4 نوفمبر، 2024 9:35 م
Search
Close this search box.

ملائكة السلام في دار السلام

ملائكة السلام في دار السلام

من منا لم يسكن اليأس نفسه بعد كل ما نطالعه من أخبار عن العراق وبغداد،من منا لم يشعر بالحزن نتيجة لكل الأخبار الواردة من العراق ،أخبار القتل والدمار وانهيار الأمان ،أخبار كلها حزينة وتجعلك تبكي حزنا وألما على ما يحدث لبلد ألف ليلة وليلة ،هذه هي الصورة التي تتناقلها الأخبار ووكالات الأنباء ولكنها صورة ناقصة ففي العراق لازال هناك الأمل ،ولازال هناك سبيل للسلام كي يعلن عن وجوده ويقول ها أنا ذا لازلت أسكن في ربوع بغداد ولازال لبغداد القدرة على مقاومة التتار وكل صوره الجديدة .
من بغداد دار السلام قرر شباب رائعون لا يتجاوز عمر أكبرهم الخامسة أو السادسة والعشرين تحدي الدمار والخراب ،تحدي داعش والميليشيات المسلحة ،تحدي كل صور الموت والخراب والقتل والتفجيرات وشبح التقسيم ،قرروا أن يتحدوا نقص الإمكانيات والموارد وسخرية البعض منهم ومن مجهوداتهم ويحتفلوا بيوم السلام العالمي في قلب بغداد ويقدموا للعالم رسائل عديدة أهمها التذكير بقضية النازحين وهمومهم فشعار هذا العام هو النازحين وعائد يوم السلام سيقدم لهذه العوائل المهجرة ،كلنا يعلم مقدار المأساة التي يعيشها هؤلاء المهجرين ومدى معاناتهم التي لا يعلم أحد متى ستنتهي ،ومتى سيعود هؤلاء إلى ديارهم وبيوتهم ويلتم شملهم مع عوائلهم وأقاربهم ؟لا أحد يعلم مصير المفقودين منهم والذين فارقوا أهلا وخلان لا يعرفون عنهم شيئا ،هي مأساة انسانية بكل ما تعنيه الكلمة ولذلك قرر شباب يوم السلام أن تكون قضية النازحين والمهجرين هي قضية هذا العام وأن يعملوا من أجل جمع التبرعات التي قد تخفف ولو جزءا يسيرا من معاناة هؤلاء
الرسالة الثانية التي يقدمها هؤلاء الشباب هي رسالة توضح وجها آخر لبغداد،وجها جميلا ومشرقا وبراقا ،هم يحاولون أن يقولوا لنا وللعالم بأسره إن كنتم تظنون أن بغداد هي مدينة قد هجرها الجمال وماتت فيها الحياة فأنتم مخطئون،لازالت بغداد جميلة بأهلها ولازالت قادرة على أن تضم بين جنباتها الجمال والحضارة والفن وكل معاني الحياة ،لازالت قادرة أن تمنح أهلها متنفسا يتمتعون من خلاله بالأمن والسلام ،لازالت سماؤها تطير فيها أسراب الحمام وتغرد فيها بلابل السلام والمحبة ،رسالة مهمة واضحة المعاني والأهداف بأن بغداد لازالت قادرة على تحدي الموت واستقبال الحياة ،أن بغداد لازال للأمل بغد أفضل فيها مكان وأن بغداد ستقهر التتار برقيها وحضارتها حتى وإن أرادوا غير ذلك وحاولوا أن يشوهوا وجهها الجميل فهي لازالت قادرة على أن تحميه وتعالج التشوهات التي فيه من خلال أبنائها .
الرسالة الثالثة الهامة التي يقدمها مهرجان السلام هي تحدي النزعة الطائفية ،كلنا يعلم حالة الإنقسام الرهيبة التي يعاني منها المجتمع العراقي والتي طالت للأسف مثقفيه ومبدعيه رغم أنه يفترض أن ثقافتهم وفنهم تحميهم من الوقوع في مستنقع الطائفية المقيته ،هذا العام ومن خلال رسالة المهرجان وشعاره بحقوق النازحين يبدأ السلام يقول المهرجان أننا نتحدي الطائفية والإنقسام والكراهية ،نعلن للعالم أن العراق واحد وأهله بتنوع أصولهم ومشاربهم أخوة وأحباء لا فرق بينهم ،أن العراقي في الموصل هو العراقي في النجف وكربلاء كلهم أعزاء على قلوب بعضهم البعض وأنه عندما يحتاج أحدهم للآخر سيجد أخاه إلى جواره ،سيساعده ويمد له يد العون دون أن يسأله عن دينه أو مذهبه أو حتى عرقه ،يكفي أن يكون إنسان وأن يكون عراقي ليجد من يقدم له العون ويحاول أن يخفف عنه المأساة وهذا هو العراق الذي نعرف والذي يعيد لنا شباب مهرجان السلام صورته التي نفتقدها جميعا ،لم يتوقف هؤلاء الشباب عند أصل أو مذهب أو دين النازحين ،ولكنهم اهتموا بأنهم عراقيين دونما ذنب فقدوا كل شيء ويجب مساعدتهم كما كان الأجداد يفعلون .
الرسالة الرابعة التي يقدمها المهرجان لهذا العام هي قدرة الشباب العراقي على تحدي الصعاب ونقص الموارد والإمكانيات ،ربما لا يعلم البعض أن هذا المهرجان يقام بجهود الشباب فقط وأنهم يقومون بأغلب الأعمال والتحضيرات كي يقللوا من النفقات المطلوبة لهذا اليوم ،وأنهم يعانون كل يوم مشاكل عده ولكنهم لا ييأسون ويواصلون العمل من أجل أن يخرج هذا اليوم إلى الوجود وأن ينجح في التعبير عن ما أرادوا أن يقولوه ،أغلب من سيحضر هذا اليوم سيرى النتيجة النهائية لهذا الجهد والقلة القليلة هي من تعرف كم الجهد الذي بذل من أجل هذا اليوم ،وكم الحروب التي خاضها هؤلاء الشباب والتشكيك وحتى السخرية التي تعرضوا لها والتي حاولت أن تثبط من عزيمتهم وتثنيهم عن عزمهم ولكنهم لم يخضعوا لها وقرروا أن يواجهوا ويحاربوا من أجل يوم السلام ،قرروا أن يقولوا للعالم بأسره هذا هو الشباب العراقي الحقيقي الذي يتحدى بإرادته كل الصعاب،هذا هو الشباب العراقي الذي يعرف تاريخه جيدا ومنه يستتمد القوة لمحاربة الواقع المرير الذي يعيش فيه،شباب لم يعرف الرفاهية ولم يعرف سوى الدمار والقتل والحصار ولكنه رفض أن يستسلم أو أن يقبل أن يسلب منه كل شيء وقرر أن يقاوم ،شباب قرر أن يلعب دور ملائكة السلام في مجتمع اتحدت فيه كل شياطين الأرض لتدميره والقضاء عليه ولكنهم فشلوا وبجهود ملائكة السلام وأمثالهم أثق أن العراق سينتصر
في 21 سبتمبر وفي حديقة أبي نؤاس ينتظركم ملائكة السلام في دار السلام من أجل أن تساعدوا النازحين وتدعموا السلام فلا تخذلوهم ،هم قاموا بأكثر مما هو مطلوب منهم وفي ظل ظروف يعجز عن الصمود أمامها الكثيرين فساعدوهم بحضوركم ودعمكم ونشر رسالتهم فهم يستحقون وبغداد تستحق.

أحدث المقالات