19 ديسمبر، 2024 1:54 ص

مقدمة في ديوان الشاعر كريم عبد الله 

مقدمة في ديوان الشاعر كريم عبد الله 

مقدمة في ديوان الشاعر كريم عبد الله بقلم الشاعرة احسان السباعي 
الشعر احساس يخاطب الروح وهمس الشعور
يتوغل في مسام الوجدان يلامس لهفة الأشواق
ويتربع على هودج الحنين ,الا أنه في غالب الأحيان تلسعه أشواك الأنين ويشكو لوعة الحرمان .فينزف قطرات دم تبكي على بساط الحروف .فتشتعل صبوتها على جذوة السطور متجاوزة حدود الأمكنة والأزمان وهو قدر ولا يستطيع الشاعر الحق أن يهرب من قدره وقدر الشاعر العراقي كريم عبد الله أن يكون قدره في رحلة في رحاب البوح الدفين لها في أرض القلب وطن وفي صدق الروح انتماء وفي يقين الغربة وجدار المسافات عنوانمحمل بعناء البلد المجروح العراق بلد الحضارات والأنبياء ومرقد الأئمة مرقد الحسين وعبق ال البيت والصحابة الطاهرينمتقل بالجروح يئن تحت وطأة الشقاء في سلسلة مكبلة بقيود الحصار والقمع والاستغلا ل والسيطرة والهيمنة الطائفية من عهد صدام حسين الى ما بعد مقتله ورحيل امريكا راعية الظلامومن هنا نجد الشاعر كريم عبد الله العامل في  مستشفى الرشاد في قسم التأهيلي للمرضى النفسيين استلهم الاحساس والدفء من خلال معايشته الدائمة لهموم ومشاكل المرضى فكان الاب الروحي .الاخ المجاهد الصديق المتفهم يدعمهم ويخلل أعمالهم بأنشطة تقافية وابداعية في مجلة خاصة بالمستشفى ويتحفهم بمسرحياته التي يقوم باعدادها واخراجها وطرح موضوعاتها ويطلق العنان والحرية التامة للمرضى لتشخيصها على خشبة المسرح حتى يحسون بمدى فعالية الدور الذي يساهم في العلاج النفسيكما اننا نجد الشاعر كريم من كثرة وجعه وما يحمله من معانات نفسية وصحية من جراء الحروب التي عاشها سنوات والتي يسميها هو شخصيا حرب الخديعة حاول ان يهرب من ألمه وحزنه الدفين الذي سرق من عمره الكثيرواستنزف من آهاته الكم الكبير  أن يبحر في القصيد بلا مركب أو شراع مجدافه قلبه وكان سباحا ماهرا في بحر العشق حيت جعلنا نعشق العشق نفسه وسط ما نعيشه من انكسارات وتحطيم للامال والنفاق والتزييف واصبحت الرومانسية حلم من الأحلاموبهذا الصوت المستفيق من السبات العميق تتعالى في ديوانه الاول صيحات ونداءات وصرخات لا متناهية على الملهمة التي تتمحور وتتشخص كل قصائده حولها وعنها ويتنفس عبق العشق من أريجها والتي قد تتشخص في كل ماهو جميل من خضرة وربيع وخرير الماء وزقزقة الطيور  والبلد والموطن كل ما فيه أنفاس الياسمين والرياحين وما حباه الله من جمال وبهاء استطاع أن يحرك الراكد والراقد في جوف الأعماق وبعث فيه الدفء والحياة والتي كتب لها الاهداء الخاصالى من جعلت حياتي تتلون بأزهار النرجس
الى من مزّقت شرنقة صمتي بعد الخمسين من العمر
الى التي لولاها لما كتبت الشعر وتغنيت بها
الى التي انبعثت في حياتي بعد طول انتظار
اقدم لها هي
كما استوقفني العنوان ((العشق  في زمن الغربة ))
فكيف يولد العشق في زمن يشعر فيه الانسان انه وحيد وغريب من كل ما يحوم حوله ؟ربما يشعر انه غريب حتى عن نفسه فالغربة فراغ واحساس بالضياعوالعشق هو الحرف الذي يحاكي الصدق في الأعماق ويواسي الوجدان يرسم الصورة الشعرية باتقانوالشاعر كريم يتمتع بذائقة فنية راقية وتقافة عالية وقدرةعلى التخيل والسباحة في بحر الاحساس لذا كان واعيا ان العشق يعد صعبا في زمن الغربة والعشق الصادق غدا فيه غريبا يرجم بحجارة الاستغرابوقد استهل أول قصائده بالمصابيح
مصابيح
خلت الطرقات من مصابيح روحي
وذكراك
كرياح عاتية مجنونة تلاحقني
فتزيد من جروحي
تعزف بأوتار فؤادي
لحن ضياعي
المصابيح التي انطفأت في عتمة روحه الحزينة
وبقيت حيرى بين خلجات النفس المتعبة بجدار المستحيل وبين أحلام تتساقط أوراقها مع رياح الحلم البعيد ونجد الشاعر المرهف الاحساس كريم يحمل الأسى العميق كونه في خريف العمر حتى انه حدد الـتأريخ لعمره وزمن نبض قلبه ولهفة شوقه إنتظرتك خمسين عاما
إنتظرتك خمسين عاما في وطني
وبحثت عنك بين نجوم الليل والاقمار
لكنك كنت في المنفى
أتلمّس في العتمة وجهك
وعن نهد صدأ يغفو بالاسحار
فوق امواج بحر منسيّ مجنون
لم اهتد لشطانك بعد
وغير مصدق أنه يعيش العشق ويستخسر على نفسه الفرحة والسعادة كونه مثقلا بالفجيعة
فجيعتي
من هول فجيعتي أناديك
لعلّ صوتي يخترق صمت لياليك
حياتي كلّها صارت قصيدة
 فيناجي الملهمة التي سماها مليكتي في البعد مليكتي في البعدِ
قلْ لمنْ ملكتْ فؤادي
ويستريح تحت ظل خيالها
ويستدفء بطيب أحلامها وفي جل قصائده حاضرة غائبة
نائمة مستيقظة ضاحكة باكية قريبة بعيدة حتى انه يعرف كيف يرسمها بريشة الفنان ويترجم بوحها الحزين ويسكن في أعماقها ويتشخص فيها ويسقط ذاته في شخصيتهاويمزج الوان البعد والحرمان من بعضهما ويرسمه لوحة في كل قصيدة  ويحمل الوعي العميق بواقع الحال ان هذا العشق ماله نهاية وسط مرارة زمن يرتدي توب  الغربة والمحنة والعشق فيه لعبة العشاق المجانين يكتوون بنار الحرمان ويمننون النفس بالأوهام
وهكذا يصبح الترابط بين القصائد بالصور والخيوط
وثوب الحروف تفترش بساط السطور تعبر بشفافية عن مكنونات الشاعر كريم
وان الشعر لا يخضع ليقين مطلق وليس له أسئلة ذات أجوبة قاطعة وحاسمة انما هو البحث في مكامن الجمال
وسر الروح التي يسكنها العشق بلا انذار
والعشق ليس له عمر ولا يخضع لحدود الأمكنة والازمنة
له فقط  في القلب وطن وأجمل حب من يأتي صدفة دون اديولوجيات او بيداغويات او ديداكتيك
وربما الشاعر اكثر حظا من غيره قد يعيش عمره ويواريه الثرى ولا يعرف معنى العشق يعيش عمره يتأرجح بيت طلب حق الرغيف ويتوسد عبء العناء ويصارع الأيام بلا احساس أو من يجري وراء المال ويسعى لتكديسه  ولا يعرف كيف تمارس طقوس العشق  على شغاف الوجدان والشاعر   لامسه واحس به وخبر لوعته وكيف يعاني العاشق عندما لا يجد من يعشقه بجنبه ويعيش معه جلّ لحظاته من فرح وحزن
واستطاعت الملهمة المعشوقة
أن تنفض الغبار على النفس النائمة في سرداب الروتين والنسيان وجعلته
يغتسل بفجر العشق ويتوضأ بماء روحها الحالمة ويرتل الصلوات في محراب الهمس ورقص الجفون
حتى اننا نجده يقول
ياساكنةً في عيوني
ياساكنةً تحت أحداقِ العيونِ
همسكِ يُؤججُ اشواقي والشجونِ
أزرعُ الدربَ أزهاراً حينَ تأتين
فتعالي
وبددّي وحشةَ السنينِ
أهربُ من أيامي
 من وحدتي والامي
يامنْ بعينيكِ تعشعشُ أحلامي
فالشاعر يحمل الوجع الدفين الذي مهما حاول به ان يهرب فيه الى عشق القصيدة والملهمة نجد وجع الوطن واوضاع العراق تسكنه و هم الانسان بصفة عامة يقلقه حتى  انه يسقطه دوما بحسه الشعري ووعيه الفكري في شكل حواجز تمنعه من تحقيق اماله في الاستقرار والنوم قرير العين بلا حرب ولا دمار ولا هجر ولا رحيلويبقى عالقا في سمفونية السؤال التي يرمي لها بشكل ضمني جواب اليقين بالمستحيلوبهذا يكون حاملا ضمير محنته رافضا ان يستكين للوهم وعبثا يحاول أن  يستقل من وطنه لأن الوطن يسكن القلب بجرحه بأنينه وبفرحه وحنينه وعبثاحاول  أن يستوطن في أرض الملهمة التي تبعدها عنه المسافات والحواجز وتمنعها عنه الف قيود وقضبان فزاد ضياعه أكثر وأكثر وبقي اسير الحزن يعاني الصراع الداخلي الذي ترجمته جل قصائده فلا وطنه اسعده ولا الوطن الاخر اواه ومنحه الدفء والاستقراروهكذا يواصل الشاعر رحلته في مناجاة الملهمة المعشوقة والتمني ان يلتقيا ويتحديا خريف العمر ويلبسا توب الربيع وينعما بالحياة متحديان زمن الغربةوالبحث عن الحب الصادق النقي لذا تجده يئن بنزيف في الروح لدرجة البكاء وتارة نجده هو الملهمة نفسه وتكون الطيف المتجسد فيه المتوحد في عمق أعماقه نصفه الثاني الذي فهمه واستوعب كل حيثياته وعرف كيف يبعث البسمة في عتمة الظلام وقد ختم قصيدة الديوان
ياساكنةً في عيوني
ياساكنةً تحت أحداقِ العيونِ
همسكِ يُؤججُ اشواقي والشجونِ
أزرعُ الدربَ أزهاراً حينَ تأتين
فتعالي
وبددّي وحشةَ السنينِ
أهربُ من أيامي
من وحدتي والامي
يامنْ بعينيكِ تعشعشُ أحلامي
من يقرأ قصائد الديوان سيغوص في زمن العشق ويركب على بساط الاحساس
وتنتابه النشوة والتمنى ان يصير هو العاشق والمعشوق
فطوبى لهكذا ابداع
ولي ارتسام اختمه به ارتساماتي
 عندما يفتعم الحب في القلب نغدو معه القاتل والقتيل
نُقتل بسهم الهوى من رمش عين 
ونَقتل برد الهمس من نُطق جفن
يُطوى الفؤاد وبرصاص العيون تضيع الزفرات 
وبالحب الصادق مضوع الخطرات
يعصف بالجوارح كما النار 
تنصب مائر الفورات 
كلما كان الارتواء الا وازداد الظمأ الى الرشفات
وعات اللهيب بالخلجات 
درورب الهوى قاتلة 
فكم هوى بالحب جبار 
سمفونية تعزفها قصائدك سيدي الشاعر كريم  على أوتار بكل لون وشكل شامخة حالمة هادئة
وبرتم خيوط واثقة وعين ثاقبة 
رائع دوما وبدون مجاملة كعادتك تحملنا بعيدا الى زمن الشعر الجميل بصدق 
يخاطب الوجدان والجوارح والفؤاد والعقل ايضا 
تحياتي لك سيدي شعرك راقي 
وتمنياتي لك بكل التوفيق والنجاح
الاديبة احسان السباعي
المغرب2013

أحدث المقالات

أحدث المقالات