مع استمرار الأزمة السورية لسنوات طويلة، أصبح مستقبل سوريا بعد انتهاء مرحلة بشار الأسد موضوعًا رئيسيًا في النقاشات الإقليمية والدولية. تبدو المرحلة المقبلة معقدة، حيث تتداخل التحديات الداخلية مع المصالح الإقليمية والدولية في رسم ملامح المشهد الجيوسياسي للبلاد . داخليًا، ستحتاج سوريا إلى جهود كبيرة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد سنوات من الحرب التي أضعفت بنيتها التحتية والسياسية. تحقيق المصالحة الوطنية سيكون الخطوة الأولى نحو استعادة الوحدة الداخلية، إذ يتطلب ذلك تضميد الجراح ومعالجة القضايا الشائكة مثل العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان. إلى جانب ذلك، ستبرز الحاجة إلى إعادة إعمار البلاد وتوفير بيئة آمنة ومستقرة، وهو ما يتطلب دعمًا دوليًا كبيرًا واستثمارات ضخمة. على الصعيد الإقليمي، ستسعى سوريا إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع الدول المجاورة، بما يعزز الأمن والاستقرار ويضمن عودة اللاجئين. في الوقت نفسه، ستظل سوريا ساحة لتنافس القوى الإقليمية، لا سيما إيران وتركيا ودول الخليج، التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها أو توسيعه. هذا التنافس قد يؤدي إلى صياغة ترتيبات جديدة تراعي مصالح هذه القوى دون إغفال حق الشعب السوري في تقرير مصيره.دوليًا، سيبقى دور القوى الكبرى حاسمًا في تحديد مستقبل سوريا. روسيا، التي تعد من أبرز حلفاء النظام الحالي، ستسعى إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، بينما تحاول الولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني والروسي. في المقابل، الدول الأوروبية ستلعب دورًا محوريًا من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، بشرط إحراز تقدم في الملفات الحقوقية والسياسية . أما السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا، فهي تتراوح بين تفكك الدولة نتيجة غياب الحلول الشاملة، وظهور نظام سياسي تعددي جديد يضمن مشاركة جميع الأطياف السورية، أو استمرار النمط السياسي المركزي ولكن مع بعض الإصلاحات الشكلية. في النهاية، يعتمد مستقبل سوريا على مدى قدرة الشعب السوري والمجتمع الدولي على تحقيق الاستقرار وإرساء قواعد العدالة والمساواة. نجاح هذه الجهود سيحدد ما إذا كانت سوريا ستتمكن من تجاوز ماضيها المضطرب نحو مستقبل أكثر إشراقًا واستقرارً