القسم الثاني
ليس من صلاحية مجلس الوزراء أو رئيسه أو ما يؤلف من لجان ، تخفيض مقادير الرواتب المحددة في جدول سلم الرواتب المرفق بقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008- المعدل ، حيث نص البند (ثانيا) من المادة (4) من القانون المذكور على أن ( لمجلس الوزراء تعديل مبالغ الرواتب المنصوص عليها في جدول الرواتب الملحق بهذا القانون في ضوء ارتفاع نسبة التضخم لتقليل تأثيرها على المستوى المعيشي العام للموظفين ) ، أي أن التعديل محدد في حالة إرتفاع نسبة التضخم ، أي إنخفاض قيمة النقد وارتفاع أسعار السلع والخدمات ، بمعنى زيادة مقادير الرواتب لتقليل تأثير التضخم على المستوى المعيشي العام للموظفين ، وليس تخفيض رواتبهم ، حيث يقع ذلك ضمن صلاحية مجلس النواب لتعلقه بتعديل قانون الرواتب . كما نصت المادة (80/ثالثا) من الدستور على أن يمارس مجلس الوزراء صلاحية ( إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين ) . ولعل من غريب الإجراءات أن يصدر مجلس الوزراء قرارات لها قوة القانون أو أقوى من القانون ، والأمثلة كثيرة ومتنوعة ، على الرغم من وضوح النص الدستوري على إصدار مجلس الوزراء للقرارات التي تهدف إلى تسهيل تنفيذ القوانين ، وقد سميت بالقرارات مراعاة لمركز مجلس الوزراء فيما يصدر عنه ويختص فيه ، ولتمييزها عن التعليمات التي يصدرها نيابة عن الجهات الأخرى ، ولذلك جاء لفظ ( القرارات ) بعد لفظ ( التعليمات ) لذات الهدف والمقصود من المعنى ، وإلا لكان ( للقرارات ) موضع السبق من ( الأنظمة ) في صياغة النص والقوة التشريعية ، وهي بذلك تعليمات لا تعدل قانونا ولا تلغيه ولا تستبدله ، فكيف إذا جاءت بأحكام تتجاوز حدود المسموح به دستوريا ، وتلك من مشاكل الحلول التي لا بد من إيضاحها لمخالفتها للنص الدستوري أولا ، وما ينتج عنها من إشكاليات إدارية لا يقوى معظم الموظفين التنفيذيين على مناقشتها وردها ثانيا ، أو أن يكون بإستطاعتهم إقناع المستفيدين الذين لا يصغون إلا لصوت ما يحقق منافعهم الشخصية ، وإن كانت عن طريق الخطأ الناتج عن تفسير نص القرار ، المدعوم بتعليمات وزارة المالية المسايرة لما يصدر من قرارات ، تسهيلا لتنفيذها قبل مراجعتها ، وتلك من أبرز أسباب زيادة التداعيات السلبية في التنفيذ الإداري والمالي ، وتفاقم نتائجها الضارة على مستوى إدارة شؤون دوائر الدولة وموظفيها ، ومن تلك القرارات على سبيل المثال ، قرار مجلس الوزراء رقم (371) لسنة 2009 ، المتضمن إستمرار وكلاء الوزارات وأصحاب الدرجات الخاصة كافة ، المعينين وكالة بتوصية من مجلس الوزراء ، بتقاضي راتب ومخصصات الأصيل ، وينطبق ذلك على المدراء العامين المعينين وكالة ، والمرشحين للتعيين أمام مجلس الوزراء ، مع عدم الرجوع إلى الموظف المعين في منصب إداري وكالة ، بإستقطاع راتب ومخصصات الوظيفة التي شغلها ، طالما أنه مكلف من الوزير المختص بذلك ، كذلك قرار مجلس الوزراء رقم (81) لسنة 2010 ، القاضي بإطفاء المبالغ المترتبة بذمة الموظفين ، نتيجة إستلامهم لها بعنوان مستحقات رواتب ومخصصات ، وظهر لاحقا عدم إستحقاقهم لها ، نتيجـة خطأ الإدارة في تقييم الإستحقاق ، على الرغم من تعارض أحكام القرار المذكور مع مفهوم الذمة المالية واجبة الرجوع بالسداد ، ولكنهما من القرارات السياسية غير المهنية ، لتعلقها بتعيين المقربين من أركان العملية السياسية بالتوافق ، أو المحسوبة مدد بقائهم خارج الخدمة لأسباب سياسية بإدعاءات كاذبة ، أو المعاد إحتساب رواتبهم على أسس غير سليمة ومن قبل موظفين غير مختصين . ولقد ثبتنا كل ذلك وغيره في سلسلة مقالات بعنوان ( قرارات مجلس الوزراء … وحدود التخويل الدستوري ) إبتداء من 4/7/2018 ولغاية 10/7/2018 ، والمتضمنة ما يتعلق بتحديد رواتب الموظفين بموجب قرارات مجلس الوزراء ، ومنها القرار رقم (349) لسنة 2013 ، الخاص بتطبيق تشريعات الرواتب والمخصصات للوزراء والوكلاء والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة والمدراء العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم تطبيقا سليما ، بسبب رصد عدد من المخالفات التي نتجت عن التفسير الخاطىء لنصوص تلك التشريعات ، مما ألحق الضرر بخزينة الدولة ، فقرر مجلس الوزراء بتأريخ 20/8/2013 تحديد تلك الرواتب والمخصصات بالمقادير الآتية :-
1- يتقاضى الوزير ورئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ، الراتب والمخصصات المقررة له قبل نفاذ قانون رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث رقم (27) لسنة 2011 (الملغى) ، ولا يحق له تقاضي أية مخصصات أخرى وتحت أي عنوان ، عدا مخصصات الإيفاد والسفر ، ولا يحق له تقاضي مخصصات الخطورة أو المخصصات المهنية الممنوحة لموظفي الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة .
*- المشكلة أن لا أحد يعرف مقدار ما كان يتسلمه الوزير ، حيث المحدد ب (5) خمسة ملايين دينار راتبا شهريا مضافا إليه (3) ثلاثة ملايين دينار مخصصات منصب بموجب القانون المذكور أعلاه إعتبارا من 24/10/2011 . قد ألغي بقرار المحكمة الإتحادية العليا المرقم (48/إتحادية/2012) في 25/2/2013 . والنائب مشمول بذلك كونه بدرجة وزير .
2- يتقاضى وكيل الوزارة والمستشار ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ، الراتب المخصص له في قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل ، مضافا إليه المخصصات الإستثنائية البالغة (4) أربعة ملايين دينار المقررة بقرارات مجلس الوزراء ، ولايحق له تقاضي أية مخصصات أخرى وتحت أي عنوان عدا مخصصات الإيفاد والسفر ، ولا يحق له تقاضي مخصصات الخطورة أو المخصصات المهنية الممنوحة لموظفي الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة .
3- يتقاضى المدير العام ومن هو بدرجته ومن يتقاضى راتبه في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ، الراتب المخصص له في قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام ، مضافا إليه المخصصات الإستثنائية البالغة (2) مليوني دينار المقررة بموجب قرارات مجلس الوزراء ، ولا يحق له تقاضي أية مخصصات أخرى وتحت أي عنوان عدا مخصصات الإيفاد والسفر ، ولا يحق له تقاضي مخصصات الخطورة أو المخصصات المهنية الممنوحة لموظفي الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة .
4- يتقاضى أصحاب الدرجات الخاصة من غير الوكلاء والمستشارين في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ، راتب الدرجة الخاصة المقرر بموجب قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام ، مضافا إليه المخصصات الستثنائية البالغة (3) ثلاثة ملايين دينار ، ولا يحق له تقاضي أية مخصصات أخرى وتحت أي عنوان عدا مخصصات الإيفاد والسفر ، ولا يحق له تقاضي مخصصات الخطورة أو المخصصات المهنية الممنوحة لموظفي الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة .
5- يخير الوزير والوكيل والمستشار وصاحب الدرجة الخاصة والمدير العام ومن بدرجتهم ومن يتقاضى راتبهم ، بين المخصصات المقررة له بموجب قرارات مجلس الوزراء وبين المخصصات المقررة بموجب قوانين خاصة ولا يجوز الجمع بين الإثنين .
6- يطبق هذا القرار من تأريخ نفاذ قوانين الرئاسات الثلاث التي عدت نافذة بتأريخ 24/10/2010 وتسترد كافة المبالغ التي سلمت خلافا لما تقدم . ( وهذا يدل على أن الوزير والنائب كانا يتسلمان أقل من (8) ثمانية ملايين دينار شهريا ، أو لا يزالان يتقاضون ذلك إن كانوا صادقين ؟!. ) .
كما تقرر إعتماد جدول الرواتب والعلاوات السنوية المعدل المرافق ربط كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء ذي العدد : ش . ز/10/1/اعمام/34910 و المؤرخ في 11/11/2015 ، بدلا من جدول الرواتب والعلاوات السنوية المرافق ربط قرار مجلس الوزراء رقم (366) لسنة 2015. على أن ينفذ ابتداء من تاريخ 1/11/2015 ، حسب قرار مجلس الوزراء رقم (400) لسنة 2015 . الذي حدد الراتب لعموم الموظفين بين الحد الأدنى للدرجة العاشرة والحد الأعلى للدرجة رقم (1) ، بمقدار الراتب (170) ألف دينار إلى (1110) مليون ومائة وعشرة آلاف دينار عدا المخصصات ، وهذه المقادير لا تساعد على ضمان العيش الكريم للموظف البسيط والمتوسط الحال ، فكيف به والإدخار الإجباري لثلث دخله الشهري ، ولعل تطبيق ذلك يكون ممكننا بإتجاه الموظفين أو المتقاعدين الذين تبلغ رواتبهم الشهرية والمخصصات أكثر من مليون ونصف وبأي عنوان وظيفي ، وخاصة موظفي دوائر الإمتيازات ومن هم بعنوان المدير العام ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه ( 1,500- 2,330 ) مليون دينار ، أو موظفي الدرجة الخاصة ( 2- 2,830 ) مليون دينار ، أو وكيل الوزارة ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه والمستشار الذي يتقاضى راتب وكيل وزارة ( 2,413- 3,243) مليون دينار ، أو ذوي المناصب ممن لا عنوان لهم في قانون الملاك رقم (25) لسنة 1960- المعدل ، ولغاية رئيس الجمهورية بمقدار (50% ) من مجموع رواتبهم ومخصصاتهم المليونية مجهولة المقادير ، سيما وان السيد الحلبوسي رئيس مجلس النواب وفي لقاء تلفزيوني في 17/9/2018 ، وبعد يوم واحد من إستلامه المنصب ، يرى زيادة رواتب النواب قائلا ( يجب دعم إمتيازات النواب وتوفير حياة كريمة لهم حتى النائب ماينحرف عن مساره ) ، وكأنهم ليسوا من أصحاب الإمتيازات وليسوا ممن إنحرف أغلبهم عن مساره الصحيح والسليم حسب وصف النواب أنفسهم لأنفسهم علنا ، وقد يعلم السيد رئيس مجلس النواب ذلك أو لا يعلم بالتناسي أو بالتجاهل ، ولكنه يعلم بأن الصدفة هي التي جعلته من ذوي المناصب ، وإلا كان راتبه الشهري ومخصصاته لا يتجاوز مجموعهما المليون دينار والنصف في أفضل حالاته الوظيفية ؟!. كل هذا التخبط وعدم الإستقرار وحب الإفراط بالتمتع بالإمتيازات من غير وجه حق ، مع رغبة المسؤولين والمنتفعين في إستمرار فوضى التشريعات الخاصة بالرواتب والمكافآت والمخصصات والإمتيازات ، إضافة إلى فوضى ولغو المتحدثين عن المقادير بغير يقين السند القانوني والمعرفة أو العلم بحده الأدنى على أقل تقدير ، أدت إلى حجبت مقترحات السعي إلى تصحيج وتوجيه مسارات التخصيص والمنح المالي بموجب معايير الإنصاف والعدالة في توزيع الثروات على وجه الإستحقاقات المشروعة ، والتي ساعدت السلطات الحاكمة على عدم إتخاذ الإجراءات اللازمة لتلافي ما نحن فيه من سوء الحال والأحول ، مما دعانا إلى تقديم مقترحنا بهذ الشأن ، بالإستناد إلى نتائج تجربة عملية فعلية موثقة رسميا ، الذي سيتضمنه القسم الثالث من مقالتنا هذه تكرارا ملزما ، عسى أن نجد الآذان الصاغية والعقول الواعية قبل فوات الأوان ، وأن يحسب الضرر المادي الشخصي من جسور النفع العام في هذا المجال ، لعبور جانب من الأزمة المالية في البلاد .