23 ديسمبر، 2024 1:27 م

مقترحات لتفعيل وحماية المنتج المحلي

مقترحات لتفعيل وحماية المنتج المحلي

إن المعالجات الجادة لإعادة الدور االريادي للمنتج المحلي تستوجب النظر إليه ليس كونه المنتج الحكومي فقط وإنما إنتاج القطاعات الاقتصادية كافة ( الحكومي، المختلط ، الخاص ) فبعض القرارات تركز على المنتج الحكومي وتهمل القطاعات الأخرى رغم أن لها إمكانية أوسع في استيعاب الإستثمار وزيادة رؤوس الأموال وولوج التقنيات الحديثة في الأسواق ، لأن حجم معاملها تفوق أحياناً معامل القطاع الحكومي وهي أكثر تحرراً من الإجراءات البيروقراطية التي تعيق التنمية ، كما أنها أكثر قدرة على اختيار القيادات الإدارية والفنية على أساس الكفاءة ونتائج الأعمال وليس لعوامل أخرى كما أنها قادرة على جلب الطلب على منتجاتها وخلق فرص عمل أكثر من القطاع الحكومي ، وعلى هذا أساس فأن التحدث عن المقترحات لتفعيل وحماية المنتج المحلي يقصد بها القطاعات الاقتصادية مجتمعة ولا تخص القطاع الحكومي فحسب ، وأبرزها زيادة استيفاء النسبة المحددة بإصدار إجازة الاستيراد وتودع في حساب صندوق دعم التصدير لغرض تعظيم موارد الصندوق وفسح المجال لشمول عدد كبير من المصدرين بالإضافة إلى مساهمة الدولة بتضمين الموازنة السنوية بتخصيص مبلغ مناسب للصندوق يخصص للمصدرين لغرض تطوير وزيادة منتجاتهم التصديرية بحيث يصرف للمصدرين ( حصراً ) الذين يقدمون وثائق تثبت قيامهم بالتصدير الفعلي من (إجازة تصدير، قائمة تجارية، شهادة منشأ ، شهادة الحجر الزراعية ، شهادة الفحص والتبخير، التصريحة الكمركية، وتأييد آخر منفذ أو ميناء لإخراج البضاعة المصدرة ) ، وأن التأكيد على هذا الجانب هدفه سد أية ثغرة قد تحصل من قبل الفاسدين وضعاف النفوس للاستحواذ على الدعم التصديري من خلال منع تقديم وثائق مزورة للحصول على مزايا غير شرعية ليس لها علاقة بالأهداف الاقتصادية الوطنية ، ومن الضروري تحديد مدة زمنية لصرف الاستحقاق من الدعم وبما لا تتجاوز الستة أشهر من تاريخ التصدير، فضلا عن إعفاء أو تخفيض الرسوم الكمركية المفروضة على المواد المستوردة للمنتج من (معامل، مكائن ، خطوط إنتاجية ، مواد أولية داخلة في الإنتاج ، مواد تعبئة وأية مواد تستورد لغرض إنتاج مواد قابلة للاستهلاك المحلي أو التصدير) ويلغى هذا الإعفاء أو التخفيض في حالة عدم استمرار المنتج او عند بيع المواد المستوردة بشكلها المستورد بما يضمن تخصيص المواد المستوردة لأغراض الإنتاج حصرها بحسب الاستخدامات المخصصة والآجال الزمنية التي تتناسب مع مدة الاندثار او التقادم في التقنيات ، ولغرض تقديم الإسناد المالي لقطاعات الإنتاج فمن الضروري إصدار تعليمات تتضمن تقديم قروض بدون فوائد أو بفوائد رمزية في حالة قيام المنتج والمصدر باستيراد معامل أو مكائن أو خطوط إنتاجية بهدف توسيع الطاقات المنتجة او إدخال التقانات الحديثة في الإنتاج .
ولغرض وضع استراتيجيات وخطط مستقبلية مبنية بشكل علمي في مجال تشجيع ودعم الإنتاج المحلي ليأخذ دوره التدريجي في الإحلال بدلا من الاستيراد ، نرى أهمية تأسيس مجلس المنتجين ويتألف من مجلس إدارة يتم اختيار أعضاءه من القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية كافة ، ومهامه إدامة الصلة بين المنتج والمصدر والجهة المانحة للدعم ، بالإضافة إلى تذليل ما يمكن من الصعوبات التي تواجه المصدرين والمطالبة بتقديم جميع التسهيلات التي من شأنها تطوير عملية الإنتاج وحصول المصدر على مستحقاته من الدعم ، ويكون من مهام المجلس أيضا حث القطاع الخاص والمختلط على التصدير بعد تغطية الاحتياجات المحلية من خلال رفع القيود المفروضة على التصدير بالسماح لهم بتصدير المواد غير المسموح بتصديرها سابقاً ، ولتسهيل وتشجيع التصدير فمن الضروري العمل على تخفيض رسوم خدمات الموانئ على الصادرات عن النسبة الحالية وتخصيص أراضي زراعية أو صناعية للمنتجين الفعليين والمصدرين بدون بدل أو ببدل رمزي في حالة التعهد باستخدام ما خصص لهم للأغراض الإنتاجية والتصدير فقط ، وحصر الاستيراد بالجهات المخولة رسمياً بالاستيراد وإصدار تشريع يتضمن حظر الاستيراد للأفراد والمنظمات والجمعيات والشركات غير المتخصصة بالاستيراد إلا أذا كان الاستيراد للاستخدامات التي تنص عليها التشريعات النافذة ، ولتطبيق ذلك فعليا فان من المهم الرقابة على المنافذ البرية والبحرية والجوية بعدم السماح بدخول الاستيراد لغير الجهات المخولة والمجازة رسمياً بالاستيراد وفرض غرامات على أية إستيراد خارج الضوابط ومصادرة موادها وتكون المنافذ التي دخلت منها البضائع المستوردة خارج الضوابط والتعليمات مسؤولة قانونيا عن التقصير عند ثبوت التعامل مع المتورطين بهذه الأفعال قضائيا على وفق النصوص التي تعالج جرائم التخريب الاقتصادي ، وان التعامل مع المقصرين والمتواطئين في قضايا الاستيراد من الموظفين الحكوميين او من المتعاقدين من الشركات الفاحصة او غيرها من شانه أن ينشا حازما ومؤثرا لمنع دخول البضائع المنتجة محليا خارج السياقات بما يطمأن المنتج المحلي ويحفظ ثروات البلاد من الضياع .
وبهدف وضع آليات لنقل الاستراتيجيات إلى الواقع العملي فان الضرورة تتطلب تشكيل غرفة عمليات للاستيراد لتحديد مفردات المنهاج الاستيرادي للسلع كافة وتخضع للتحديث بشكل مستمر ، وتحديد الكميات التي يتوجب استيرادها وآجالها لغرض ربط الاستيراد بالإنتاج المحلي وإفساح المجال لتعويض المستورد بالمنتج محلياً كلاً أو جزءاً ، وتتولى هذه الغرفة وضع سياسات الاستيراد والتسهيلات الممنوحة للاستيراد بما في ذلك إتباع سياسة المثل مع الدول التي يتم الاستيراد منها كلما أمكن ذلك وإلزام الشركات التجارية المستوردة للمنتجات الصناعية بمطابقتها للمواصفات القياسية العراقية ، ولضمان انسيابية العمل فان هناك حاجة للتأكيد على الجهات ذات العلاقة في الدولة على التشدد في تطبيق قانون حماية المنتج المحلي بالصيغة المعمول بها حالياً، ومراعاة تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب يتضمن نظرة متكاملة لحماية المنتج المحلي ليكون ملزماً للتطبيق ويمنع حالات التهريب والاحتيال وغيرها من الأساليب التي تنافس المنتج المحلي بصورة غير مشروعة ، ويراعى في هذا التشريع فرض رسوم عالية على السلع غير الضرورية التي تستورد من خارج العراق كالمواد التجميلية والكمالية واللعب غير الضرورية وربط إستيراد السلع بما يتوفر في الداخل لغرض المحافظة على الثروات الوطنية ومنع خروج العملات الأجنبية والأموال العراقية بحجة الاستيراد أو القيام بعمليات غسيل الأموال ، ومن المهم الموازنة بين حماية المنتج المحلي وتوفير احتياجات المواطن على وفق الشروط النوعية وبالأسعار المعقولة التي تغطي التكاليف بدون هدر وتحقيق نسب إرباح موضوعية بما يضمن تحقيق العدالة ، وتعني العدالة هنا أن لا يكون المواطن ( المستهلك او المستعمل ) هو الضحية من إجراءات حماية الإنتاج ، ونقصد بذلك أن تتوفر سلع وخدمات بكميات تغطي الحاجة المحلية وتشبع الحاجات والرغبات وتنعش الإنتاج المحلي أي أن النظرة يجب أن تكون متكاملة ولا تحابي طرف على حساب الطرف المقابل تحت شعارات وأهداف تحدث الضرر لأي طرف من الإطراف .
ومن المؤكد إن عملية الانتقال من الوضع الحالي ( شبه المنفلت ) الذي تم فيه فتح أبواب الاستيراد في ظل غياب النظرة الشمولية في الجوانب الاقتصادية والفنية والوطنية ستواجهه العديد من الصعوبات لحين بلوغ الأهداف المنشودة ، لذا فمن الضروري الاستفادة من تجارب بعض الدول التي مرت بظروف تشابه إلى حد ما ظروف بلدنا لاسيما الدول حديثة النشأة في مجال الإنتاج الواسع ( الاكتفاء الذاتي وغزو الأسواق ) مثل ماليزيا واندنوسيا وتايلتد والصين وغيرها ، كما يمكن الاستفادة من الخبرات الوطنية في المكاتب الاستشارية للجامعات أو مراكز البحوث أو الجمعيات والمنظمات العلمية داخل وخارج البلد بتقديم المقترحات العملية الكفيلة بزيادة الإنتاج المحلي لسد الحاجة الفعلية أو التصدير وتقليل الاستيراد ، ويتم منح حوافز مادية ومعنوية للأفكار والمقترحات والمشاريع التي تسهم بشكل فعلي في حل المشكلات وإيجاد المعالجات القابلة للتطبيق ، ومنها معالجات تتعلق بالجوانب المالية لتبرير بيع الدولار لإغراض تتعلق بتفعيل الاقتصاد ولها ضمانات بعدم تهريب الثروات او غسيل الأموال ، كإجراء تعديلات في السياسة النقدية واستخدام أسلوب تسعير الدولار بأسعار تفضيلية متعددة منها سعر لشراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج المحلي وسعر لشراء سلع أساسية لا يمكن إنتاج كامل الاحتياج المحلي منها وسعر للاحتياجات المهمة والإنسانية والرسمية مثل ( الإيفاد ، العلاج خارج العراق ، مستلزمات طبية … الخ ) ، وسعر للمستوردات من السلع الكمالية والهامشية وغير المهمة واحتياجات السوق المختلفة ( سعر السوق بحد أدنى وبسقف أعلى محددين ) ، وان من فوائد وجود رؤيا متكاملة للإنتاج المحلي في ظل توفر جميع الشروط والعناصر ( في بلدنا ) الكفيلة ببلوغ ذلك الغايات ، من ناحية توفر الموارد البشرية والمواد الأولية والمساحات والموارد المائية ومتطلبات الطاقة من الوقود وما يتم إضافته من طاقات الكهرباء والبيئة الملائمة وغيرها ، ستنعكس آثاره ليس على النواحي الاقتصادية كزيادة الناتج الإجمالي وارتفاع حجم الدخل القومي والتحسن في ميزان المدفوعات والتنوع في الموارد الاقتصادية ومساهمتها في الموازنة الاتحادية ، وإنما في النواحي الاجتماعية والنفسية كانخفاض معدلات البطالة ونبذ الممارسات غير المألوفة الطارئة على مجتمعاتنا والشعور بالسعادة والأمان وارتفاع حالات الزواج وحل مشكلات العنوسة والطلاق والهجرة وغيرها ، كما إن من شان ذلك إعادة النظر بسياسات التربية والتعليم والصحة وتبني مؤشرات وطنية جديدة تنسجم مع حالة التطور وأمور ايجابية عديدة لا مجال لذكرها جميعا في هذه السطور ، وسيكون المستفيد الأكبر منها هو المواطن والمستثمر والدولة من خلال الشعور بالانتماء وتعويض شعبنا جانبا من الحرمان الذي عانى منه لعقود والقضاء تدريجيا على المظاهر والظواهر السلبية لبتي باتت تشغل اهتمام ومتابعة اغلب الناس بما يعيد وينمي الأمل للجميع .