18 ديسمبر، 2024 4:57 م

ملاحظات حول مؤتمر اللغة العربية للمجمع العلمي العراقي

ملاحظات حول مؤتمر اللغة العربية للمجمع العلمي العراقي

عقد في بغداد وللفترة بين 24-25 كانون أول/ديسمبر 2021 مؤتمر اللغة العربية الدولي الأفتراضي الثاني، أحتفاءا باليوم العالمي للغة الضاد، والذي أقرّته منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) ليكون يوم 18 من شهر كانون أول من كل عام. وقد تضمن برنامج المؤتمر والذي بثت جلساته من بغداد على قناة خاصة عبر الأنترنت، عدة محاضرات ومداخلات مهمة تناولت محاور مختلفة تخص علوم اللغات واللسانيات، مع التركيز على اللغة العربية…النشأة والتاريخ، والتحديات المعاصرة…وقد شارك في المؤتمر عدد من خيرة أساتذة اللغة العربية في العراق والوطن العربي.. وتم أفتتاح المؤتمر برعاية رئيس المجمع العلمي العراقي الأستاذ الدكتور الشاعر محمد حسين آل ياسين، والذي عبر بكلمة مختصرة له عن قلقه بشأن حال اللغة العربية في زماننا هذا، شاكرا المشاركين في المؤتمر على بحوثهم، والتي تناولت موضوعات عديدة منها: العربية: هوية وتراث وعدة تواصل حضاري للأستاذ المتمرس د. صاحب أبو جناح، والهوية الروحية للغة العربية للدكتور حسن منديل العكيلي. أما الدكتورة الناقدة والأديبة العراقية المعروفة نادية هناوي سعدون فقد تناولت موضوع المساعي اللغوية في العراق : مصطفى جواد مثالا.
وفي جلسة ثانية من جلسات المؤتمر العالمي للغة العربية تحدث د. طارق عبد عون الجنابي عن العربية في التعليم والأعلام، كما تحدث الأستاذ وجيه فانوس من الجامعة اللبنانية عن العربية بين فاعلية اللسان وواقع اللغة. وعن لمع في سير بعض أعلام العربية في ليبيا تحدث د. عبد السلام سعود من مجمع اللغة العربية الليبي.. وقد ترأس الجلسة هذه د. تركي العتيبي من قطر.
أما في اليوم الثاني من المؤتمر فقد حاضر د. عبد الحميد مدكور الأمين العام لأتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية والأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة، حيث فصّل في موضوعة المعجم التاريخي للغة العربية…وحول عبقرية اللغة العربية في توظيف النظم خدمة للعلوم والتقنية، حاضر الأستاذ الدكتور صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر…أما الدكتور سمير شريف عضو مجمع اللغة العربية الأردني فقد كانت محاضرته حول المفاهيم العلمية في تعليم العربية وتعلمها لغة ثانية..من التأسيس الى المهارة. وفي محور خاص بالتحديات التي تواجه لغة الضاد، تحدث الدكتور سعيد المحنة من كلية التربية للعلوم الأنسانية في العراق عن العربية في ميدان العلم، كما تحدث الأستاذ الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح من مصر العربية عن هوية العربية وجدلية الثبات والتغير، كما حاضر الدكتور أمحمد فرج علي الخزعلي من ليبيا عن سعة العربية في مواكبة التعريب والترجمة.
اللغة العربية.. الواقع والتحديات
وعودة لمحاضرة الدكتور صاحب أبو جناح في الجلسة الأولى من جلسات هذا المؤتمر المهم فقد ذكر فيها أن الثقافة هي محور مهم في التنمية البشرية، كما أن اللغة مركز مهم في الثقافة… وأذا كانت السيادة الأقتصادية رمزا مهما من رموز السيادة السياسية، فأن هذه السيادة مستحيلة دون السيادة اللغوية، فاللغة هي أساس النشاط الثقافي الحضاري، فهي أم المرجعيات في تشييد المعمار الحضاري والصرح الثقافي. وأضاف المحاضر أن لا تأسيس لمنظومة معرفية دون منظومة لغوية متجذرة في المجتمع. وحذر الدكتور صاحب أبو جناح من أن هناك حملة مسعورة تتربص بالعربية، وخاصة في حقل التربية والتعليم من أدناها لأعلاها، تنفذها جهات حكومية وأهلية .. شرقا وغربا.
أما الدكتورة نادية هناوي فقد تطرقت الى المساعي اللغوية في العراق، وفصلّت في نموذج الراحل العلامة اللغوي مصطفى جواد، والذي عمل مع آخرين على أشاعة الفصيح والصحيح في العربية بين الناس. فقد عمل مصطفى جواد على تبسيط العربية وتحديثها مع كبار اللغويين في العراق ومنهم : أبو الثناء الآلوسي، الأب أنستاس ماري الكرملي، محمد بهجت الأثري، مهدي المخزومي، عبد الحميد العلوجي والشيخ جلال الحنفي والراحل الأديب الموسوعي زهير أحمد القيسي والأديب الشاعر محمد حسين آل ياسين…. وأضافت الدكتورة المحاضرة قائلة أن مصطفى جواد (1904-1969) قد أثرى العربية بكتبه ومؤلفاته، وهو لم يكن بالتالي يرتكن الى الجاهز من التصاريف مثلا بل هو شديد التمعن والتمحيص فيما قاله اللغويون، أضافة الى أنه كان قد تمكن من تطوير أستعمالات لغوية بعينها، كما أجتهد في النحو والبلاغة، وبحث في علم المعاني ودمجه بعلم النحو. والراحل مصطفى جواد –تضيف الدكتورة المحاضرة- كان من دعاة تسهيل النحو، فهو الذي نشر بحثه المهم عام 1943 في مجلة عالم الغد والذي جاء بعنوان “قل ولا تقل”.. كما ألّف في المباحث اللغوية في العراق.. وترجم معجما في العلوم الطبيعية، رافضا التحجر في اللغة. وفي ختام محاضرتها أشارت الدكتورة هناوي الى أن جهود عالم لغوي واحد في أواسط القرن الماضي، قد فاقت ما قامت به مؤسسات رسمية طيلة السنوات الستين الماضية… فنشاط رجل واحد أكثر من نشاط مجمع كامل.. كما ذكرت ذلك محقة الدكتورة المحاضرة في الجلسة الأولى من جلسات مؤتمر اللغة العربية العالمي الأفتراضي الثاني.
وهنا لابد من ملاحظات حول المؤتمر:
1. لقد تضمن المؤتمر دراسات وبحوث مهمة لم يتح للحضور مناقشتها وتوجيه أسئلة للمحاضرين حولها، خاصة وأن عدد المحاضرات الكبير لم يتح فرصة الزمن لمداخلات ضيوف المؤتمر…وهي الفرصة المهمة للمجمع العلمي العراقي ما دام المؤتمر أفتراضيا، ليتحقق التفاعل مع جمهور الحاضرين في أنحاء العالم المختلفة.
2. كان من الأفضل للمؤتمر والباحثين المشاركين أن تسجل وقائعه، وتسجل المحاضرات الملقاة فيه بالفيديو، ليتم بثها على قناة اليوتيوب الخاصة بالمجمع العلمي العراقي أن كانت هناك مثل هذه القناة. فهذا الأمر بحد ذاته سيساهم في نشر المحاضرات، مما يحقق هدفا مهما من أهداف أنعقاد المؤتمر.. فالتقنيات الحديثة يجب أن تكون في خدمة لغتنا العربية ومؤتمراتها.
3. كان من الضروري أتاحة الفرصة للعلماء المتخصصين بالعلوم الصرفة وعلوم الطب للمشاركة الفعالة بأعمال هذا المؤتمر، والإفادة من وجهة نظرهم في كيفية التعامل لغويا مع المصطلح العلمي ضمن أطار الثورة الصناعية الرابعة، والعولمة العلمية، وفي ظل مصطلحات وباء الكورونا العالمي… فالهدف من مؤتمرات اللغة العربية يجب أن يكون دائما أيجاد أفضل الطرق لأغناء هذه اللغة… ولن يتحقق ذلك دون أن تكون اللغة حية تعبر عن حاضرنا بمشاكله وتحدياته وتطلعاته كما يجب أن تكون… مما يزيد في الثقة أيضا بأمكانية مواجهتها لتحديات المستقبل.
4. أتمنى أن يبادر المجمع العلمي العراقي وهو المبادر أصلا الى عقد مؤتمر العربية، في الدعوة لعقد مؤتمرات لغوية متخصصة، بناءا على محاور المؤتمر الدولي الأفتراضي الأخير وما تم طرحه من أفكار، وما تناوله الأساتذة المحاضرين من موضوعات، لابد للمجمع من أن يركز عليها لأهميتها في حاضر ومستقبل العرب ولغتهم.
5. لعل المجمع العلمي العراقي ومن خلال أصداراته، سيصدر ملحقا علميا لغويا بنصوص محاضرات مؤتمره العالمي للغة العربية الثاني هذا، ويتمكن من توزيعه ونشره على الملأ، بل ونشره ألكترونيا حتى تعم الفائدة.