عملت في دول الغرب لما يقرب من 30 عاماً في مجالات التعليم الطبي وإدارة المستشفيات والمؤسسات الصحية وكذلك خبيراً دولياً في تطوير البنى التحتية فيما يخص الصحة البيئية في أكثر من 50 عاصمة حول العالم. كنت أتابع عن بعد، ومن خلال زياراتي المتعددة لبلدي العراق تابعت أيضاً عن قرب الوضع المأساوي الذي وصل إليه النظام الصحي والبيئي في العراق، وخصوصاً في العاصمة الحبيبة بغداد، ومنذ الإحتلال ولغاية يومنا هذا.
وببساطة، وكما يؤيدني الغالبية العظمى من أبناء شعبنا، أن سبب ما وصل إليه العراق لهذا المنحى المؤلم والمخجل هي الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة حيث لم يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، بل كانت وما زالت غاية المسؤول الأولى والمهمة هي السرقة والفساد لدعم الحزب أو الجهة السياسية التي ينتمي إليها والتي نصبته في موقعه ذاك بناء على المحاصصة المقيتة.
وعليه رأيت أنه من واجبي الوطني والأخلاقي أن أشير للكثير من السلبيات التي رأيتها في المجال الصحي والبيئي في العراق عسى أن يكون هناك شخص مسؤول كبير يحمل القليل من الأخلاق والخوف على أبناء العراق يقرأ سلسلة مقالاتي هذه ويعمل على تصحيح الخلل الخطير في المجالين الصحي والبيئي اللذان أصبحا يهددان حياة الشعب من شماله إلى جنوبه وكما رأينا في أزمات صحية وبيئية مؤخراً.
أولاً – إصلاح الجانب الإداري في هيكلية وزارة الصحة
إن المتابع لهيكلية وعمل وزارة الصحة منذ الإحتلال في عام 2003 ولغاية اليوم ليصاب بالغثيان جراء الإجراءات والتغييرات التي قام بها وزراء “أميون وفاسدون” تسلموا مهام وزارة الصحة كانت تصب بكاملها لمصلحة الأحزاب التي يمثلوها وليس صحة المواطن كما هو مفروض.
من خلال متابعاتي المستمرة لكل ما قامت به وزارة الصحة، ولاحقاً البيئة التي أضيفت إلى الوزارة، رأيت ما يشيب له الولدان، كما يقال، الأمر الذي جعل وزارة الصحة والبيئة العراقية أسوأ وزارة صحة في العالم العربي بل وفي منطقة الشرق الأوسط برمته. ولهذا أتمنى أن أرى تغييراً في هيكلية وزارة الصحة وأنظمتها التي أصبحت مبعث سخط من الشعب سببها الفشل في جميع مهمات تلك الوزارة الخدمية المهمة. ولهذا، أقترح ما يلي، على أقل تقدير:
1. من المهم جداً التخلص من بؤر الفساد والتخريب المتعمد للنظام الصحي العراقي في هيكلية وزارة الصحة الذي يمارسه المنتسبون الذي عينوا وفق المحاصصة الطائفية، وعليه أتمنى أن أرى ما يلي:
• فصل وكلاء الوزارة والمستشارون والخبراء وجميع المدراء العامون فيها ورؤساء الدوائر الصحية في بغداد والمحافظات واحالتهم للقضاء لمحاسبتهم قانونيا على ما إرتكبوه من فساد إداري ومالي، وتعيين طاقم جديد يتمتع بالكفاءة العلمية والخبرة الوظيفية وفق مبدأ “الرجل المناسب في المكان المناسب”.
• تغيير جميع مدراء المستشفيات والمستوصفات والعيادات الشعبية في العراق ومحاسبتهم قانونيا عن سوء إدارتهم لتلك المؤسسات الصحية منذ الإحتلال ولحد الآن.
2. إلغاء أسماء جميع المستشفيات التي أصبحت تمثل وجهاً طائفياً مقيتاً والتي تم تغييرها بعد الإحتلال وإعادة أسماء اللائق منها وإعطاء البقية أسماء مهنية معبرة ومقبولة من قبل جميع فئات الشعب العراقي، وكما هو معمول به في كافة دول العالم.
3. متابعة ومحاسبة جميع الفاسدين ممن كانت لهم أيدي في إعطاء عقود المستشفيات ذات 400 سرير لشركات ليست لها خبرة إطلاقاً في بناء المستشفيات والتي لم تستلم وزارة الصحة منها سوى إثنين (لا يعملان لحد الآن) حسب العقد بينها وبين الشركات المنفذة منذ عام 2009 ولحد الآن.
4. إعادة هيكلة نظام إستيراد وتوزيع الأدوية والتجهيزات الطبية وإناطة إدارة تلك المؤسسة المهمة بأشخاص ذوي كفاءة ونزاهة في إدارتها.
5. غلق العديد من مكاتب الأدوية والمذاخر الطبية التي أغرقت السوق الدوائي في العراق بأدوية سببت للمواطن العراقي صعوبة في الحصول على الدواء الجيد وبأسعار يستطيع تحملها.
6. محاسبة جميع العاملين في المجال الطبي الخاص (مستشفيات، أطباء، أطباء أسنان، صيادلة، مختبرات) عن عدم الإلتزام بالمعايير الأخلاقية في التعامل مع المرضى من ناحية الإخلاص في تقديم الخدمة وتسعيرة الخدمة بما يتلائم مع الحالة المعاشية العامة للمواطن العراقي.
7. من أجل القضاء على طرق إستغلال المريض من قبل الكثير من الأطباء من خلال إتفاقهم مع صيدليات معينة/خاصة بهم عن طريق كتابتهم وصفات مشفرة، يجب أن تعمل وزارة الصحة، وليس نقابة الأطباء كما حصل مؤخراً، على إدخال طابعات الوصفات الطبية والحاسبات في العمل بجميع المجالات الطبية الخاصة (مستشفيات، أطباء، أطباء أسنان، صيدليات، مختبرات)، وتكون تلك الحاسبات والطابعات مرتبطة عن طريق شبكة إنترنت خاصة بالشركة العامة لإستيراد وتوزيع الأدوية التي ستقوم بتوفير قاعدة بيانات بجميع الأدوية المتوفرة في السوق ليتم وصفها للمريض عن طريق الطباعة على وصفة طبية خاصة تقوم وزارة الصحة بإعداد صيغتها وشكلها، وكما هو معمول به في العديد من دول العالم.
8. العمل وبسرعة، مع وزارة التخطيط – الجهاز المركزي للإحصاء، على إعداد الرقم الصحي لجميع المواطنين العراقيين ويكون هذا الرقم متوفراً لجميع العاملين في المجال الصحي في العراق عن طريق الإتصال الإليكتروني بقاعدة البيانات في وزارة الصحة. كما ويتم إعطاء رقم صحي لجميع المولودين حديثاً ومن داخل المستشفيات التي تقوم بعملية التوليد بناء على تنسيق مسبق مع دائرة التخطيط والإحصاء في الوزارة.
يتبع …..
* بروفيسور متخصص بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية