19 نوفمبر، 2024 9:50 ص
Search
Close this search box.

مكانة المرأة الايزيدية في الصراع ضد تنظيم داعش في العراق

مكانة المرأة الايزيدية في الصراع ضد تنظيم داعش في العراق

مع سيطرة وغزو تنظيم داعش الارهابي لمنطقة سنجار – شنكال التي تعد ثاني اكبر مركز للايزيدية في العراق والعالم من حيث عدد السكان وحجم وموقع ومكانة المنطقة ، ظهرت الى السطح لاول مرة للعديد من القطاعات والمهتمين مكانة المرأة الايزيدية(1) ، التي اصبحت الضحية الاكبر للصراع المستمر من صيف 2014، والى الان وباتت الارقام التي تخص خطف النساء والاغتصاب والاعتداءات التي تعرضت لها تشكل صدمة للعالم المتحضر،، لكن رغم هذه المأساة الكبيرة والتضحيات المستمرة اعطت المرأة الايزيدية صورة اخرى مهمة لتحدي المظالم التي تعرضت لها، اصبحت على ضوئها مصدرا للعشرات من الكتاب والباحثين للكتابة عنها وتوجت بتبوء نادية مراد الناجية الايزيدية الاشهر سفيرة للنوايا الحسنة من قبل الامم المتحدة (2) مع اظهار الايزيدية الاهتمام بالمرأة بشكل اثار اعجاب المؤسسات المعنية .
مكانة المرأة الايزيدية في المجتمع
تاريخيا واجتماعيا للمرأة الايزيدية مكانة مهمة من عدة اتجاهات، من أتجاه كون ادارتها للمنزل ولشؤون العائلة لها مقبولية، وتوافق عليها ومساندة لها كعرف اجتماعي، اقتصاديا ساهمت منذ الازل مع الرجل في ادراة شؤون المنزل وتوفير المورد المعيشي والعمل في الحقل والمزرعة، كما انها تبوأت مكانة دينية ايضا حيث ترى نساء وهن يمارسن دور الارشاد الديني في معبد لالش، المعبد الرئيسي للايزيدية الذي يقع الى شرق دهوك 45 كم، او ادارة شؤون المزارات والمعابد، وفق عدة مسميات .
الجانب الاخر المهم هو قبول ونجاح المرأة الايزيدية في ادارة شؤون المجتمع وفي هذا الشأن تعتبر ميان خاتون الاميرة الايزيدية المحنكة التي قدمت نموذجا رائعا لادراة شؤون الايزيدية في فترة حرجة – بداية اربعينات القرن الماضي ولغاية منتصف الخمسينات منه، حيث لعبت دورا رئيسا مع العديد من الاطراف الرئيسية الحكومية والدينية في العراق، وذاع صيتها باعتبارها أمراة قوية اشارت اليها العديد من المصادر التاريخية ابرزها كتاب جون كيست عن الايزيدية (3) . وفي الوقت الراهن استمر مسلسل تبوء المرأة الايزيدية للمناصب السياسية وبدعم من المجتمع الايزيدي ومساندته حيث اصبح لها مكانة مهمة في الدور النيابي، وشغلت امينة سعيد التي حصلت على جائزة مهمة من الخارجية الامريكية على دفاعها عن حقوق المرأة ومساندة النساء الايزيديات الناجيات من قبضة داعش، ثم النائبة فيان دخيل التي اصبحت شخصية مهمة على مستوى العالم ، نالت العديد على الجوائز باعتبارها نقلت معاناة شعبها الى المحافل الدولية، ولم يتوقف مسيرة التواصل في المسيرة السياسية فاصبحت المرأة الايزيدية عضو في
مجلس المحافظة في نينوى ودهوك وبدعم واسناد مجتمعي، ثم مستشارة للمحافظ في نينوى السيدة عروبة بايزيد اسماعيل (4)، هذا جانب تولي المرأة للعديد من المناصب في شؤون الادارة لمختلف المستويات وكأستاذة جامعية ومديرة مدرسة ورئيسة قسم وغيرها من المراكز الادارية، هذا الامر في وقت كانت مكانة المرأة تتراجع لمجتمعات مجاورة للايزيدية وتفرض عليها ارادة غير ارادتها ورغبتها. حيث اعطت هذه الصورة رؤية واضحة للايزيدية في دعمها للمرأة وضرورة ان تكون لها مكانة ودور وصوت في مستويات عدة، هذا الى جانب انتشار صوت واسم المرأة الايزيدية ضمن تنظيمات وحركات سياسية في اوروبا وصلت الى البرلمان الاوربي من خلالها مثل فلك ناز في المانيا .
من ضحية للارهاب الى العالمية
في صبيحة الثالث من آب اغسطس 2014 وقع الايزيدية ضحية لأكبر تنظيم ارهابي عندما هاجم تنظيم داعش الارهابي على الايزيدية واستطاع بمعاونة ومساندة جيران الايزيدية من قتل الالاف وخطف 6040 أمرأة وطفل ورجل كبير في السن بحسب احصاءات رسمية من المديرية العامة لشؤون الايزيدية في اقليم كوردستان، الذين كان نفوسهم قبل تلك الهجمات اكثر من ( 550000) الف نسمة وفقا للمديرية (5)، الضحايا الذين وقعوا في قبضة تنظيم داعش الارهابي مورست بحقهم ابشع صنوف الارهاب والاعتداءات ابتدأوا ببيعهن بابخس الاثمان وفتح الاسواق الخاصة لبيعهن وشرائهن وصولا الى فتح السوق الالكترونية الخاصة ببيع وشراء الفتيات، في وقت يجاهد العالم لانصاف المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع في قرن حقوق الانسان وضمانة حقوق المرأة، كانت الفتيات الايزيديات ولازلن سلع تعرض على صفحات الكترونية يتم الاشارة الى مزاياهن وعرض صورهن لكي يتم المزايدة عليهن (6).
ان المآسي الكبيرة التي عانتها المرأة الايزيدية جراء خطفها من قبل تنظيم داعش الارهابي، وثقت من قبل العديد من المنظمات الدولية بأنها ابشع جرائم ترتكب بحق النساء بدءا من عملية الخطف والممارسات اللاحقة التي اندرجت تحت مختلف مستويات انتهاكات حقوق الانسان، من سجن انفرادي، وجماعي، والتعذيب وباساليب عديدة، تجويع، بيع، سبي، اذا ان جميع الفتيات البالغات تعرضن للسبي ولاكثر من مرة غالبيتهن، الى ان وصلن اعلى عدد حالات بيع النساء لأربعة عشرة مرة، تلاقفها سبع رجال سعوديون، اربعة اخرين تونسيين، وليبيي، وفلسطيني وثلاثة عراقيين، الى جانب البيع كسبايا تجددت ظاهرة العبودية ايضا، اذ اجبرت العديد من النساء المتزوجات ان يصبحن عبيد – إماء في منازل ومقار تنظيم داعش في الموصل والرقة وحلب والشدادي وتلعفر والفلوجة والحويجة والبعاج، يعملن في ظروف قاسية جدا، الى جانب ممارسات الاعتداءات الجنسية واجبارهن على ترك ديانتهن واعتناق الاسلام عنودة وفرض عقوبات في حال لم يلتزمن بالصلاة والصوم، وصلت اخرها الى عرض صورهن على مواقع
خاصة تعمل تحت اشراف التنظيم كسلع تباع وتشترى في مواقع تسمى – سوق الخلافة- سوق السبي الالكتروني (7).
ان هذه الممارسات المجحفة والبربرية بحق المرأة الايزيدية لم تزل لدى البعض بأنها غير صحيحة ولايمكن ان تحدث، في وقت وصل عدد الذين استطاعوا النجاة لغاية منتصف شهر آب 2014 الى (953 ) ناجية الى جانب اكثر (1700 )من الاطفال والرجال ( 8).
هذه المآسي والعيش تحت رحمة النزوح وفي مخيمات لاتتوفر في العديد منها ظروف العيش البسيطة، لم تتوقف المرأة الايزيدية مكتوفة الايدي، بل سارعت الى مواكبة العالم، والتواصل في سبيل ان توصل رسالتها والعمل من اجل مساندة ومساعدة الجهات ذات العلاقة في دعم الناجيات الايزيدية، اذ انخرطت المئات منهن في صفوف قوات بيشمركة كوردستان ومع الذين يقاتلون في جبل سنجار ضد تنظيم داعش الارهابي، حيث اعطت هذه الصورة مكانة مهمة لها ثم توجه العشرات منهن للعمل مع المنظمات الدولية، وهو الامر الذي عزز مكانتها في المجتمع وبدأت تدريجيا تتواصل مع مراكز القرار، حيث برزت اسماء لامعة كناشطات نسويات اوصلن اسم المرأة الايزيدية للمحافل الدولية توجت بحصول الطبيبة نغم نوزت حسن على جائزة وزير الخارجية الامريكية للمرأة الشجاعة التي تساعد قريناتها من النساء، وصولا الى حصول الناجية الايزيدية الشهيرة ناديا مراد على لقب سفيرة للنوايا الحسنة من قبل منظمة الامم المتحدة وسط ترحيب دولي كبير باعتبارها ضحية وتحولت الى مدافعة وصوت للنساء لكل العالم، وهي خطوة مهمة ستصبح فيها المرأة الايزيدية ليست تدافع عن مأسيها فقط، بل النساء في بلدان اخرى، وستوصل ناديا مراد صوتهن الى مراكز القرار كما فعلت من اجل نساء بني جلدتها، الى جانب اسم ومكانة ناديا كانت اخريات كثيرات ولايزلن شاركوا مع المؤسسات الاعلامية في نقل معاناة ومآسي المرأة الايزيدية الى العالم ، وهي مستمرة بهذا التوجه على عدة مستويات مع قيام اخريات بتشكيل منظمات نسوية او مجاميع للعمل الطوعي.
ان هذا الوعي والاهتمام من قبل المرأة الايزيدية بمجتمعها، والنهوض رغم الماساة الكبيرة لهن اذ قيام العديد من الفتيات الناجيات بالمساهمة في ايصال معاناتهن الى مراكز القرار الدولية ضمن فعاليات ومؤتمرات عديدة، بينت ان هؤلاء كسروا حاجزا مهما للصمت الذي كان يلف النساء في الشرق الاوسط عندما يتعرضن الى الاعتداءات، وبدءوا بنقل معانتهن بأنفسهن، وهي الصورة التي لم تتوضح بعد لدى المؤسسات المعنية كما انها لم توظف بشكل مهني من قبل المنظمات النسوية العالمية، فقيام العديد من النساء والفتيات الناجيات بالمشاركة في افلام وثائقية او مؤتمرات والحديث عما جرى لهن ونقل مطالب وصوت النساء المختطفات من قبل تنظيم داعش لعالم وصولا الى اكبر مراكز القرار العالمي ( الكونكريس الامريكي والامم المتحدة ) مثل بازى وسلوى وبهار ونوهات واخلاص وغيرهن، بينت قوة المرأة الايزيدية وتعزيز مكانتها في المجتمع، اذ كان الاستقبال المهم للمجتمع لها بعد النجاة، والبيان المهم من قبل المرجعية
الدينية الايزيدية بضرورة ان يتم استقبالهن ومساعدتهن ومساندتهن لكي يعودوا للاندماج في المجتمع، وعدم السماح لاحد بأن يقرر مصيرهن ومستقبلهن، كان له وقع كبير ليس فقط على الشأن المحلي بل تم تقييم وتثمين هذا الموقف والبيان من قبل اعلى المؤسسات الدولية، بأعتباره خطوة مهمة لمساعدة النساء الناجيات من قبل تنظيم داعش (9).
ولكن رغم المأساة المستمرة ألا ان النساء الايزيديات يواصلن تقديم صورة مميزة عن تحديهن للعالم، اذ لم يكن معروفا عنها هذه القوة ، وصلت الى درجة زواج الناجيات والبدء بتشكيل الاسر او عودة المتزوجات الى حياتهن الطبيعية وممارسة الاعمال اليومية والانجاب ، هذا الامر الذي لم يأخذ صداه الواسع في وسائل الاعلام ولا في تقارير المنظمات المعنية (10).
رؤية مستقبلية لمكانة المرأة الايزيدية
ان الاشارة الى المظالم التي تعرضت لها المرأة الايزيدية، وعرضها ضمن مسيرة المعاناة المستمرة لها، تبين صعوبة الموقف التي هي عليه الان، اذ لاتزال حوالي الفي أمرأة واكثر من الف وسبعمائة رجل وطفل في قبضة تنظيم داعش تبين مدى التحدي الكبير الذي تعيشه، فهؤلاء الذين في قبضة التنظيم ويعيشون ظروف لايمكن تصورها، أمهاتهن وشقيقاتهن ينتظرن لحظة تحررهن، وعودتهن للعيش معهن.
لكن وفقا لمكانتها الحالية في ميزان الصراع، وبعد تحرير عدد من المناطق الخاصة بالايزيدية الى الشمال من قضاء سنجار وشمال غرب محافظة نينوى، مثل ناحية سنونى والبلدات التابعة لها، ينتظر ان تكون لها مكانة مهمة في مرحلة مابد الصراع، وان يكون لها صوتها ومساهمتها في حل النزاع وتحقيق العدالة، ينتظر ان تنقل هي متطلبات واحتياجات الضحايا الناجيات، او ذوي الضحايا المفقودات.
ان مساهمة المرأة في عملية تعزيز الامن والاستقرار وبناء السلام في مناطق النزاع قد اقرت وفقا المقررات الدولية ، فالقرار 1325 والقرارات اللاحقة بتنفيذ بنود ذلك القرار ، يوضح بصورة مهمة اهمية دور المرأة في بناء السلام، وفي نزاع مثل النزاع والصراع الذي اصبحت المرأة الايزيدية جزء تكتيكي وضمن استراتيجية النزاع التي بدأت به داعش في المنطقة، اذ لم يكن خطف النساء و بيعهن وسبيهن عملية اعتباطية بل جاءت ضمن خطة ممنهجة استعد لها قبل الثالث من شهر آب 2013 وتبين ذلك بوضوح من خلال افادات العديد من الناجيات وشهاداتهن التي وثقت من قبل العديد من النشطاء وخاصة في كتابنا ( الموت الاسود ) (11).
عليه فان تعزيز مكانة المرأة الايزيدية في مرحلة ما بعد الصراع تعد المهمة الاكبر لتعزيز مكانتها، وهو ما ينتظر على المؤسسات الدولية والمعنية العاملة في تلك المناطق القيام بدورها،
في تأهيل وأعداد المزيد من النساء حتى يكون لهن دور في لجان تحقيق العدالة وبناء السلام، حتى تنقل هي معاناة قريناتها، وتؤشر لمطالبها والتعويضات المناسبة لواقعها، و اقرار المشاريع الخاصة بتأهيلها وتطوير مقدراتها الحياتية، على المجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية المعنية ان تكون للمرأة الايزيدية بأعتبارها الضحية الاكبر للصراع ضد تنظيم داعش الارهابي، مكانة مهمة في مؤتمرات وجلسات خاصة بتحقيق المصالحة او اقرار التعويضات، وصولا الى المساهمة والمشاركة في وضع خطط العودة واعادة البناء والاعمار لمناطقهم التي دمرت، والمؤسسات الادارية والمدنية وتوفير الامن . ولتحقيق هذا الامر لابد ان تكون هناك المزيد من دورات اعداد وتأهيل النساء القياديات التخصصية وخاصة تأهيل الناجيات من قبضة تنظيم داعش، وتزويدهن بمهارات الحوار والتفاوض، وما يقع عليها من المسؤوليات في مساهمتها في تحقيق العدالة والعودة لممارسة حياتها الطبيعية، كما على المؤسسات النسوية والجمعيات والاتحادات ان يساندوا المرأة الايزيدية في ان توصل هي صوتها لمراكز القرار، وتعمل معهن في صف واحد لأن التي تعرضت للاذى وعانت تلك المعانات القاسية في قبضة داعش، فقط هي تعرف الالم وكيف تتجاوزه وتعود لممارسة دورها الطبيعي في الحياة.
هوامش ومصادر الدراسة
1- كارثة شنكال – مجموعة بحوث ودراسات اعداد لجنة البحوث والدراسات في الهيئة العليا لمركز لالش الاجتماعي والثقافي – دهوك آب اغسطس 2016.
2- بيان منظمة يزدا في الرابع والعشرين من اب اغسطس 2016 حول الاعلان عن تعيين ناديا مراد سفيرة للنوايا الحسنة للامم المتحدة متوفر على موقع منظمة يزدا WWW.YAZDA.ORG.
3- جون كيست، الحياة بين الكرد..تاريخ الايزديين، ترجمة: عماد جميل مزوري، (أربيل:2005)، ص394.
4- تبوء أمرأة ايزيدية لمنصب مستشار محافظ نينوى – موقع بحزاني 2012 WWW.BAHZANI.NET
5- تقرير اخر احصائيات المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان في ذالذكرى الثانية لكارثة شنكال – سنجار 3 – 8 – 2016 .
6- لقاء ومتابعة مع الناشط بهزاد فرحان وعبدالله شريم الذي يعمل في انقاذ الايزيديات من قبضة داعش حول احدث ممارسات داعش بحق النساء الايزيدية – دهوك تموز 2016 .
7- لقاء ومتابعة مع بهزاد فرحان و عبدالله شريم – سبق الاشارة اليه.
8- تقرير اخر احصاءات المديرية العامة لشؤون الايزيدية – سبق الاشارة اليه.
9- بيان بابا شيخ الايزيدية بخصوص مساندة ومساعدة النساء الايزيديات من قبضة داعش – شباط 2015 نسخة مرفقة مع الدراسة وبيان فارنسيشكو موتا منسق بعثة الامم المتحدة في العراق حول بيان موقف المرجعية الدينية للايزيدية في مساندة الناجيات من قبة تنظيم داعش الارهابي اذار 2016.
10- الناجيات الايزيديات – حفل جماعي للناجيات الايزيديات من قبضة داعش اقيم في المانيا نيسان 2016 – الخبر منقولا من على صفحات التواصل الاجتماعي وموقع بحزاني الذي تم الاشارة اليه اعلاه.
11- خضر دوملي ، الموت الاسود مآسي نساء الايزيدية في قبضة داعش، دهوك 2015 .
*خضر دوملي – باحث ومدرب في حل النزاعات وبناء السلام والاعلام وشؤون الاقليات، عضو مركز دراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك

أحدث المقالات