وأنا أشاهد فيلم ( The iron lady ) الذي يجسد حياة رئيسة الوزراء البريطانية ( مارغريت تاتشر ) ، وأرى كيف يظهرون جانباً انسانياً عظيماً فيها ، تبادر إلى ذهني ان الفيلم اقرب للإعلان المدفوع الثمن لإظهار هذا الوحش على انه إنسان ، كما في أعمال عديدة مثل ( جودا اكبر ) او ( الحضارة الفرعونية ) او ( اليهودي ) في الإنتاج الأمريكي . لكن في الحقيقة ربما ان هؤلاء ينظرون إلى بلاد مثل بلادنا دمرتها تاتشر على أنها بلاد متدنية في سلّم البشرية وأقرب إلى عالم الحيوانات الواجب ابادتها ، وأن الروح النازية والأسس الداروينية تغلب على فكرهم ، فلا يرون لمسح معالم الحضارة لبلد ما وقتل طفولته وتشويه اخلاقياته اي أهمية تذكر في سجل مارغريت تاتشر الإجرامي ، رغم أنها داست البلاد وأبقت على نظامها القمعي يعيث فسادا .
منذ فترة زمنية ليست طويلة نسبياً تعرض المسلسلات العربية صنفين من المتدينين ، أحدهما صاحب رأس المال المنافق الذي يستخدم الدين كوسيلة تجارية ويدعم كل التشوهات السلوكية للوصول إلى غايات النفوذ ، والآخر المؤمن الضعيف الذي ينحرف بمجرد تعرّضه لمجموعة من الإغراءات . والخلاصة التي تريد إيصالها هذه البرامج – المعدة اعداداً جيدا – ان الدين الحقيقي ليس موجوداً على مستوى التطبيق . في الوقت ذاته تعيد هذه المسلسلات تمجيد شخصيات مشكوك في ولائها وعفتها .
ان هذه البرامج – التي لا شك من إعدادها في عالم السفارات الجديد الذي تجاوز كلاسيكيات الدبلوماسية – تغفل وتتجاوز كل النماذج الدينية التي ماتت تحت نير الظلمة في السجون والمعتقلات وضحّت بحياة وعمر تنعّم فيهما غيرها ، والنماذج العليا التي صنعت الدولة الحديثة بالثورة والصبر .
كما ان منتجي وكتّاب هذه المسلسلات يغفلون أنهم ليسوا أكثر من جيل استسلم تماماً لتلك الإغراءات منذ الوهلة الأولى .
وقد سأل البعض : لماذا نجعل لرجل الدين قدسية ما ، بدرجة نسبية ؟
وجوابه : ان الاسلام – بما هو ناظر لعالم الآخرة على انه العالم الأبدي للمخلوقات – جعل لسلوك طريق هذا العالم خرائط وبوابات ، ولا تُنال حقائقها الا بالصبر والمجاهدة ، والنجاة من اغراءات عديدة والتنازل عن متع كثيرة ، وبما أن الشخص الذي سخّر نفسه في هذا السبيل ضحّى من أجل غيره في طريق هدايته ، وأن غيره انشغل بانانيته ، فقد كان الأول مستحقاً للتبجيل والاحترام أكثر من الثاني .
يكتب البعض قائمة بالخرافات التي لا يؤمن بها في الأديان ، كوجود الشياطين والملائكة . لكنه يتجنب كلياً الحديث عن الكم السينمائي والتلفازي للغرب الذي نشر وينشر كل انواع المظاهر الشيطانية والسحرية والديانات الباطنية في العالم ، لا سيما في أذهان الأطفال .
وانا هنا أتكلم عن الملحد العربي الذي جعل الغرب رمزاً لحاكمية العلم .
في فيلم ( Fred Clause ) لقطة عابرة لا علاقة لها بالسياق الدرامي يدخل شقيق ( سانتا كلوز ) فريد عن طريق الخطأ في ليلة الميلاد مدخنة لأحد البيوت اليهودية فيجد الأسرة تحتفل وتصرّ على ان يأكل المزيد من الكعك والبسكويت فيخبرهم منبهراً أنهم كرماء جداً ، رغم أن الفيلم طوال لقطاته لم يعرض عائلة مسيحية واحدة تحتفل في هذا الوقت من الليل .
الباحث في عمق التاريخ ولغة الفيزياء قد يقرأ في العديد من افلام السينما رسائل كثيرة عميقة ، فالسحر في فيلم ( الآن انت تراني Now You See Me ) لم يكن ضرباً من الفنتازيا الترفيهية بل كان عودة كبيرة لمشاهدة العمق الواقعي للعالم المعاصر من خلال ملامح السطح والطبقة الملامسة له من الأسفل