23 ديسمبر، 2024 3:30 م

مقتدى الصدر .. بطاقة الاعتزال الثالثة أم الأخيرة

مقتدى الصدر .. بطاقة الاعتزال الثالثة أم الأخيرة

مع مرور عشرة سنوات من عمر إسقاط صنم البعث ما بعد 2003 وبداية المرحلة الجديدة في الأفق السياسي العراقي وما أفرزت من جملة متغيرات في طبيعة الخارطة العراقية ببعدها السياسي والاجتماعي وغيرها من الجوانب الأخرى, نجد ان التيار الصدري ببعده الحركي العملي على الأرض السياسية بصيغة القوى المؤثرة في القرار السياسي , قد ظهر على السطح  معترضا ومعارضا لما يجري في مفاعل العملية السياسية التي فكك بياناتها الديمقراطية وأعرب مفرداتها سيادة مسروقة وقرار مفروض ووصفة جاهزة مكتوبة  ببنادق الاحتلال, لا يمكن وضع اليد فيها او الدخول في كنفاتها الا عبر ممر المقاومة المسلحة والانتفاض على أتباعها  بعد تأسيس الجناح الضارب للتيار تحت عنوان  “جيش المهدي”, في حين كانت معظم الطبقة السياسية الأخرى تركن إلى مفردة الاعتراف بعنوان الاحتلال لكنها تتخذ المقاومة السياسية والاندكاك مؤسساتيا في تشكيل وشكل العراق ما بعد الاحتلال, وهنا تنطلق العلامة الفارقة في تاريخ البيت السياسي الشيعي في حاضنة العراق بعد سقوط  الجمهورية العسكرية , فنستطيع القول ان الصدريين بنسختهم السياسية قد انطلقوا من منصة الاعتراض فخاضوا في غمار الحرب عبر ارض النجف عام 2004 في عهد رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي , ليحزموا امتعتهم بعد ذلك صوب بغداد من موقع المشاركة في العملية السياسية عام 2005, فدخلوا الانتخابات التشريعية عام 2005 تحت خيمة الائتلاف العراقي الموحد برصيد 28 مقعدا, فيما بقي الصدر واتباعه جملة لاتعرف السكون على الرغم من الخوض والمشاركة السياسية , لتندلع المواجهات مع التغير في  العنوان فأصبح المالكي الخصم الجديد , مما اسفر عن مواجهات عسكرية واقتتال واسع امتدد عبر مساحات واسعة من المحافظات العراقية عام 2006, لتحط رحال القتال أوزارها ضد الحكومة العراقية بعد إعلان السيد مقتدى الصدر عن إيقاف القتال 2007,وعبر مفاوضات مضنية ووساطات سياسية  بين الحكومة والتيار الصدري لإيقاف الحراك العسكري مابين الطرفين, فيما مضى بعض اتباع التيار بعيدا عن  الإعلان واضعين الخيار العسكري الحل القائم , ليضع السيد الصدر ورقة الاعتزال الاولى على طاولة البيت الصدري, نتيجة عدم الانصياع من البعض الى توجيهات القيادة الصدرية, غير ان الاعتزال السياسي لم يدم طويلا وعاد الصدر مجددا الى المشهد السياسي بعد ان اخذ  الانشقاق من جرف التيارالصدربعض العناوين  بعد انفصال مجموعة من اتباع الصدر تحت عنوان “العصائب” بقيادة قيس الخزعلي , وهو الانقسام الثاني في القاعدة الصدرية بعد مغادرة حزب الفضيلة من دائرة زعامة السيد مقتدى الصدر عام 2003, وهنا ممكن التأشير على ان السيد الصدر لطالما حاول جاهدا ان يعود بالقافلة الصدرية الى قواعدها الأساسية التي انطلقت منها , غير ان حراك السلطة والبيئة التي احتضنت المشروع السياسي العراقي بشكل عام , قد اسهم في خلق الكثير من الأقدار السياسية التي وجد التيار الصدري يأن من وطأتها , فخلافات سلطة المالكي مع الصدريين من جهة , واختراق الداخل من بعض المحسوبين على التيار من جانب اخر , وهو مادفع بزعيم التيار ان يتخذ الكثير من الخطوات من اجل تنقية التيار الصدري من بعض الشوائب التي التصقت به وصنفت ضمن فهرست التيار الصدري,في حين  ان حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر , فطبيعة الواقع السياسي في العراق بشكل عام قد فرضت عناوين وغيبت عناوين وأسهمت في التأسيس للكثير من الحالات التي يصعب السيطرة عليها, ومع اجترا ر الوقت وضع التيار أقدامه في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009, برصيد 41 مقعدا , ومن ثم الانتخابات التشريعية 2010 بواقع 40مقعد من مجموع 70 , قد حصل عليها الائتلاف الوطني الذي انطوت تحت سقفه كتلة الأحرار النيابية , فيما سجلت انتخابات2013 لمجالس المحافظات 58 مقعدا, لتأتي بعد ذلك الاستقالة الثانية التي ظهرت مرة اخرى , على خلفية عدم الانصياع لبعض اتباع الصدر الى قرارت وارشادات الزعامة الصدرية , غير انها اصبحت نافذة المفعول بعد فترة زمنية قصيرة, واعلن السيد عن العودة مجددا.
وصولا الى الاستقالة الاخيرة التي اعلن عنها الصدر والتي ربما تختلف في شدتها ومضامينها عن الاستقالتين السابقتين من حيث المساحة والدور والشكل , لكن مايجب الوقوف عنده في مجمل الاستقالات الثلاثة , ان التيار الصدري يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة متعددة المشارب الثقافية , اضافة الى انها رقم سياسي ثقيل في المعادلة العراقية, وقوة التيار الصدري قائمة على مرجعية السيد محمد صادق الصدر ورمزية السيد مقتدى الصدر, مما فرض على ذلك الحجم الجماهيري ان يكون في واجهة الضوء , فالرصيد الصدري قائم على جيلين , جيل ترافق مع ظهور المرجع الصدرالثاني كقيادة ومرجعية في تسعينيات القرن النصرم وما بين جيل ناشئ  في ظل المعترك السياسي الصدري ما بعد 2003, والذي فرض على الارض التي يقف عليها التيار الكثير من المسميات والأسماء التي دخلت ضمن العنوان  ذاته في  ظروف طارئة لم يسمح الوقت بمراجعتها بشكل كافي, ولذا نجد ان مقتدى الصدر دائما ما كان يلوح بالاستقالة كصعقة انعاش لاتباعه ومحبيه كمحاولة لدفع بهم نحو ما يرمي اليه ويسعى له الخط الصدري في ابجديات فلسفته, ولذا فأن الاستقالة الثالثة وان كانت اكثر صرامة في بنودها غير انها لاتختلف من حيث الغاية والهدف , فاغلب القراءات تشير وتؤشر الى ان الاستقالة الثالثة لن تكون الأخيرة ,من جانب اخر, ان غياب الصدر عن المشهد السياسي في العراق هو اختلال في اصل العملية السياسة ووبداية لرسم افق سياسي فائق التعقيد, وهو مايجعل الصدر في نقطة الاحراج والحرج اذا ما كان خارج نطاق العراق سياسيا.