22 ديسمبر، 2024 4:55 م

مقتدى الصدر: اللاهوت والناسوت والكتاب المقدس!

مقتدى الصدر: اللاهوت والناسوت والكتاب المقدس!

نظرية الناسوت واللاهوت هي عبارة عن فلسفة يونانية متناقضة وضعها الكهنة الرومان. وتعني كلمة اللاهوت كل ما يخص الذات الإلهية، أي كل ما يرتبط بالله، أما الناسوت فتعني كل ما يخص الإنسان. لقد اعتمد علماء اللاهوت المسيحيين على التحليل العقلاني لفهم المسيحية بشكل أوضح، ولكي يقارنوا بينها وبين الأديان أو التقاليد الأخرى، وللدفاع عنها في مواجهة النقد، ولتسهيل الإصلاح المسيحي، وللمساعدة بنشر المسيحية، ولأسباب أخرى. والإيمان بلاهوت السيد المسيح وناسوته يعني الإيمان بأن المسيح هو إله كامل وإنسان كامل وأن لا هوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة.

في العراق اليوم تحول السيد مقتدى الصدر إلى إله بالنسبة لجماعة التيار الصدري ومحبيه وجماهيره، حيث يؤمن اتباع الخط الصدري بلاهوت السيد مقتدى وناسوته، بمعنى أنه إله كامل وإنسان كامل. فأبناء التيار الصدري ينشؤون في ظل ﺗﺮﺑﻴﺔ دينية تقليدية تحمل في طياتها ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺘﻮﺍﺭﺛﺔ، ﺑﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻭﻣﺸﻮﻫﺔ، عمرها عشرات السنين، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻛﺴﺒﻬﺎ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ، ثم يشب ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻮﻕ ﻭﻣﻌﻪ ﺗﻠﻚ المفاهيم ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﺮ بمناقشتها ﺃﻭ ﻧﻘﺪﻫﺎ، وذلك لأن مقتدى الصدر حاول أن يرتدي عمامة أبيه رحمه الله، فتحول إلى ثائر ضد الفساد والمحاصصة لكنه في الحقيقة هتك عرض القصيدة في كل أبياتها. وبالتالي فإن مفهوم مجرد للظاهرة الصدرية في العراق فوقتثافي أو فوقتاريخي، بمعنى متجاوز للثقافة والتاريخ، يمكن تطبيقه على كل أبناء التيار الصدري.

ومن هنا، نجد هذا التيار الجماهيري الكبير يُبرر عنفه في كل مرة بدوافعه العاطفية، بعد أن شهد خطه البياني صعودا منذ عام 2003. هذا الصعود الكبير والمؤثر للتيار الصدري كان وما زال يشبه الثورة الشعبية التي تقبع في أسر الجاهلية، بل هي ردة ضد الثورة المعرفية التي مجدت العقل وجعلت حياة الناس وتجاربهم عقلانية ومعقولة. فأي عقلانية ومعقولية وأبناء هذا التيار يعانون الفقر والعوز والبطالة والأمية، وسوء الخدمات بكل عناوينها. وبهذا نرى أن هذه الجماهير المغيبة بل المسكينة هي أسيرة لظاهرة ذات منطق أخلاقي متهافت يتناقض مع الجوهر الأخلاقي للوحي الإلهي، وخطابها السياسي اللاعقلاني واللامعقول يخرق كل المواثيق والعهود الإنسانية في نزعة دنيوية معادية للحضارة والنجاح والتقدم.

إن هذا التقديس والتعظيم لشخص مقتدى الصدر من قبل جماعته، قد يعود لأسباب سوسيولوجية أو سيكولوجية ترتبط بأبناء التيار الذين جعلوا من الصدر بالنسبة لهم، الزعيم الديني الخارق للعادة ومرفوعا إلى درجة العبادة. فهي ذات الفلسفة لمؤسس علم التحليل النفسي (سيغموند فرويد) في كتابه (علم نفس الجماهير) ص13، “حين يصف العلاقة بين أي جماعة وزعيمهم بأنها طبيعة دينية فسواء في الحركات الدينية التي شهدها التاريخ في العصور القديمة والوسطى، أو في الحركات والانتفاضات السياسية الكبرى التي شهدتها الأزمنة الحديثة فإن العاطفة المحركة للجماهير التي آمنت بها كانت دوما من طبيعة دينية”.

وتأسيسا لما تقدم فإن جماعة السيد مقتدى الصدر، هي حركة سوسيولوجية إيديولوجية، بمعنى أنها حركة اجتماعية سياسية، استخدمها الصدر كمادة دسمة للتوظيف أيديولوجيا في معركته ضد خصومه السياسيين. في السياق ذاته، فإن القدسية الصدرية هذه ليست قائمة على حقائق امبريقية عملية أو على المذهب (التجريبي)، بمعنى أنها بعيدة كل البعد عن التجربة ودراسة واقع المجتمع العراقي، وإنما هي بناء أيديولوجي يشرعن أنواعا معينة من العنف الثوري والديني. حيث استُغلت الأسطورة الصدرية في تهميش أنواع معينة من الخطابات ذات الطابع الإسلاموي.

ونتيجة لهذا أصبحت الرؤية واضحة في تأويل مقتدى الصدر لقضية إشكالية الدين والعنف، وأصبح العراق كبش فداء لضروب أيديولوجيات، تلك الايديولوجيات التي أنتجت أشكالا مدمرة من النظام الاجتماعي والسياسي وحتى على المستوى الإقليمي والدولي.