23 ديسمبر، 2024 12:25 م

ملائكة الموت الأبيض

ملائكة الموت الأبيض

كانت ولا تزال مهنة الطب بكل صنوفها هي المهنة الأسمى والأنبل والأكثر انسانية من بقية المهن  لما لها من دور في الحفاظ على الجنس البشري وادامة حياة البشر قدر المستطاع هذا كله يحدث في جميع بقاع الارض عدا رقعة صغيرة اسمها (العراق) ففي هذا البلد تكون مهمة اغلب العاملين في هذه المهنة هي فتح عياداتهم واغلاق قلوبهم وانسانيتهم  الا ما رحم ربي منهم …
 قبل اشهر  ذهبت لاحدى المستشفيات في بغداد لزيارة قريبة عزيزة على نفسي وكانت مصابة باحد الامراض التي تتطلب التدخل الجراحي (العملية) واثناء زيارتي لها  للاطمئنان على صحتها وتقديم ابدعم النفسي لها قبل العملية وجدت كومة من الاوراق فوق منضدة بجوارها دفعني فضولي لقرائتها واذا هي عبارة عن نموذج تعهد يجب ان يوقع عليها ذوي المريض قبل اجراء العملية والا لن يكون هناك طبيب واحد في العراق يجري هذه العملية بدون هذه التعهد .. اما مضمون هذه التعهد ياسادتي الأكارم   ((فهو ان الطبيب غير مسؤول عن وفاة المريض حتى لو كان الطبيب هو المخطئ والسبب الرئيسي للوفاة لان الخطأ وارد في مهنة الطب ويتعهد ذوو المريض بعدم المطالبة القانونية والعشائرية  للطبي في حال حدوث الوفاة.)) 
لم اصدق ما رأيت هل يعقل اننا وصلنا الى مرحلة الاستغناء عن اهلنا واقاربنا ونتركهم حقول لتجارب بعض الفاشلين ممن لا يتحملون مسؤولية شرف المهنة لم هذا التهرب من المسؤولية لم هذا الجبن  اذا لم تستطع ان تؤدي مهنتك بشكلها الصحيح انسحب واتركها لمن هو اقدر وأكفأ فحياة الناس اكبر من ان تهدر على سريرك البائس المتوحش،،
هل يعلم الاطباء (الفاشلون) مقدار الحزن والألم الذي يتسببون به لنا هل يحسون بلوعة فقداننا لاحبتنا نتيجة اخطائهم الكارثية هل يدركون حجم الدمار الاجتماعي الذي يخلفوه في عوائلنا عندما تفقد الاسرة معيلها وتفقد المرأة زوجها وينتحب الأبن على ابيه ..

 لم لا يدرك الطبيب ان الدولة صرفت ملايين الدنانير من خزينة المال العام لكي يصبح هو طبيبا لم لا يدرك  ان المال العام  الذي نشترك فيه جميعاً هو الذي أمن له الاستاذ والمدرس والدكتور والرحلة والصف والبناية والاجهزة والقرطاسية كلها كانت له بالمجان من اجل ان يخرج طبيباً كفوئاً يستطب به الناس لم لا يدرك اننا نعول عليه في ادامة حيواتنا وانه سبب لافراحنا واحزاننا وان القسم الذي يؤديه هو ميثاق يضمن للانسانية ديمومتها لماذا لا يتعاملوا معنا كبشر ادميين وليس كفئران تجارب  ،،
في الغرب يذهب الاطباء الى اصقاع الارض الموحشة ليعالجوا فقمة قطبية او فيل افريقي  او طائر اسيوي وفي شرقنا الاغر يذهب  اغلب الأطباء الى بيوتهم قريري الأعين ممتلئة جيوبهم فارغة ضمائرهم ليناموا في دفئ فراش وثير ولينام مرضاهم في دفئ قبر صغير .. فالمريضة  التي كنت ازورها ترقد الان بسلام  في وادي السلام بعيدا عن صوت  مشرط الجراح الذي اصبح مشرطاً للجيوب وليس مشرطاً للقلوب.

[email protected]