22 نوفمبر، 2024 10:37 م
Search
Close this search box.

ملامح ومراتب عقيدة التنزيه 5/5

ملامح ومراتب عقيدة التنزيه 5/5

المرتبة الأولى (مرتبة التنزيه أو الإيمان العقلي المحض):
أصحاب هذه المرتبة سعوا ليكونوا عقليين إلى أقصى حد ممكن، مع إقرارهم بالقصور عن بلوغ المرتبة المطلقة، لأن المطلق عندهم هو الله وحده، باعتبار أن النسبية كمنهج فكري ملازمة للتنزيهية والعقلية، ومن هنا نزّهوه سبحانه عما نسبت إليه الأديان، وعدّوا العقل وحده، أي العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي هو المرجع في فهم عقيدة الإيمان التنزيهية. وحيث بيّنّا أن المنزهين هم الآخرون مراتب متفاوتة، يبقى أعلاهم مرتبة التفكيكيون القائلون بوجوب التفكيك، ليس من حيث الوجوب الفلسفي المجرد، بل الوجوب الواقعي على ضوء واقع الأديان غير المنزِّهة لله حق تنزيهه، أو لا أقل على نحو الاحتمال الراجح أو ما يسمى بالظن المتاخم أي المقارب لليقين، فكانوا أعلى كل تلك الفرق مرتبة في تنزيه الله، إذ نزهوه عن كل مقولات الأديان التي لا تنسجم مع ضرورات العقل ومبدأ التنزيه الكامل، وإن كان كمال التنزيه هو كمال مطلق في حقيقته المجردة التي لعلها لا تُدرَك، إلا أنه كمال نسبي في إدراك العقل الإنساني في الواقع، لا العقل المجرد المفترض. فهؤلاء قد اقتربوا من التنزيه الكامل ربما بنسبة 75 إلى 99%. فالمنزهون بالدرجة العليا هذه لا يحتاجون إلى التأويل، لأنهم يستغنون أصلا عن النص الديني، وبالتالي يكون تأويل النص منتفيا بانتفاء موضوعه. وبالتالي فإنهم حسموا خيارهم باستبدالهم الإيمان الديني بالإيمان العقلي اللاديني. نعم هم لا يرفضون كل النصوص الدينية، كما إنهم لا يرفضون كل نصوص أي رؤية فلسفية لا يتطابقون معها، فيأخذون من ذا وذا، بمقدار ما يتفق مع منهجهم العقلي ومع عقيدتهم التنزيهية، أو لنقل بتعبير أدق بدلا من (يأخذون) إنهم يلتقون بنسبة ما مع كل رؤية كونية أو فلسفة أو عقيدة بمقدار ما يلتقون معها، ليس بالضرورة اقتباسا، بل اقتناعا ذاتيا في ضوء قواعد العقل. وعندما نقول إنهم لا يرفضون كل النصوص الدينية، فإنهم في نفس الوقت يرفضون نسبة هذه النصوص إلى الله، بل يعتبرون النصوص الدينية نتاجا بشريا، وكأي نتاج بشري فهو يتضمن على نسبة من الصواب وأخرى من الخطأ. وهؤلاء يعتقدون أن الملحدين العقلانيين والإنسانيين هم إلهيون – وإن أنكروا الله – أكثر من الإلهيين غير المنزهين له سبحانه، أو المنزهين غير الإنسانيين.

هذه باختصار عقيدة التنزيه التي كانت الولادة الأخيرة بعد مخاضات العقلية التأويلية، ثم العقلية التأويلية المقترنة بالظنية، ثم التفكيكية الاحتمالية، ثم التفكيكية الجزمية، أي التنزيهية.

ويبقى الإلحاد بين هذه المراتب من غير شك أرقى مرتبة من المراتب الخرافية التاسعة والثامنة والسابعة والسادسة، بل أرقى من المرتبة الخامسة، بل ربما أرقى من كل المراتب الدينية، لأن الإلحاد ينزه الله أكثر من أتباع تلك المراتب، ولو بنفي النقص عنه بنفيه سبحانه، جل وتنزه وتعالى عن وصف الدينيين وإنكار اللاإلهيين. فهو لا ينسب تشريعا ولا أي عقيدة بشرية إلى الله، أو إلى المطلق، أيا كان اسمه.

كتبت لأول مرة في 31/08/2008 | ثم روجعت في 04/10/2008 | ثم في 27/04/2011 | ثم في 10/11/2018.

أحدث المقالات