تنويه : الرجاء ممن يقرأ هذه المقالة ان يقرأها للاخر ولمرتين
أفرزت انتخابات ١٢ أيار عام ٢٠١٨ في العراق عدة معطيات معظمها ذات ابعاد سلبية ارتبطت بكشف حالات عديدة للتزوير وتشكيك معظم الأحزاب والتكتلات ( وبضمنهم بعض الفائزين ) بنزاهة العملية الانتخابية ووجود خروقات وتدخلات ومشاكل تقنية ، الى جانب الحمى التي اصابت عدة جهات كمجلس النواب وعدد من النواب بتقديمهم دلائل بالصورة والصوت عن الانتهاكات التي رافقت العملية الانتخابية ، بعضها على درجة من الخطورة وكأنها دبرت مسبقا لتستخدم في حالة الفشل وعدم الفوز في الانتخابات تمشيا مع المثل القائل ” عليّ وعلى اعدائي ” . وانتفضت جميع وسائل الاعلام بتقاريرها ومقابلاتها لكل المعنيين ما بين مؤيد وما بين مشكك او رافض لمجمل العملية الانتخابية . وبدأت تتوضح القوائم الفائزة وتحركاتها المكوكية لتشكيل الكتلة الأكبر التي ستسمي رئيس الوزراء المقبل ( وطني المظهر طائفي الجوهر ) . وسيبقى النهج المعوق هو السائد في إدارة الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وسوف لن يحدث اي تغيير جوهري ملموس سواء في المجال الاقتصادي او الاجتماعي ، وسيبقى تحقيق التقدم والتحضر والرفاه الاجتماعي والأمن والسيادة الحقيقية اقرب الى الخيال .
ولكن امام كل هذه الصورة السلبية لما افرزته انتخابات عام ٢٠١٨ لم ينتبه معظم الكتاب والمحللين والمتابعين للشأن العراقي الى ظاهرة إيجابية مهمة جدا أفرزتها الانتخابات . فاعتماداً على بعض الأرقام الخاصة بالانتخابات ، ( ولست هنا بصدد دقة الأرقام ١٠٠٪ ) ، يلاحظ ان أعداد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات بلغت حوالي ( ٢٤ مليون شخص ) ، وبلغت نسبة المشاركة ( ٤٥،٥٢ ٪ ) أي ان عدد الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات بلغ حوالي ( ١١ مليون ناخب ) ، يقابل ذلك عزوف بقية الناخبين عن الإدلاء باصواتهم والذي بلغ عددهم حوالي ( ١٣ مليون شخص ) . وهذا يعكس بالتأكيد رفض شريحة واسعة من المجتمع لمجمل العملية السياسية بسياقاتها ورموزها ومنطلقاتها وبرامجها ، تلك العملية التي بنيت على أساس المحاصصة والانحياز الديني والمذهبي والطائفي والتي أفرزت نخب سياسية غير مؤهلة تماما لإدارة الدولة ، بل ساهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتبذير موارد البلد على مدار الخمسة عشر سنة من توليها زمام الحكم .
ومن الواضح ان الذين شاركوا بالانتخابات والبالغ عددهم حوالي ( ١١ مليون ناخب ) لا يجمعهم اي عامل مشترك حيث توزعوا على جميع القوائم الانتخابية كل حسب توجهاته الفكرية والعقائدية وانتمائه المذهبي والطائفي والقومي …..الخ . وبذلك فإن اي قائمة انتخابية فائزة ، مهما كان عدد مقاعدها ، فإنها لا تمثل الا ذلك العدد القليل من مجموع الناخبين الذين صوتوا لصالحها . فهي بالنتيجة لا تمثل غالبية المجتمع .
في المقابل ، بلغ عدد المقاطعين للعملية السياسية بحدود ( ١٣ مليون مواطن ) ، وبالرغم من ان هؤلاء الممتنعين عن التصويت يمثلون كافة فئات المجتمع بمختلف اطيافهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم ،،،، فقد جمعهم عامل مشترك هو رفضهم للواقع المزري للبلد والتعبير عن استيائهم من النخبة السياسية مهما كان انتماء تلك النخب التي اوصلت البلد الى هذا المستوى . وَمِمَّا لا شك فيه ان معظم من قاطع الانتخابات ( باختلاف انتماءاتهم الشكلية ) جمعهم عامل مشترك وهو الشعور بالانتماء الوطني مجرد تماما عن اي صفة مذهبية او دينية او قومية او عقائدية ، وإلا كيف توحدوا بقرار المقاطعة وهم من مختلف فئات وأطياف المجتمع . وعليه فان هذه الإعداد الكبيرة التي رفضت العملية السياسية المبنية على المحاصصة والاستحواذ على خيرات البلد لمصالح فئوية تمثل ظاهرة إيجابية يتطلب الانتباه اليها واستثمارها وتأطيرها وفق قواعد وأسس سليمة لتتمكن هذه الفئة من ان تلعب دور فاعل ومؤثر لتصحيح مسار العملية السياسية للدورة القادمة ( اي الانتخابات القادمة بعد اربع سنوات ) . وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني والنشطاء المدنيين ووسائل الاعلام النزيهة ( ذات النفس غير الطائفي ) لإيجاد وسائل فعالة للتواصل مع هذه الشريحة الواسعة من المجتمع التي تتميز بالنفس الوطني كتعبير عن الانتماء الحقيقي ، بحيث يتم خلال الأربع سنوات القادمة بلورة موقف موحد في الانتخابات القادمة ، وإفراز نخبة متميزة من بين هذه الفئة نفسها للترشح في الانتخابات القادمة تنظر الى الموقع الوظيفي باعتباره مسؤولية كبيرة وليس مكسب شخصي بحيث تحظى بقبول وتأييد عام يؤمن لها فوز أكيد وبشكل كبير . وهنا قد يكون من المفيد قيام بعض النشطاء المدنيين بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني بوضع خطة ومنهاج عمل مكثف لتحقيق التواصل المستمر مع هذه الفئة الواعدة لاستثمار مواقفها في تصحيح العملية السياسية . وبالامكان الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في هذا المجال ، وتوجيه قناة تلفزيونية مخصصة لهذا الاتجاه ان أمكن ، وهناك وسائل عديدة اخرى يمكن ان تعزز من تحقيق هذا الهدف من خلال التنسيق مع معدي بعض البرامج السياسية الساخرة التي لا تحمل اي نفس ديني او طائفي او فئوي كبرنامج البشير شو وبرنامج ولاية بطيخ وبعض من معدي ومقدمي البرامج الحوارية من المثقفين المؤثرين في الاعلام كبرنامج بالحرف الواحد وغيرها من البرامج الموثوقة التي تحمل فقط نفس الانتماء للوطن بشكل حقيقي وليس كشعار يرفع في المناسبات . بالتأكيد ستكون المهمة صعبة في بدايتها لانها ستحارب وتواجه بعنف من قبل معظم الكتل السياسية الموجودة الان في الساحة السياسية .
الخلاصة : الحل الوحيد امام العراقيين لتصحيح العملية السياسية جذريا في هذه المرحلة بالذات ، وبما يحقق مستقبل واعد حقيقي على الأقل لأجيالهم القادمة ، هو تعبئة هذه الجماهير الرافضة لمجمل العملية السياسية التي أفرزت حثالات المجتمع لتدير كل مفاصل الدولة ليصبح العراق في قمة التخلف والفساد والتردي في ابسط مقومات ومستلزمات الحياة الكريمة . فإذا لم تنجح هذه المهمة فأقرأ على العراق السلام .
انقر هنا من أجل الرد أو إعادة التوجيه