23 ديسمبر، 2024 3:05 ص

مقتدى الصدر-مانديلا العصر

مقتدى الصدر-مانديلا العصر

نيلسون مانديلا، الزعيم الأفريقي والبطل الذي ناضل سنين عديدة دفاعا عن مبادئه وقيمه، وحقوق شعبه، وأصبح مع مرور الزمن رمزا للنضال في العالم

كان زعيما وطنيا ومناضلا في سبيل إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. قاد على مدار 20 عاما نشاطات سلمية تهدف للوقوف في وجه سياسات القمع للحكومة، ولكنه عندما أدرك فشل تلك النشاطات، تبنى الحل العسكري بوصفه السبيل الوحيد لتحقيق أهدافه.

قاد مانديلا النضال المسلح واعتقل عام ١٩٦١وحوكم بتهمة التخريب والتآمر ضد الدولة
وصدرعلى مانديلا حكم بالسجن المؤبد، لكنه أعلن مبدأه بالقول “إن مثلي الأعلى كان مجتمعا حرا ديمقراطيا يعيش فيه الجميع مع فرص متساوية، إني مستعد لأن أضحي بحياتي في سبيل ذلك”.

مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة.

ونجح مانديلا في أن يكسب مودة البيض، لأنه لم يظهر مرارة لكل السنوات التي أمضاها خلف القضبان.

صار بعدها مانديلا رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي وسعى في إقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994، جرت الانتخابات التي قاد فيها حزب المؤتمر إلى الفوز. حيث انتخب مانديلا في الدورة الأولى من الانتخابات المتعددة الأعراق وأعلن عزمه على بناء “أمة تعيش بسلام في الداخل ومع العالم

وقام بتشكيل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية. كرئيس، أسس دستوراً جديداً ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. استمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. دولياً،

برزت على الساحة السياسية في العراق ظاهرة وطنية وإنسانية متشابهة مع قواسم ومشتركات الراحل القومي نيلسون مانديلا في الكاريزما والحكمة والصبر والشجاعة و الثقة بالنفس والاخلاص وقوة الارادة والصفات القيادية او حجم المعاناة التي على المستوى الشخصي في الشخصيتين

مع احداث الفارق في الخلفيات الفكرية والدينية بين شخصية مانديلا كزعيم ثوري علماني وبين شخصية الزعيم الثوري مقتدى الصدر الاسلامي الذي قادته الموجة الأولى بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣ إلى واجهة الأحداث، بلا موعد.. وبلا تخطيط مسبق.. وبلا توقعات.. ان يقود اكبر تيار اسلامي وقاعدة شعبية نتاجه حركة محمد صادق الصدر.. بعد الانتفاضة الشعبانية في آذار العام 1991 وتأسيس تيار شعبي واسع يغلب عليه الانتماء العقائدي والشعبي والعشائري.

حيث ولادة الظاهرة كانت عراقية وبقيت في داخل العراق رغم التضحيات الجسيمة والتحديات الخطيرة وسلسلة الاغتيالات والاعتقالات والملاحقة التي كانت تطال التجمعات الشعبية ورموزها الموالية للمرجع الديني الكبير محمد الصدر ابان فترة النظام السابق والذي طالت حتى الاب الروحي للبيت الصدري باجمعه فانها لا يتخلل تأريخها السياسي هجرة قسرية كما حصل لاغلب التيارات العراقية التي اضطرتها الأيام العصيبة للابتعاد عن الوطن ثم عادت بعد ذلك من جديد شأنها شأن العديد من الحركات التي ولدت في المنفى فمقتدى الصدر عايش الوضع العراقي بكل ملابساته وارهاصاته وتعقيداته ومضايقات السلطة السابقة حتى سقوط النظام السابق عام ٢٠٠٣لقد كان قريب من الشارع العراقي وهموم المواطن البسيط وذلك ما جعل افئدة من الناس تأوي اليها في وقت كان بعض التيارات تقاد بتوجيه خارجي اومن فنادق الخمس نجوم

وبنفس الوقت رأى في نفسه الزعيم الذي يستطيع أن يستقل بذاته.. لبدء المواجهة مع القوات الأمريكية.برزت شخصية الصدر بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003.. وأخذت ملامحها تتوضح بشكل كبير خلال قيادته التيار الصدري.. فقد كانت بداية ممارسة مقتدى الصدر لدوره كزعيم للتيار الصدري
وبرز جيش المهدي كقوة ضاربة في محافظات وسط وجنوب العراق.. وأصبحت معظم مدنها تحت قبضة مقاتليه الذين اصطدموا بشكل مباشر مع “قوات التحالف الدولي”.. ومنذ أوائل نيسان العام 2004 لغاية تجميد العمليات ضد القوات الاميركية في العراق وتجميد جيش المهدي بعد أحداث موجة العنف الطائفية التي جرت في العراق والمواجهات التي حدثت مع قوات الأمن العراقية المدعومة من قبل القوات الاميركية في جنوب العراق عام٢٠٠٨ للمحافظة على هيبته وطرد ومحاسبة المنشقين والخارجين عن القانون بين صفوفه.

تفرغ مقتدى الصدر للدراسة الدينية ليعود فيما بعد الى الواجهة مجددا وبقوة في حزيران 2014 ابان سيطرة داعش على مدن شمال وغرب العراق نتيجة الاضطرابات السياسية في تلك المناطق فانشأ تشكيل عسكري تحت اسم سرايا السلام مدعوم ذاتيا.. بالتنسيق مع بعض الجهات الحكومية.. والتي تم تكليفها في حماية جميع المقدسات الدينية في العراق.. باشراف ورقابة صارمة تجاه اية مخالفات قانونية او انسانية.

انسحب مقتدى الصدر من تحالفه ودعمه للمالكي بسبب اتهام المالكي بسقوط مدن العراق بيد داعش الارهابي وسوء ادارة الدولة على كل المستويات وانتقاداته اللاذعة لاداء وسلوك المالكي السياسية تجاه شركاء العملية السياسية
ـ تغير الرجل وتغيرت مواقفه تجاه النظام السياسي في العراق الخاضع للارادة الخارجية .. وانتقد بشدة في بعض الأحيان محطات عديدة في السياسة الإيرانية والامريكية في المنطقة.. وتبنى خطاباً وطنيا وحدويا شموليا من اجل وحدة العراق وشعبه .

ساند مظاهرات أهل الأنبار ومطالبهم المشروعة المنددة حينها بسياسات نوري المالكي..
ـ بعد احتلال داعش الموصل ومحافظات الأنبار وصلاح الدين وجزء من ديالى وكركوك.. دعا مقتدى إلى حماية السنة والاقليات في العراق.. والابتعاد عن اللغة الطائفية. وقد مارس دورا مهما في تهدئة الاوضاع الطائفية وحماية الاقليات وساهم في نشر ثقافة السلام والوحدة الإسلامية في المجتمع الاسلامي العراقي ونظم “مؤتمر الزهراء” السنوي تحت شعار الوحدة الإسلامية.

وشهدت مواقفه بمناصرة وتاييد كافة حركات التحرر العالمي

نجح مقتدى الصدر في عزل المالكي سياسيا مع شركاء العملية السياسية .

وقاد أكبر حركة للتظاهرات الشعبية العارمة في العراق بعد سنوات من ضمور شعبيته بسبب ما آل إليه التيارعلى الجانب السياسي من بعض القادة الفاسدين السياسيين او على مستوى قيادة جيش المهدي في انحراف وانشقاق بعض قادته وأفراده عن الخط الصدري الشريف.

ظهر مقتدى الصدر في اول لقاء جماهيري كبير مع قاعدته الشعبية في ساحة التحرير ليعلن أمام جماهيره والعالم انه بريء من كل سياسي فاسد وطائفي في النظام السياسي بل من اغلبية النظام السياسي،وكل من يدعي انتماءه لال الصدر في كل المفاصل التابعة للتيار الصدري وهو فاسد وعلى الشعب ان يقتلع جذور الفاسدين وان يتصدى للعملية السياسية الفاشلة التي اسست على مبدا التوافقات السياسية والطائفية والقومية ودعا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق معايير الوطنية والكفاءة والتكنوقراط بعيدا عن التخندقات الطائفية والحزبية والقومية منددا بالفساد ومطالبا بالإصلاح عبر اعتصامات المنطقة الخضراء وما الت اليه تداعياتها من اقتحام المنطقة الخضراء والسيطرة على مقر البرلمان من قبل الجماهير الغاضبة ،لقد كانت مقبولية مقتدى الصدر وكاريزماه الثورية عنصر تفاعل أساسي مع القاعدة الجماهيرية من التيار الصدري في حركة التظاهرات الأخيرة التي شهدتها البلاد وكادت ان تنتهي بصراعات ومواجهات دموية لولا حكمة مقتدى الصدر وانسحابه المفاجئ من خيمة الاعتصام ومحافظته على سلميتها والسيطرة على جماهيره

المندفعة ورغم التضحيات والشهداء التي راح ضحيتها العشرات من شهداء ثورة الإصلاح دون تحقيق اعلى المطاليب المطلوبة . الا ان مقتدى الصدر قلب كل المعادلات السياسية في العراق وتحالف مع القوى العلمانية والمدنية في العراق وتصدر المركز الاول في الانتخابات التشريعية ليدخل مجددا الى حلبة النزال الاقليمي وصراع القوى الداخلية والخارجية لرسم سياسات وملامح الحكومة المقبلة للعراق والذي ينظر اليها الكثير من زعماء ساسة العراق بانها عبارة عن مكاسب سلطة سياسية ومنافع حزبية .
ان نظرة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر تجاه تشكيلة الحكومة المرتقبة نظرة وطنية تسمو فوق كل الاعتبارات و الميول الحزبية وتقديم اي مرشح من الكتل المتحالفة القادمة مع سائرون وفق الضوابط والمعايير الوطنية والمهنية لخدمة مشروع الاصلاح الوطني .انه قمة الوطنية وقمة الشجاعة وقمة الإيثار في الطرح من موقف القوة وموقف الفوز.
وموقف الاعتدال والوسطية والتواضع ويثبت بالادلة القاطعة من ان السيد مقتدى الصدر زعيم عراقي وطني بامتياز ويغلب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والشخصية .وليس له اية مطامع في السلطة او تجييرها لصالح الاسلام السياسي فمن حيث المبدأ من وجهة نظر السيد مقتدى الصدر ليس الفاعل مهما ان كان اسلاميا او علمانيا

لأن الفاعل ليس مهماً بقدر النتيجة. فإذا نشأت دولة مؤسسات شفافة فقد حصلنا على جوهر المشروع الوطني.

تأريخ جهادي وكفاح مستمر يرسمه بدمه من اجل مستقبل شعبه وبلاده.

ولعل هذه الحقائق التي تفرض نفسها تجعل من السيد الصدر اليوم صِمام أمان أو صاعق تفجير للحالة العراقية كلها، إنه رجل يجيد العمل الثوري ويعرف كيف ينظم حركة الجماهير ويوجهها شخصية اسلامية ترسم معالم مرحلة جديدة في خضام تجربة جهادية ليست بالقصيرة , بل تجربة حافلة. وغنية جعلت منه رقما صعبا في المعادلة السياسية في العراق

انه الزعيم العراقي مقتدى الصدر الذي قال انا عراقي امثل كل طوائف وقوميات واديان العراق.