لمْ يكن صائباً منْ نواحٍ < ستراتيجية + تكتيكية + إعلامية > استخدام كلمة ” انتهاء ” عملية عاصفة العزم التي وردت في البيان الرسمي في هذا الشأن , وكان من الأحرى استبدالها بكلمة ” ايقاف ” العمليات العسكرية , بغية ان يكون ايقاف القصف الجوي مرهوناً بمدى التزام الحوثيين بقرار مجلس الأمن وتفاصيله , وبعكس ذلك فكان ان تكون صياغة البيان بطريقة توحي الى احتمال تجدد عمليات القصف كلّما تطلّب ذلك .
والى ذلك ايضاً , فأنَّ تسمية < إعادة الأمل > للمرحلة التي تعقب العمليات الحربية فأنها غير مناسبة ايضا من كلتا الناحيتين ” النفسية والإعلامية ” , حيث أنَّ ” الأمل ” هو حالة بعيدة عن الواقع اصلاً فكيف بأعادة الأمل ! ومتى سيغدو تحقيقه .! وكان من الأنسب استخدام تعبير اقرب ما يكون الى ” الإعمار الفوري ” وخصوصاً بعدما خصصّت المملكة السعودية مبالغاً كبيرة للشروع في عمليات الإغاثة والتعمير .
ثمَّ , إنَّ مراقبة ردود الأفعال الإعلامية المختلفة للأطراف التي تدعم الحوثيين ” بعد انتهاء المعارك ” تعكس وتُظهر صورةً وكأنَ المملكة قد خسرت الحرب واضطرّت مرغمةً لإيقافها , ومن هنا تتأتّى اهمية الصياغة التحريرية لبيان انتهاء المعارك .
ما كان ينبغي , ولم تكن هنالك اية ضرورة لتسمية عمليات القصف الجوي بِ ” عاصفة – العزم ” , حيث أنّ مفردة ” عاصفة ” تبدو وكأنَّ فيها محاكاة لِ < عاصفة الصحراء > – حرب 1991 التي انطلقت فيها جيوش التحالف من الأراضي السعودية لمهاجمة العراق ..
وبقدر ما أنّ هذه الملاحظات الموجزة لاتتجاوز مهنية الإعلام التجريدية , فأنَّ استقراء انهاء العمليات العسكرية – الجوية في اليمن في هذا الظرف بالذات والذي سبقته مشاورات دولية عالية المستوى والتي اسفرت عن قرار مجلس الأمن رقم 2216 ” بخصوص وقف القتال ” الذي صوّتت له 14 من الدول الأعضاء ولم تعارضه روسيا .! ولكنها امتنعت عن التصويت , فيوحي هذا الإستقراء الى ابعادٍ اخرى غير مرئيةٍ عبر الكلمات .! , ولعلّ من ابرز هذهنَّ الأبعاد المحتملة : –
A – أنَّ المرحلة المقبلة القريبة ستكون على الأرض ولكن بين الأطراف اليمنية ذاتها , اي بين الحوثيين وبين شرعية واَتباع الرئيس اليمني وخصوصا ولاء المؤسسة العسكرية , ويضاف الى ذلك عاملٌ ستراتيجيٌ آخر يتجلّى في القدرة على تجنيد اكبر عددٍ من القبائل اليمنية لأجل مقاتلة الجانب الآخر , ولا ريبَ أنّ الأموال الخليجية لها ما يكاد يكون ” كلمة الفصل .! ” في ذلك , وهنا يكون للمخابرات والعملاء الدور المميز في ذلك .
B – في تقديراتنا الإعلامية أنّ سلاح الجو السعودي الذي استخدم مائة طائرة بين مقاتلة وقاذفة في عمليات القصف الجوي قد استهلك جزءاً كبيراً من مخزونه من القنابل والصواريخ , وانّ القيادة العسكرية السعودية لا يمكن لها ان تقبل بهذا الأستهلاك اليومي الكبير من اعداد الصواريخ والقنابل ولا بدّ لها ان توفّر خزيناً احتياطيا ضد اي تهديدٍ محتمل قد يهدد أمن المملكة , كما يؤخذ بنظر الأعتبار ايضا أنّ الشركات الغربية المصنّعة لذخائر الأسلحة الجوية تستغرق وقتاً طويلاً لتصنيع واعادة تجهيز الدول التي تطلب ذلك , ولعلّه من المفيد الأشارة ايضا الى أنّ كل طلعة جوية للطائرة الحربية تستهلك الكثير من الجزيئيات الفنيّة الدقيقة في محرّك واجهزة الطائرة والتي يتوجب استبدالها في كل طلعةٍ جوية . اذن وفي مجمل ذلك من جوانبٍ عسكرية ودبلوماسية واقليمية , وحيث أنّ الحوثيين قد بدأوا في حالة ” إعادة الأنتشار ” العسكري بما لا يتناغم مع بيان مجلس الأمن وبنود الوساطة العمانية , فيبدو أنّ انتهاء العمليات العسكرية ليس مرشحاً ليستمر الى ما لا نهاية .
C – ثمّ ايضا , وعلى الرغم من أنّ غارات التحالف قد كبّدت الحوثيين وانصار الرئيس السابق ” علي عبد الله صالح ” في الجيش , خسائراً ستراتيجية في تدمير مواقع الصواريخ والمدفعية إلاّ انه وعلى العكس مما ذكره بيان انتهاء العمليات , فلَمْ تتحقق كامل الأهداف المرسومة لهذه القصف ” مع الأخذ بنظر الأعتبار للمتطلبات الأعلامية الداخلية لكلّ طرفٍ من اطراف النزاع ” , وبات من المؤكّد أنّ الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تطوّراتٍ مفاجئة وربما خارج دائلرة التحسّب والحسبان , ولعلّ كلّ ما يجري الآن بعيداً عن دويّ الصواريخ والقذائف لا يعدو أن يكون استراحةَ محاربين وإعطاء فرصة لتنظيف وصيانة الأسلحة .!!