23 ديسمبر، 2024 12:44 م

مقطع فيديو  قصير من وحي عصر التَكبير

مقطع فيديو  قصير من وحي عصر التَكبير

وانا اطالع موقع (يوتيوب) الشهير استوقفني مقطع فيديو لرجال أمن وجنود سوريين وهم محاصرين داخل احد المباني الحكومية  وعلى مايبدو  قد نفذت ذخيرتهم الى حد الصفر وتجمعوا في زاوية في غرفة أشبه بالصفوف المدرسية لكنها بلا أي اثاث بانتظار الموت المحتوم على ايدي الارهابيين الذين تسمع اصواتهم وتكبيراتهم وهم يحملون الموت بين ايديهم وينثرونه حيث ما حلوا على هامش ربيع التكبير (الربيع العربي)  ،،
 هذه المشاهد كانت مصورة من قبل احد الجنود الذي امتشق هاتفه  وفتح كاميرا الهاتف بعد ان تهاوت بندقيته ونفذ رصاصها هذا الجندي قرر ان يخلد مأساته ورفاقه الى الأبد قرر ان يعرض لنا قصة رجال  عاشوا دقائق ليست ككل الدقائق وثواني كأنها السنين العجاف ،، الجندي اخرج هاتفه وصور رفاقه وبدت وجوههم صفراء لكنها باسمة  كأن عيونهم تقول ايها الجالسون خلف الشاشات تحت سقوف بيوتكم الآمنة في احضان عوائلكم  لاتخدعكم هذه الابتسامة انها ابتسامة اليأس الممزوج بالألم والخوف والحزن والحسرة على حياة ستسرق خلال دقائق .. هم يعرفون انهم  وقعوا في شباك صيادي الارواح وقراصنة الحياة لذلك فرص بقائهم على قيد الحياة معدومة ان لم تكن مستحيلة 
الجنود عندما شاهدوا زميلهم وهو يبدأ بتصويرهم قاموا بتعديل ياقات قمصانهم وبدلاتهم العسكرية وكأنهم في لقاء تلفزيوني وأبى احدهم ان لا يتم تصويره الا وهو في كامل قيافته العسكرية فلبس خوذته على عجل وشد رباط بوطه العسكري يأبى ان يتواجد في حضرة الموت  دون ان يكون انيقاً  .. أي انُاس انتم .. ووقفوا جميعا في صورة تذكرني بالعشاء الأخير للسيد المسيح  لكن للأسف لم يكن عشاءً   .. ثم بدأوا بنقل تحياتهم الى ذويهم فهذا يقول لأمه لاتحزني في موتي وكأنه يطلب من الورقة ان لاتحترق في عين البركان وهذا يقول لزوجته سأموت حتى تعيشي  بكرامة انتي والاطفال والاخر يقول لأخيه اعتني بأبي وامي واختي الصغيرة فهي مريضة وهذا يقول والدمع يتموج في عينيه ومؤكد انها ليست دموع الخوف انها دموع الفراق واما اوجعها من دموع  ثم يقول لأبيه لاتدع اختي تترك الدراسة قم ببيع اغراضي وادفع لها قسطها لتكمل دراستها الجامعية   ….  فجأة يصبح صوت الرصاص قريبا جدا  يقترب صوت التكبير اكثر فأكثر الكل  بدأ يكبر الضحية والجلاد ،، تحدث ربكة الكل بدأ يتحرك اليد التي تحمل الكاميرا فقدت توازنها ،،، احد الجنود يطلب من رفاقه مسامحته على الاخطاء التي ارتكبها بحقهم عندما كانوا في دورة التدريب العسكري   يدير المصور الكاميرا على وجهه المرتبك ويحاول ان يقول شيئاً لكن لسانه يعجز عن النطق امام صخب لحظات الموت وتكبيرات الذئاب البشرية، تتجه الكاميرا نحو الباب  الوحيد في الغرفة الذي سيأتي منه رجال الموت فجأة تلمح ماسورة بندقية متوسطة المدى ثم تختفي وهناك يسمع صوت يقول انهم في الداخل،، انهم في الداخل ،، تمر الثواني وكأنها الدهر ،، الضابط الاعلى رتبة بينهم يقول  لا تخافوا انا سيكون اول من يقتل ساكون في مقدمتكم يتقدم الضابط باتجاه الباب يبدأ الجنود بالتزاحم في زاوية الغرفة يقومون بتلاوة الشهادة ووجوهم نحو الباب ثم يغمضون اعينهم بانتظار الرصاص الذي سينهي مأساتهم  ،،  تسمع اصوات اقدام ويبرز صوت سحب بندقية وتلقيمها ،، وماهي الا لحظات ليطل مسخ بلحية كثة حليق الشارب وهو يكبر فيعلو صوت رصاص بندقيته وتختفي اصوات من في الغرفة وتسقط كاميرا الهاتف  معلنة  سقوط الانسانية في هذا العصر ومعلنة انتصار الشر في واحدة من ابشع المجازر التي تحدث في سوريا والعالم على حد سواء  إيذاناً ببدء عصر جديد في حياة العرب هو عصر التكبير ..
عجزنا ان نُكبر افكارنا واذهاننا وعقولنا فكبرنا سيوفنا ولِحانا وتَطرفنا  لم يعد أحد يسمع في نشراتنا الاخبارية غير التكبير والموت ،،
في اوروبا بدأت حياتهم بنهاية عصر التنوير اما نحن فبدأ موتنا ببداية عصر التكبير ،،، يتفطر قلب  اي انسان وهو يشاهد اخر لحظات بني جنسه نظرائه في الخلق وإخوانه في الدين وهم يغادرون ركب الحياة الى غير رجعة ومن اجل ماذا … الكل يجهل السبب.. عجيب أمركم ايها العرب؟؟
 بعد الحزن والمرارة على من قتلوا قلت لنفسي  وانا اتخيل حجم المأساة التي خلدها هذا الفيديو القصير ماذا سيكون  انعاكسه على نفوس ذوي الشهداء ماذا سيكون شعور الزوجة وهي تشاهد زوجها مرتين  مرة في صورة الزوج المبتهج في حفل الزفاف ورفاقه حوله يزفونه الى عش الزوجية وفي صورة اخرى ترى زوجاً شاحباً يصرع امام عينيها ذنبه الوحيد انه وقف مع الشرعية ولبس زيها الرسمي واخذ على عاتقه شرف الدفاع عن الوطن،،  فروحها ترى  روحه  تهدر على مذبح العبث العربي الاسلامي ورفاق الامس الذين زفوه هم نفسهم رفاق اليوم الذين يشيعوه ،،كيف سيكون بكاء الام وهي تذكر اللحظات المؤلمة التي انجبت فيها ابنها  والنساء حولها يباركون لها مولودها البكر ومن ثم ترى نفس النسوة وهن يلطمن الخدود  على فقد الشهيد بأي اللغات يمكن ان تُعزى الام واي كلمات  في بطون قواميس اهل الارض ستخفف وجعها وألمها،،،،، ماذا سيقول أخ الشهيد عندما يرى أخيه في ملابس بيضاء  مؤكد إنها ليست ملابس العرس  او الولادة انها ملابس الموت والشهادة ماذا سيشعر وهو ينظر الى ذرات ذات التراب الذي كان يلقيه على اخيه في مزاح  عندما كانوا صبية هو ذاته التراب  الذي سيمنعه  من رؤية اخيه والى متى ،، الى الابد،،،  ماذا سيقول الأب الوالد الذي اضناه التعب ومشقة العيش  الذي انتظر ان يَكبر ابنه ليعينه  على الدنيا ويتحمل جزء من اعباء الحياة الثقيلة وهو يرى ولده في ابتسامته الاخيرة التي يستطيع وحده ان يفسرها  ويفك طلاسمها أيلعن الأبوة ام يتحسر على حكمة رهين المحبسين ابو العلاء المعري الذي  رفض ان يكون له ذرية حتى لا يتوجعوا في الحياة ثم يموتوا ،،  ماذا سيقول ابن الشهيد عندما يساله  اقرانه الاطفال ببراءة الطفولة أين والدك لماذا لا يصطحبك الى حديقة الالعاب .. لماذا لم يشتري لك ابوك ثياباً جديدة للعيد …   لماذا لا يأتي والدك ليوصلك الى المدرسة ،،،
او عندما تطلب منه المعلمة احضار والده بسبب تلكؤه في الدراسة ماذا سيقول لها ،،،؟ هل سيقول لها ان هنالك رجل ذو لحية اشبه بالمسخ قد ارتأى ان والده خطر على الاسلام والحرية  فقرر ان يتخذ قرارا بازالة هذا الخطر من الوجود ،،،!! هل سيقول لها ان الله القدير المقتدر   عاجز (حاشاه)   عن فرض ارادته وكلمته الحق على البشرية  فأوكل قضيته الى المدعي العام بالحق الالهي الدكتور يوسف القرضاوي الذي شكل جبهة النصرة والتكبير  كونه اقدر على  تجنيد  السذج الاغبياء لينصروا الله ويعلون كلمته بالسيف  ولايهم  ان طال هذا السيف رقاب كل من على الأرض لتبقى كلمة الله وحدها في كوكب خالي من الحياة ،،
اعتقد انه من الافضل ان يدعوها لمشاهدة مقطع الفيديو الذي يؤرخ حياة  ومجد والده. اعتقد انه سيكون كافيا للاجابة على اي سؤال ،، وبضمنها السؤال الازلي ايهما اكبر  واقدس شأنآ عند الله الانسان ام التكبير.  !!!
تكبير .. الله اكبر