(المرجفون) الذين يعتقدون أن السيد مقتدى الصدر قد أصبح في (عنق الزجاجة) ، هم في الحقيقة (واهمون) ، وربما قادتهم حساباتهم الخاطئة إلى (تخيـّـل) سيناريوهات (مرعبة) للمرحلة المقبلة ، مراهنين على اندفاعات قوة الفعل (الصدري) في كل زمان ومكان ، وناظرين إلى حجم قوة ردة الفعل (السلطوي) . لا ينكر عاقل بأن تجربة (التظاهرات) في العراق تختلف تماماً عن تجربة (التظاهرات المصرية) ، لأسباب عديدة ، وأهمها ، أن تشكيلة وتركيبة ووضع (الشعب) المصري تختلف عن تشكيلة وتركيبة ووضع الشعب العراقي ، الذي تحكمه عشرات الأجندات الخارجية والطائفية والعرقية ، وتكتنفه الكثير من التهديدات الخارجية الدولية والمافيوية ، ومحاط بأطماع (الشركات) والاستثمارات (الداخلية والخارجية) ، ومقيد بالمحاصصة ورغبات الانفصال ، وتسلط خبراء (التسوّل) في دول الخارج ، وكذلك المفردات (الدستورية) التي كانت سبباً لإرباك العملية السياسية في العراق ، بالاضافة إلى وجود الكثير من الفصائل (المسلحة) التي لن تتنازل عن حقها (السياسي) بما قدمته من دماء وتضحيات في المرحلة الحالية . كل هذه المعطيات ، تضع مشروع السيد مقتدى الصدر في زاوية خطيرة وضيقة ، يستحيل معها (الاصلاح) دون الاعتماد على قدرات (الشعب) العراقي الذي يمكن لموقفه (الوطني) أن يغير (مسيرة) الأحداث ، والتي ستؤدي بالتالي إلى تغيير (خارطة) الواقع . إن المتتبع لبيانات وخطب وتوجيهات السيد مقتدى الصدر ، يستطيع أن يستشف منها عدم رغبته في (إسقاط) الحكومة ، ولم يشر في إحداها إلى (تجاوز) رئيس الوزراء أو التلويح بعصا (إقالته) ، ولم نجد فيها أية رغبة في (حل البرلمان) أو (تقويض) هيكليته أو مهامه ، بل الواضح فيها أنه يضع الجميع (على المحك) ، ليضطلعوا بأدوارهم الملقاة على عواتقهم في إجراء عمليات الاصلاح ، وانقاذ العراق من (مستنقع) الفساد . لقد كان بوسع السيد رئيس الوزراء أن يقرأ الرسالة بشكل أكثر (حرفية) ، وأن يعي بأن هذه الجموع من (العراقيين) الصدريين وغير الصدريين ، والتي خرجت للتظاهر تلبية لدعوة السيد مقتدى الصدر ، كان يمكن للسيد رئيس الوزراء أن يوظفها كقوة وطاقة (داعمة) له للقيام بعملية (التغيير) والاصلاح ، والتصدي للأحزاب والقوى السياسية المعارضة للاصلاح (داخل وخارج المنطقة الخضراء) ، هذا إذا كان السيد العبادي يرغب (فعلاً) بعملية الاصلاح ، ولم يخضع للقوى السياسية ، أو الأجندات الخارجية ، أو التهديدات المتعلقة بـــ (ملفات) الفساد المركونة على الرفوف . إن الرهان على نشوب حرب (داخلية) في العراق – في حالة تشدد العناد بين التيار الصدري ومؤيديه من جهة ، وتيارات الحكومة وقدراتها من جهة أخرى – قد يبدو للمراقب (البعيد) أنه رهان (رابح) ، وهذا (صحيح) في حالة عدم (قراءة) المشروع الاصلاحي الصدري (العراقي) ، والنظر إلى (التفجيرات الارهابية) التي تلت التظاهرة الأولى ، ولكن الرهان الأكثر ربحاً يكمن في إن السيد مقتدى الصدر لم يلقِ حبلها على (الغارب) ، ولم يضع (مقدماته) دون حساب (النتائج) ، ولم يترك الأمور تحت رحمة (الصدفة) ، ولم يرم الأمور على عواهنها ، فحين تتعلق المسألة بــ (بدماء العراقيين) فالحسابات تصبح أكثر دقة وحرفية وحصافة لدى مقتدى الصدر . يستطيع مقتدى الصدر أن يحمل مشعل الاصلاح لوحده ، ويستطيع أن يقدم نفسه (قرباناً) على مذبح (الاصلاح) لوحده ، فما بالك به وهو محاط بهذه الملايين من الرجال العراقيين الأبطال البسلاء الذين شهدت لهم ساحات المنازلة بعنفوان الرجولة والتضحية والإباء ، والعناد وخرق حواجز الخوف والصمت في التصدي لقوات الاحتلال وصناعها الارهابية ؟ ما زال السيد مقتدى الصدر (رجل الخيارات المفتوحة) ، وليس بوسع الذين اجتمعوا معه على (الطاولة المستديرة) أن يضعوه في زاوية (الحرج) كما يتمنون ويزعمون ، لأن الخيارات المطروحة أمام السيد مقتدى الصدر ، كثيرة ، ربما تبدأ من (اختراق) المنطقة الخضراء ، ومساعدة السيد رئيس الوزراء على تشكيل حكومة (تكنوقراط) جديدة (في حال رغبة رئيس الوزراء بالاصلاح والتغيير) ، أو الشروع بــ (الاعتصامات) الشعبية ، أو الاستمرار بالتظاهرات بشكل مضطرد ومتزايد ، حتى يتم رضوخ (السلطة) إلى الموافقة على التغيير والاصلاح ، أو أن يقوم السيد مقتدى الصدر بجمع ملايين الــ (تفويضات) من الشعب العراقي (تخوله) حق (التمثيل) (الشعبي) لتشكيل (حكومة تكنوقراط) جديدة ، وغيرها من الخيارات . أن أحد الخيارات (المنتجة) المطروحة ، هو :– أن تقوم (اللجنة المختصة) التي شكلها السيد مقتدى الصدر بــ (تشكيل) حكومة (جديدة) من (التكنوقراط) ، وتضع ضمن هذه التشكيلة أسماءَ (معروفة ، ومتفق عليها ، ولا غبار عليها) بالنسبة للعراقيين ، مستثنية كل الأسماء الفاسدة ، والشخوص ذات الوجوه (الكالحة) التي شاركت في الحكومة (السابقة) ، التي وضعت (العراق) في مقدمة (قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم) ، كأن تقوم هذه اللجنة بتكليف السيدة (زها حديد) بمهام (وزير الاسكان والاعمار) ، أو (سنان الشبيبي) وزيراً للمالية – على سبيل المثال لا الحصر – ثم يعلن السيد مقتدى الصدرعن هذه التشكيلة للشعب العراقي ، ويجري (استبياناً) شعبياً على هذه التشكيلة (الحكومية) الجديدة ، ويجمع لها (تواقيع) ثلاثة ملايين (عراقي وعراقية) ، ثم يعرض هذه التشكيلة على البرلمان ، ويضع (البرلمان) تحت الأضواء الكاشفة ، ويضع الشعب العراقي أمام (تحمل) مسؤوليته التأريخية . إن الخيارات المتعددة أمام السيد مقتدى الصدر والعراقيين في مشروعهم (الاصلاحي) ، تجعل الأمور تجري في نصابها بشكل انسيابي ، وإن إيماننا بالله تجعلنا (نوقن) بأن ولادات جديدة من بطن الأحداث (الحبلى) ستطرأ على الساحة العراقية السياسية ، لتغير من مسيرة التأريخ ، ولا تجبر الصدر والعراقيين إلى الانزياح نحو (آخر الدواء) .