورة، هو أهدافها الإنسانية والعالمية، فهي لم تكن معركة في صباح يوم عاشوراء، بين فريقين متخاصمين، بقدر كونها صرخة بوجه الظالم المستبد، أبطال هذه الملحمة، كانوا من خير وأفضل رجال ذلك الزمان، بأقوالهم وأفعالهم، حتى إن الإمام الحسين في ليلة العاشر، لم يسمح لمن كان عليه دين من أصحابه، أن يبقى معه، فهنا سر الخلود، وهو إن حَملّة المشروع، كانوا بمستوى ورُقي مشروعهم وأهدافهم.

إحياء هذه الثورة لايكون فقط بالشعائر الحسينية، سواء الوارد فيها نص من المعصوم (الزيارة والبكاء والمجالس الحسينية) أو المبتكرة من قبل أتباعهم من الشيعة (التشبيه والمواكب وغيرها) وهذا الجانب قطعاً مطلوب، لكن هناك جانب آخر، يمثل عمق الملحمة وثمرتها، وهو التمسك بقيمها وثوابتها ومبادئها، فإحياء الثورة الحسينية، يجب أن يكون بهذين الشرطين، اللذين يسيران بمسارين متوازيين، مسار المبادئ والقيم، والثوابت التي قامت لأجلها الثورة، و مسار البكاء والمجالس والزيارة، وسائر الشعائر الأخرى.

لايكفي أن نبكي على الإمام الحسين، ونلطم ونقيم الشعائر، بدون التزام بأخلاقه ومبادئه، حتى لانكون كجيش يزيد، الذين عبر عن موقفهم الفرزدق بقوله للإمام: “قلوبهم معك، وسيوفهم عليك” فأعداء الحسين بكوا في يوم العاشر، لكنهم استمروا في قتاله حتى قتلوه، وبكى عمر بن سعد حين مقتل الإمام، عندما نادته السيدة زينب (عليها السلام) :”أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟” لكنه خسر الدنيا والآخرة، ولم ينفعه بكاءه.

عندما نبكي على الإمام الحسين، يعني إننا بايعنا الإمام بألسنتنا وبعدها لابد أن نبايع بأفعالنا وذلك بنصرة  الحق والعدل، والصلاح، ومحاربة الظلم والفساد، لايكفي أن نلبس السواد في محرم، ونغير صورنا الشخصية، فلا بد مع ذلك أن نغير قلوبنا، ونصحح أخطائنا؛ حتى نكون أهلاً لنصرة سيد الشهداء، قولاً وفعلاً، وهذا مافعله أبطال وشهداء الحشد الشعبي، الملبين لنداء المرجعية، في الدفاع عن حرمة الإسلام وكيانه.