تصاعدت في الأشهر الأخيرة الدعوات لإقامة أقاليم على أسس طائفية ومذهبية وقومية في العراق، كجزء من ردات الفعل على ماتتعرض له مكونات عراقية مهمة من ضياع لمستقبلها، ويرى البعض فيها انها تمثل خلاصا من الواقع المرير والكارثي الذي يمر به العراق..ولدينا ملاحظات مهمة على مخاطر هذا التوجه وفق المؤشرات التالية:
1. إن ماتعرض له مكون مهم من مكونات الشعب العراقي وهم ( السنة ) من سحق لهذا المكون العريق وصل حد ابتكار أساليب لشراء ذمم البعض من مناطق عشائرية أو مناطقية غربي العراق للعمل على ( تشييعها ) بعد محاولات مماثلة جرت بغداد ، بالرغم من كل المرارات والانتكاسات التي حصلت للمكون ( السني ) وما واجهه من محن واهوال من حكومات جاءت بعد عام 2003 وسقوط بغداد، وحكمت البلاد على أساس طائفي بحت، وكانت النتيجة هو هذا الرد العكسي في المطالبة بإقامة (أقاليم ) بالرغم من ان المكون ( السني ) كان من أكثر الرافضين لهذا لمبدأ الأقاليم في السنوات الأولى من حكم الاحتلال الأمريكي والحكومات العراقية ذات الطبيعة الطائفية التي تعاقبت على حكم العراق منذ عام 2003 وحتى العام الحالي 2016 وعدوها توجها يخدم تقسيم العراق ، وان من طرح مبدأ الاقاليم هم جهات سياسية من داخل التحالف الوطني منذ استلامهم زمام السلطة بعد عام 2003 ، وما زال هذا التوجه الطائفي لالغاء الآخر هو السائد لسنوات طوال، وعندما يجد ( سنة العراق ) انه بالامكان تطبيق هذا المبدأ ( الأقاليم ) الذي أقر من قبل الكيانات الطائفية نفسها في الدستور كفدراليات قامت الدنيا ولم تقعد .
2. لقد حافظ المكون ( السني ) على وحدة العراق لقرون ، وسعى لبناء دولة مؤسسات على مدى عهود طويلة، ولم يكن تفكير قادتهم في يوم ما ان يكون هناك توجه للسير بالبلاد وفق أطر طائفية ومذهبية ، بل كانت لغة التعايش والوئام والانسجام والوحدة الوطنية ، هي السائدة، ولم يشعر أي عراقي مهما كان لونه وجنسع ومذهبه بغبن ( طائفي ) أو تمييز من أي نوع، بل كان النسيج الاجتماعي المتوازن هو السمة الغالبة على حكم ادعى الآخرون انه (حكم سني ) وهو لم يكن كذلك، على أساس أن الظلم لمكون آخر امتد من عصر الخلفاء الراشدين وإبتدأ من وجهة نظرهم من الخليفة أبو بكر الصديق حتى عام 2003 ، وان من حكم العراق طوال تلك السنوات هو ( السنة ) أو لنقل بصريح العبارة ( المذاهب السنية ) بالرغم من ان المذاهب ( الشيعية ) كانت حاضرة وتمارس طقوسها وتشترك في الحكم على صعيد قيادات عليا وكانت لها ادوار مؤثرة ، ولم يقل في وقتها ان هؤلاء من طائفة أخرى، وما وجد من حالات صغيرة جدا ولا تكاد تذكر قد حدث بعد التسعينات وفق أطر محدودة جدا، أثر ما تعرض له العراق من محاولات من إيران لفرض هيمنتها على طائفة ( الشيعة ) في العراق وتحريضهم ضد حكوماتهم، وهو ماخلق حالة من التشكك أزاء مواقف حكام إيران من نظام الحكم في العراق، ولهذا كانت الحديث يجري طوال سنين عن ( مظلومية ) تعرض لها الشيعة في العراق بالرغم من ان ( المظلومية ) كانت شبه عامة، وأصابت الشعب العراقي ( سنة وشيعة وأكرادا ) ومكونات أخرى، ولم يقل أحد ان مكونا بعينه قد تعرض لـ ( مظلومية ) وفق أطر طائفية او مذهبية.
3. نعود الان الى المطالبة بأقاليم وهو المطلب الذي كرسه ( شيعة العراق ) في دستورهم الذي أعدوه للعراق ولم يكن للسنة من وجود ( مؤثر ) في اعداد هذا الدستور الذي تم تمريره بالرغم من إرادتهم، ومع هذا هم وافقوا على مضض على قبوله، وتعايشوا معه للحفاظ على البقية الباقية من هيبتهم التي مرغ أنفها في التراب، وكان ماتعرض له سنة العراق وبخاصة في فترة تولي المالكي لولايتين ( 2006 – 2010 و 2010 – 2014 ) من سحق لهذا المكون وحملات إبادة لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا، حتى انه صور الصراع ( الشيعي السني ) على اساس أنه صراع بين ( جماعة الحسين وجماعة يزيد ومعاوية ) وسار المالكي على نهجه هذا الموغل في الطائفية على هذا المنوال ثماني سنوات، حصد منها المكون السني حالات تهجير ونزوح وقتل واعتقالات على الهوية واحتلال لمحافظاتهم من داعش التي كان المالكي المتهم الأول في إستباحتها للمحافظات العراقية المحسوبة على المكون ( السني ) ، ويعد المالكي ( عراب ) المنهج الطائفي، المناصر لإيران على طول الخط، مع بقية من حكم العراق من أطراف التحالف الوطني ، وجاءت الميليشيات لتقضي على آخر أمل بأن يكون هناك وجود لعراق موحد ، وأصبحت المعادلة المتعارف عليها في العراق ( داعش والميليشيات وجهان لعملة واحدة ) هي السائدة.
4. ان إقامة أقليم ( سني ) سوف لن تكون علاجا لأمراض العراق ونكباته ، وهي ستكون عامل تمزيق وتشرذم وضياع لمستقبله وعلى ( سنة العراق) ان لايتبادلوا ( الخطأ التاريخي ) مع ( شيعة العراق ) ويرتكبوا الخطيئة الكبرى معم في انهم أضاعوا العراق خلال عقد من الزمان ولم يحافظوا على وحدته الوطنية، فهذه ( الخطيئة الكبرى ) تتحملها أطراف التحالف الوطني ( ذات الطبيعة الطائفية الشيعية ) حتى وان تعرض المكون السني الى حملات إبادة وتهجير ونزوح وسحق لمحافظاته، فلابد وان يأتي زمن يعود فيه العراق الى عافيته ويتشافى من تأثيرات هذا ( الوباء الطائفي ) القادم من إيران وبمباركة من أمريكا ، من اجل ان يصل العراق الى هذا المنحدر الخطير الذي هو عليه الان.
5. كانت امريكا مناصرة للـ ( الشيعة ) على طول الخط منذ عام 2003 وحتى الان، وهي مع بريطانيا من أكدت على الشيعة ان يستغلوا شعار (المظلومية) إن أرادوا ان يحكموا العراق ويكون لهم ( شأن ) ، لكن ( المعادلة ) انقلبت بقدرة قادر بعد أكثر من عشر سنوات بعد ان ادركت امريكا انها أخطأت ربما في ان تبني دولة طائفية في العراق تقوم على أساس حكم(الشيعة) ، وراحت تناصر ( سنة العراق ) ضدهم هذه المرة في لعبة خطيرة هي الأخرى لتمعن في خراب ما تبقى من معالم للحضارة وللوجود الانساني والقومي والعروبي الفاعل في العراق ، وبلعبة مكشوفة حتى اتهم قادة السنة والمكون السني على انه ( عملاء ) لأمريكا بالرغم من ان المكون (الشيعي) رهن كل ارادة العراق بأيران وسلمها مقدراته ، وهم أي بعض القادة في التحالف الوطني هم من ينطبق عليهم وصف ( العمالة ) لأمريكا ، لان سنة العراق لم يجلبوا الأمريكيين لبلدهم ليحتلونه ، وإيران بعد الاحتلال الامريكي هي من ملأت الفراغ كاملا وهي من تتحكم في طبيعة وشكل النظام القائم فيه وهي من ترسم الادوار وتوزع مناصب السلطة، وتعطي للمكونات الاخرى بعض الفتات من المناصب والمواقع علها تستطيع اقناع المجتمع الدولي بأن هناك ( مشاركة ) من نوع ما في نظام الحكم ، بالرغم من ان المشاركة هامشية وثانوية ، واصحاب القرار هم قادة التحالف الوطني الذين لايخفون توجههم بأنهم أنصار لأيران في المذهب والطائفة والانتماء قلبا وقالبا، اما شيعة العراق العروبيون فهم أكثر التصاقا بوحدة العراق، وهم يرفضون من حيث المبدأ حكم البلاد على أساس طائفي ، إذ انهم ايقنوا انهم اصبحوا أحد ضحايا نظامهم الطائفي الذي لم ينتصر لـ ( مظلوميتهم ) المزعومة ، وتعرضوا لظلم أكثر فداحة في عهد التحالف الوطني كجمهور ومكون شعبي عراقي عريق له ادوار ناصعة ومشرفة في التاريخ العراق، وهم جلهم مفكرو العراق وادبائه وشعرائه وفنانيه وكل عوامل الابداع التي يفتخر بها العرقيون على مدى التاريخ، ولن يكون ( سنة العراق ) بيدقا بيد أمريكا او مناصرين لها، لكنهم عندما وجدوا أنفسهم انهم امام حالة انقراض استنجدوا ربما بالامريكان لتخليص ابناء جلدتهم من هذه المحنة، حتى اصبح التعامل مع امريكا ( حراما ) من وجهة نظر نفس من جلبوا أمريكا الى العراق اما (السنة) فمحرم عليهم التعامل مع أمريكا والعرب الذين يشاركون معهم في المصير والانتماء عندما يتعرضون الى الابادة والانقراض ، وان وجدت صيغ للتعامل مع الامريكان فهذا يدخل في تهمة ( الخيانة ) من وجهة نظر الطرف الآخرللأسف الشديد.
6. ربما كان السياسي العراقي ( الشيعي المذهب ) حسن العلوي محقا في نقد (سنة العراق) لانهم ان ساروا وفق مبدأ ( الاقليم السني ) فانهم سيرتكبون خطا تاريخيا يوازي خطا الشيعة في اقام نظام طائفي هو من اضاع وحدة العراق كما يعترف به السياسي العراقي حسن العلوي، في أكثر من حوار ومقابلة صحفية ، وهو يستغرب ان يضيع ( سنة العراق ) العاصمة بغداد من وجودهم المؤثر ففيها مكون عريق في بغداد له مكانة محترمة وهم أصحاب الحكم والسياسة والخبرات الادارية لحكم الدولة، متساءلا كيف يضيع ( سنة العراق ) إيجابياتهم كل هذه القرون، ليرتكنوا الى مبدأ كرسه (الشيعة) في دستورهم وهو الاقاليم وهم الان يبدون وكانهم رافضينه لانهم يريدون هذه المرة ابتلاع العراق كاملا وفي المذهب الشيعي، لكن العلوي وان كان محقا في طرحه هذا وهو نصيحة جوهرية وغاية في الأهمية لكن السنة لايتحملون لوحدهم هذه ( الخطيئة الكبرى ) فممارسات الحكم الطائفي الغارق في تهميش والغاء الآخر، لم يبق مجالا ربما للتفكير بغير هذا التوجه ، وهو توجه ربما يمكن ان يسمى محاولة للحفاظ على البقية الباقية من وجود مكون كبير تاريخيا وهو الان يتعرض للاستباحة والفناء ، وهو يبحث عن أية خطوة قد تعيد له بعض هيبته، بالرغم من انها قد تلحق به أضرارا كبيرة في المدى المنظور، وهي لاتخدم هدف الحفاظ على وحدة العراق في نهاية المطاف.
7. ان التهديد الذي يواجه مناطق مختلفة من العاصمة بغداد ومناطق في محافظات مهمة هو استخدام مبدأ الترغيب والتهديد في كسب ولاءات طائفية بتغيير المذهب، حتى ان منطقة حديثة غربي العراق وبخاصة مع بعض (الجغايفة) كما يقال ومناطق اخرى من الرمادي ولكن تغيير الهوية يجري على نطاق واسع في ديالى التي تتعرض الى حملة تغيير ديموغرافي ممنهج لتحويل مذهبهم من (سني) الى (شيعي)، ومثل هذه السياسة لن تخدم العراق مطلقا اذا كان الهدف الأساس هو استخدام مبدأ (سياسة التشيع) بدون التركيز على عراقية الانتماء ووحدة المنهج ، لأن العراقيين قد تفرقهم المذاهب لكن وطنيتهم وعروبتهم هي من تحفظ لهم وحدتهم وتجانسهم وتعايشهم لقرون إن احسن عقلاء البلد وقادته الابتعاد عن لغة الحشد الطائفي واثارة النعرات المذهبية ، وما تركته تلك السياسة خلال خمسة عشر عاما اوصلت العراق الى هذا المصير البائس الذي لايحسد عليه.
هذه ملاحظات غاية في الأهمية وددنا وضعها للقائمين على الشأن العراقي علهم يأخذونها بنظر الاعتبار ، وان طرح بعض القوى المحسوبة على المكون السني مسألة ( الأقاليم ) ليست خطأ لايغتفر ، لكنها ليست الخيار المفضل للعراقيين ،وهو خيار مر ارغموا عليه ربما ، في الوقت الذي ينبغي ان يكون التفكير يبحث عن خلاص للعراق من نظامه السياسي الطائفي والعمل على مغادرته بأسرع مايمكن لانه بالتالي يؤدي الى شرذمة العراق وتقسيمه وتفتيته الى كانتونات طائفية وقومية ولن يكون ( الإقليم ) سوى حل ( ترقيعي ) لن يجلب الخير للعراقيين وربما سيكون ( سنة العراق ) هم اكثر المتضررين اقتصاديا واجتماعيا وطائفيا وفئويا وسياسيا ومصيريا لأن أغلب محافظاتهم بلا ثروات ، كما ان عزل ( سنة العراق ) عن بغداد ( الثقل المؤثر والفاعل للعاصمة ) يؤثر على مكانتهم ودورهم الوطني في انهم هم من كانوا قد بنوا دولة العراق على مدى قرون ، وعلينا في الجانب الاخر ان نقلل من تماس الشيعة كجمهور مع ايران ونقلل من ارتباطه بها قدر الامكان والتأكيد على عروبة الشيعة ووطنيتهم ومكانتهم وحثهم على بناء دولة واحدة موحدة يشترك فيها الجميع، وان يغادروا مرحلة النظام الطائفي الى غير رجعة.