19 ديسمبر، 2024 1:15 ص

مقترح افتتاحية لمجلة المجمع العلمي العراقي في يوبيلها الماسي

مقترح افتتاحية لمجلة المجمع العلمي العراقي في يوبيلها الماسي

مجلة المجمع العلمي العراقي : عمل رسولي ولاشئ غير ذلك
حقاً…
هل استطاعت مجلة المجمع العلمي ان تحظى بما لم تحظ به مثيلاتها الآخريات …؟!
سؤال ليس جريئاً على الاطلاق ، انما هو سؤال وجيه واحد ووارد على أية حال ، بعد 68 مجلد (كل مجلد 4 اعداد ) من المجلة ، كان لابد من وقفة مع انفسنا ومع القارئ ايضاً – ونحن على اعتاب عام جديد من تواصل الصدور … وقفة نقدية تقلب النظر وتعيد الحسابات ، وتسأل في صراحة ووضوح وبساطة:-
ماهي ايجابياتنا وماهي سلبياتنا؟
اين نجحنا وأين اخفقنا؟
ربما يسمح لنا القارئ بأن نقول دون ان يخالط هذا القول اي احساس نرجسي بالرضا عن الذات.
اننا حاولنا قبل ما اوتينا من جهد وقبل ما اتاحته لنا إمكاناتنا المتواضعة ان نكون في مستوى ثقته بنا وطموحنا اليه. وكنا في مضموننا وشكلنا وتوجهنا واهتماماتنا مختلفين عما سبقنا ويماثلنا، متميزين ومتمايزين عما واكبنا ويواكبنا من مجلات اخرى مع تقديرنا الكامل لكل كلمة عراقية وعربية صادقة تصدر داخل وطننا العزيز العراق او خارجه ، فنحن من المؤمنين بان الساحة العراقية ومحيطها العربي تحتاج في هذه الظروف اكثر من اي وقت مضى الى عشرات المجلات / المنابر التي تستهدف وجه عراقنا العربي.
مجلة المجمع العلمي احد هذه المنابر – بعد ان كانت ومازالت – لتكون في متناول كل من يريد ان يصل الى الكلمة الصادقة والتحليل الواعي والدراسة العميقة والخدمة المعرفية الواسعة والتوجه العربي الاصيل.
ستكون في كل عدد من اعداد مجلة المجمع العلمي ، دراسات وابحاث وترجمات ومقالات وشهادات ووثائق ومراجعات ومتابعات … الخ. تقول الحقائق بالفم الملآن ، فمجلة المجمع العلمي ، ستبقى مجلة الموقف لا الميوعة ولا المشي بين قطرات مطر الشتاء خوفاً من البلل.
فاذا لم يكن شأن المطبوع الفكري ان ينتقد ويدحض ويفند … فما هو دوره اذن؟
ان هز المجامر بالبخور ، آخر ما يجري به خيالنا . فقد تَعودَّ منا القراء الا نصانع ولا نتملق ولانحابي عدا ان المصانعة لا تلين لنا ولو اردنا.
فلذلك نطلق الكلمة ، لا يعنينا ارضت ام اغضبت بل يهمنا اصابة غمسة من معين الحق وينبوع قلب الله ، لان المصانعة مع الآخر/ المختلف / البغي ، اطلاق لفجوره ليجئ اشد فتكاً واكثر وقيعة . فلا ينتظر احد منا في ما نكتب تورعاً جباناً ولا مداراة خجولاً ولا لهجة مقنعة مذعورة ولاممالاة تمسح جبين الرجس بالعطور.
فعندما يكون الشأن الوطني هو الغاية فلا خيار للمؤمنين والمتقين ، والمواطنين الصالحين بل كلنا معنيون به وفرقاء فيه . ثم ان لوطننا ولأمتنا من الولايات ما لايسمح لنا بأن نضيف اليها آلاماً جديدة من اللامبالاة ونفض الاعطاف وقلب الشفاه … وعلى المطبوعة الفكرية او ما يعرف بالنخبوية ، المعول في ان تكون يد حق تتهاوى لتصفع كل وجه بطل يتمادى وهي من كل اصلاح ورقابة البدء والوسط والختام.
ومقدساتنا المهنية التي ادينا لوجهها القسم واغلظ الايمان ، تطالبنا بنذور كثيرة ادناها ان نقول الحق لوجهها . اي ان نكون صادقين ، والمعيار معروف وكذلك موطن العبرة . فمن احب قضايا وطنه وامته أسرنا بمبادراته ومن خانها او جنح عن جادة القصد الزمنا بمواقف متشددة فوق التصور مداها.
حقاً …
استطاعت مجلة المجمع العلمي بعد 68 مجلد من الصدور ان تحظى بما لم تحظ به مثيلاتها الاخريات … لأنها :-
استطاعت ان تبوح بالسر الخطير على الرغم من وضع العراق العام المفروض على الكلمة الصادقة والكاتب المبدئي من قبل الاخر المختلف / البغي.
سميت الاشياء بأسمائها من دون ان تضطر الى التمويه وتمهد الى الطلاء والمداهنة.
حملت عصا التمرد وتخطت الحواجز وقفزت بالأسماء المدانة والتواريخ المدانة والارقام المدانة ، ووضعتها امام القارئ العراقي والعربي في دعوة لتمزيق بعض الشعارات المجوفة السائدة.
امتلكت شجاعة ذاك الطفل الذي صرخ في موكب الامبراطور ( اللعنة : انه عار).
اعادت الطهر والعذرية للكلمة العراقية البتول.
قد فعلت مجلة المجمع العلمي هذا ، وغيره كثير مما لايقال.
مجلة المجمع العلمي ، هذا خطها وتلك رسالتها.
انها مجلة العراق ، اي المعنية بوحدة ارضه وانسانه وعروبته وسيادته ومقاومته الوطنية ضد كل العدوانات … ومجلة المجمع العلمي ، مجلة كل العرب ، والمعاملة باخلاص لكسب العقول والقناعات الى كل القضايا العراقية والعربية ، ووحدة الصف بين الاشقاء.
مجلة الموقف الفكري المبدئي؟
نعم …
فالموقف الخطأ خير من اللاموقف . لذلك ، لن تكون مجلة المجمع العلمي مجلة اللااشخاص، كما يقول جورج اورويل ، هؤلاء الذين لا يمكن ان يموتوا لانهم لم يولدوا.
ستكون مجلة تلد وتولد وتعطي وتجدد وتذكر … ساعة تقييم عناصر نجاحها… فضل القائمين عليها وبعنايتهم يستمر وهجها .. واسرة تحرير مخلصة ناجحة … اليها يعود القسط الاوفر من مقومات النجاح.
مجلة العناد بالحق والحرية ، وهي هاجسنا الاول ، والمقدسات قلت ، بالإضافة الى حرص منها دؤوب على ان تظل محلية الفكر الرصين ، والجدة … غايتها ان تتعامل مع قارئ صعب ، رافض ، دقيق ، محاسب ، مثقف … ومن هذه الفئة قراؤنا.
فالمشقة وحدها ودون سواها تستهوينا ، وان اصدارها من عراقنا العزيز شاهد على عروبتها وقوميتها واطلالتها على العالم من كبده وقلبه.
مجلة كل عراقي وكل عربي.
مجلة قارئ به دائماً غير استقامة حال . فهو اما يداه مرتفعتان في الفضاء ، واما اصابعه على قلبه من هلع ، وامل عيناه شاخصتان من وحشة ، الا انه لايقلب يوماً شفة لسآمة او ضجر.
مجلة ، ارهف فيها حسن التوتر ، فأذا القارئ مُسترعىً ، وهذا القارئ وحده يعنينا ، والموجب الوطني يفرض علينا الحاحات محتوم علينا ان نستجيبها وان نسلم بمنطقها والا صُنفنا من المارقين . فأننا كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها متنفس نميز به الغث من السمين ، والصالح من الفاسد.
بين لها من القارئ العراقي في البحث عن الحقيقة وسط بحر الظلمات ، وخيبة في اكتشافها وسط بحر الظلمات … يتوالى اصدار المجلات العراقية والعربية بين عهد ونكث بالعهد ، ووعد ، واخلاف وعد ، وقسم وحنث بالقسم.
فهل ستبقى مجلة المجمع العلمي ، المجلة العراقية والعربية الحلم ؟
هل تبقى؟!
مجلة تتمرد على المألوف في الصحافة الفكرية المقننة تكسر الأطر التقليدية ؟
مجلة لا تباهي بعدد النسخ المطبوعة منها انما بعدد القراء ؟
ولا تتباهى بعدد الصفحات بل بمدى وصول الصوت ، صوت الطرق وشدة التأثير؟
مجلة صغيرة الحجم ، ضخمة المحتوى ، دقيقة انيقة ، تخلق نمطاً من الكتابة الفكرية جديداً ، نمط لم يتسرب العفن الى خلاياه او الكلس الى مفاصله.
فالذي يكتب وحبر قلمه ماء القلب ، وايقاع حروفه ، نبض الصدغ والوريد ، سيعلم ان الكلمة الواعدة المبشرة المحرضة ليست مزايدات.
سيكون اسم الباحث في المجلة هو شرفه ووسامه ودليل التزامه الميداني واجزل مكافآته.
ستدخل مجلة المجمع العلمي اسماً نبراساً في سجل الخلود ، ان يكتب يوماً ما عن المجلات العربية الفكرية في هذا الزمن العربي البائس :- ان مجلة عربية اسمها مجلة المجمع العلمي ، رغيف القارئ العراقي والعربي الحق وصرخة غضبه ومهماز وثوبه . تحد كبير ورهان صعب.
فليكن…
ومن قال ان الرهانات السهلة وحدها تستهوينا ؟
ومن قال اننا ننفض ايدينا من حق القراء علينا في ان نصدقهم الحقيقة غير مشوبة بالغرض والعاطفة والهوى؟
اما الغاضبون من شجاعة المسعى ، فليغفروا لنا نبل القصد . ولهم دون سواهم نؤكد ، ان مجلة المجمع العلمي ، عمل رسولي ولأشيء غير ذلك . غايتها ان تلتزم بالصدق والموضوعية وقول الحقيقة.
ونقول مع ابي عبيدة :-
إنا نجاهد كي يرضى الجهاد بنا ولانجاهد كي يرضى بنا احد

[email protected]