يعاني جمهور المكون العربي جملة اختلالات وحالات يأس وإحباط من المستقبل الغامض الذي ينتظر جمهور هذا المكون ، نتيجة فقدان مستقبل اغلب محافظاته ، وما حل بها من دمار وخراب وتهجير وتزوح وحالات تهديد وقتل وترويع وصنوف مختلفة من الانتهاكات خارج قدرة جمهور هذا المكون على التحمل، واختلت العلاقة كثيرا بين قادة المكون العربي وجمهوره، وشهدت حالات افتراق وتباعد نتيجة الأذى الكبير الذي تعرض له جمهورهم، الذي يرى انه لا أحد من قادة سياسي هذا المكون قد إنتصف لهم ، او انتشلهم من الوضع المزري الذي هم عليه.
ونقصد بقادة المكون العربي قادة متحدون متمثلة بزعيمهم أسامة النجيفي وقادة الوطنية وزعيمهم الدكتور اياد علاوي وائتلاف العربية بقيادة صالح المطلك والقوى الاخرى التي انضوت تحت اجنحة هذه التكتلات السياسية الكبيرة، واخرى بقيت تعمل خارج الساحة لعدم حصولها على الاصوات التي تؤهلها للعمل، ولمحاربة اخرين لها لمنعها من المشاركة في العمل السياسي، وبخاصة التي تعمل الان في الاردن، وهم شخصيات رفيعة لبعضها ماض تاريخي عريق .
ولكي نعيد تصحيح مسارات تلك العلاقة نحو الافضل وترميم مايمكن ترميمه من سلسلة التراكمات المريرة عاناها جمهور هذا المكون ، ولكي نبني مستقبلا افضل لمن تحمل عبء قيادته، فأن هناك جملة ملاحظات يمكن ان تكون خارطة طريق نحو اعادة جسور تلك العلاقة الى الحالة الافضل واعادة بوادر الثقة التي اهتزت كثيرا ،
إن أردنا أن نسير بالعراق الى الطريق الأمثل السليم ، بعيدا عن الجراحات والاحزان وعوامل الشرذمة والافتراق ، وان نبني عراقا واحدا موحدا بلا (أغلبيات) أو(اقليات)، من خلال ملاحظة الخطوات التالية :
* بما ان كل هذه التكتلات السياسيىة تعاني من ابتعاد جمهورها عنها ، فانها بحاجة الان اكثر من أي وقت مضى للبحث عن ( تحركات شعبية شبابية ) تسعى لكسب شريحة الشباب باقامة منظمات وتحالفات جديدة ، تختلف عن تلك كانت تجمع بين كتلهم، وبتسميات واطر جديدة ، إذ ان بقاء التسميات القديمة يزيد شروخ تلك العلاقة ابتعادا ونفورا، ولهذا فان خلق منظمات وكيانات جديدة اخرى مختلفة تماما أمر في غاية الاهمية ويزيل جراحات الماضي الأليم ويخفف من احتقاناته المتعددة..هذا على صعيد الائتلافات السياسية الكبيرة ( متحدون ، الوطنية ، العربية ..الخ ) وقد اصبحت هذه التسميات من ذكريات الماضي المريرة ولن ينضوي احد تحت لوائها من جديد تحت نفس التسميات .
* ان تحافظ هذه الائتلافات والكتل الكبيرة على العلاقة بينها، وان وجد امكانية لتحالفات اكبر بين قادتها، تحت عناوين جديدة فهو افضل واكثر قدرة على اعادة النشاط والحيوية، وحتى لو اظهروا حالة افتراق سياسي فيما بين توجهاتهم فينبغي ان يكون الاطار العام والنسق الجماهيري موحدا ومتوحدا في الهدف العام لا ان يتم اتخاذ المصالح والانانيات الشخصية مجالا للتباعد والافتراق، بل على العكس فأن صعوبة الظرف القاسي وحراجة مواقفهم امام جمهورهم تتطلب اتخاذ مبادرات مشتركة لاتخرج عن الاطار العام لتحركاتهم وخططهم السياسية، وان نكثر من تقديم زعامات وقيادات اخرى تليهم في المرحلة الثانية ومن شخصيات شبابية اكثر قدرة على الاستجابة لمتطليات
شريحة مهمة من شرائح المجتمع وهي الشباب، ونطلب من القيادات المقصرة او التي استهلكها الزمن ان تترك للاخرين قيادة المرحلة الجديدة بالتنسيق مع القيادات الثانوية السابقة، لأن لهؤلاء جمهورهم ايضا، ولا يمكن التخلي عنهم، لكن عليهم اعاداة تنظيم مسمياتهم وتحركاتهم بما يضيف اليهم طاقة جديدة، لا ان يبقوا يجترون تسمياتهم السابقة التي عفا عليها الزمن ولم تعد تجاري متطلبات المرحلة وصعوباتها التي تتفاقم يوما بعد يوم.
* ان يدرك قادة هذا المكون مجتمعين ان اعادة توحيد قواهم وتحركاتهم واظهار التماسك بينهم وفي التحرك على الكتل الاخرى ينبغي ان يكون مشتركا وتجمعهم قواسم المصلحة العليا، لأن بقاء كل واحد متمترسا لوحده على انه الافضل فأن هذا يعد انتكاسة لمستقبل مكونهم، وانه لاقوة لاحد بدون الآخر، والعمل بروح الفريق المنسجم المتصالح مع نفسه ومع جمهوره.
* أن يعطي قادة هذه الكتل الحق لجمهورهم الذي خذلته بعض مواقفهم حتى ابتعد عنهم ، بعد ان ادار البعض له ظهوره، والبعض الاخر حفر الخنادق والمطبات لكي يوقع بها قادة اخرون من نفس مكونه، عله يصعد على ظهورهم حتى وقعوا جميعا في فخ الابتعاد عن مصالح جمهورهم، وان من تحالف مع غير كتلهم ضدهم وضد جمهورهم لايمكن ان يكون شريكا في تحالفات مستقبلية لانه لايمكن ان يرتجى خيرا من اناس متقلبي التوجهات والأمزجة والاهداف تراهم في الليل مع جماعة وفي النهار مع جماعة اخرى، وفي تحركات البعض من تلك الشخصيات المريضة ما أساءت الى مصالح جمهورها وعرضت مستقبله لمخاطر جمة، وهي تعمل على الحط من قدر قادتها ومكونها امام الاخرين لكي تظهر انها هي الحريصة ولكي تحصل على بعض ( المغانم ) الصغيرة من الكتل الاخرى من غير مكونهم، وعمل كثيرون من تحت عباءة الاخرين ضد مكونهم لغرض ان يكون لهم وجود
حتى وان كان شكليا، مادام يحقق لهم مصلحة الظهور والحصول على الكراسي والمنزلة حتى وان كانت ( وضيعة ).
* اعادة تشكيل كيانات سياسية صغيرة ومتعددة التسميات داخل انشطة المكونات السياسية والكتل الكبيرة، لكي يكون التحرك المستقبلي اكثر ضمانا وقدرة على تجاوز سلبيات المرحلة السابقة ومراراتها، وان التعددية داخل الكتل السياسية لمحافظات المكون العربي عامل قوة وليس ضعفا مع الحفاظ على الثوابت في التحرك، وان لايجعل كل فريق الآخر المناظر له خصما بل سندا وعونا له في ان يبني قوة جماهيرية اكثر اتساقا مع المرحلة الجديدة، وان ( فريق الجمهور الساخط ) سيكون هو الاكثر استجابة على الانضمام للتحالفات والائتلافات الجديدة، وهو بامكانه ان يكون عامل قوة يعيد تصحيح المسار المرير نحو الافضل.
* ان يعي قادة المكون العربي ان الانشقاقات في الكتل الاخرى مثل التحالف الوطني وحتى التحالف الكردستاني امر طبيعي وهم يشاركونهم الرؤية في ان الانشقاقات عاملا مشتركا بين كل الكتل لا ان تقتصر على المكون العربي، وهي علامة تصحيح تخدم خطط قادة التحرك العربي ان احسنوا الاستفادة من تلك الانشقاقات لصالحهم، لكي يعي جمهورهم ان الانشاقاقات امر طبيعي في ظل افتراق المصالح والرؤى والتوجهات والمصالح الانانية وانهم ليسوا وحدهم من تعرضوا للانشقاقات والتنافرات ، بل ان الاخرين المناظرين لهم في الساحة السياسية يعانون من نفس المرض، وهم يبحثون عن ( مخارج ) اخرى لحل ازماتهم.
* الابتعاد عن الغطرسة والتكبر والتشبث بالمصالح الانانية الضيقة والتنازل أمام جمهورهم عن كل هذه الانانيات والمصالح الضيقة، لانهم ان لم يعيدوا تصحيح مسارات تعاملهم مع جمهورهم ويمدوا اواصر من العلاقات المنفتحة
معهم ومع مطالبهم وشكاواهم ومحنة تهجيرهم ونزوحهم فان مستقبلهم السياسي سيكون محفوفا بالمخاطر الجمة، والتي لابد وان تنعكس بسلبياتها على جمهورهم نفسه، الذي يعد انهم خذلوه في مناسبات كثيرة.
* واذا رأى أحد كبار الزعماء السياسيين من قادة المكون العربي ان مرحلته قد انتهت ولم يعد يصلح للعمل السياسي ويريد ان يقدم شخصية قيادية اخرى من داخل مكونه فقد يكون هذا خيارا مفضلا لدى الجمهور، حتى وان قاد مواقع مهمة من خلف الواجهة السياسية، وان تخلي البعض عن العمل السياسي لايعني تخليهم عن الدفع بمصلحة مكونهم قدما الى الامام، بل قد يكون (إستراحة محارب) يعيد تنظيم صفوفه لحين الارتكاز على قوة جديدة تسمح له بالظهور الفعال والمؤثر وسط جمهوره ومؤيديه.
* ان نعي حقيقة حتى وان كانت مرة ومريرة ، ان تحرير الانبار ونينوى لن يكتمل في وقت قريب ان لم يشارك أهالي هذا المكون في مواجهة داعش، لأن أهل مكة ادرى بشعابها كما يقال، وان كل مشاركة لاخرين من خارج هذا المكون ومزايدات البعض من الباحثين عن انتصارات موهومة ،ستزيد من ازمة بقاء احتلال محافظاته لفترة اطول، إذ ان جمهور هذا المكون(قلق) الى حد كبير مما يجري الان من تحركات عسكرية ربما ستزيد العراق انتكاسات مريرة ان لم يدرك قادة المكون العربي انه بدون مشاركة ابناء تلك المحافظات في تحريرها وان يكون الكلمة الفصل لهم، فان خلاص تلك المحافظات ومعاناتها ستستمر لسنوات أطول مما كان يتوقع ، وستكون الخسارات فادحة وآثارها مرة ومدمرة ، ان لم يضع القائمون على شؤون هذا المكون خارطة طريق لتحرير تلك المحافظات بأنفسهم.
* التحرك على الكتل السياسية الاخرى من خارج مكونهم لاقامة مزيد من العلاقات المنفتحة معهم وبناء تحالفات مستقبلية خارج اطار التحالفات
الحالية، كالتيار الصدري والمجلس الاعلى وتيارات اخرى تريد الخروج من شرنقة الطائفية او المحافظة على وحدة العراق من التشرذم والانقسام، وان الشروخ التي ظهرت داخل التحالف الوطني والتحالف الكردستاني تعزز من اواصر هذا التحرك بما يبني افضل العلائق مع القوى المهمة في الكيان السياسي العراقي المستقبلي.
* ان يكون هناك تحرك نشط وفاعل على الدول العربية والاقليمية لاعادة رسم مسارات تلك العلاقة بطريقة افضل مما هي عليها الان، وطمأنة العرب من ان العراق سيكون الجسم العربي الاكثر قوة وقدرة على تجاوز المحن وهو الموحد للعرب ان ساندوه في محنته هذه ووقفوا الى جانبه في هذا الظرف العصيب لهزيمة داعش وكل من يريد النيل من مكانة العراق، أيا كان هذا البلد جارا او قوى دولية خارجية تريد خنق تطلعات العراقيين وابقائهم ينازعون احتلالات داخلية، تدعمها دول واجندات محلية واقليمية، وبدون هزيمة داعش لن يبقى للعرب جميعا من مكانة.
هذه ملاحظات في غاية الاهمية، وهي تشكل خارطة طريق للخروج من المأزق الراهن، وهي اعادة رسم مسارات التحرك السياسي الفاعل، ان اريد اعادة الاعتبار لجمهورهم ومكونهم وان يكون له كلمة وموقف ومكانة في هذا البلد الذي راحت كتل كثيرة تنافسهم على ان يكون لهم المكانة الاكبر حتى بقيت تهمة المكون العربي على انه ( أقلية ) بالرغم من ان هو من يشكل الاغلبية لو تم تصحيح مساراته نحو الافضل وكسب ولاءات من خارج مكونه تحت العباءة العروبية العراقية الاصيلة الخارجة عن الرؤى المذهبية والطائفية لكسر جماح وباء الطائفية البغيض ويصبح هم الجميع العراق الواحد الموحد مع منظومته العربية ومحيطه الاسلامي الذي بدونه لن يبقى للعراق مكانة،
وهو ما نامله من وضع تلك الخارطة ان ترسم ملامح الدرب الجديد نحو بناء عراق الكرامة الواحد الموحد.