17 نوفمبر، 2024 4:43 م
Search
Close this search box.

مقبرة الفرص

هناك مقولة منسوبة لثاني أغنياء العالم الملياردير الاميركي وارين بافت مفادها “الأزمات هي أفضل وقت لصنع الثروات”

الأزمات بطبيعة الحال هي ظروف انتقالية ربما تشكل تحولاً ومنطلقاً مهماً نحو صناعة التغيير

ولعله من المفيد والأهم أن نتوقف عند مفهوم الأزمة التي تصنف في حالات معينة كإحدى أهم الفرص الاستثمارية لتحقيق مكاسب معينة على مستوى بناء العلاقات الدولية والأوضاع الإقتصادية والسياسية والأمنية والمجتمعية وفي هذه الحالة لا ينبغي أن يكون التصدي لها مبنياً على العواطف أو ردات الفعل الإرتجالية دون تحليل لأبعادها ودراسة دقيقة لخطوات التعامل معها بقصد تقليل الخسائر أو تحقيق المكاسب ضمن إطار المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الذاتية الحزبية منها أو الفئوية أو الطائفية

من البديهيات المعروفة أن العلاقات بين الدول قائمة على مبدأ تحقيق المصالح المشتركة، وكان من المفترض على من تصدر المشهد السياسي في العراق أن يكون على قدر كافٍ من الوعي والفهم والمسؤولية تجاه هذا المبدأ ، على أن المقصود منه هي مصالح البلد وليس الطائفة أو القومية

الأزمات الإقليمية التي عصفت بالمنطقة سواء التي وقعت بين إيران وأميركا أو تلك التي بين تركيا وروسيا أو تركيا وأميركا أو بين السعودية وإيران وغيرها أتاحت للعراق فرصاً استثمارية مهمة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ومجتمعية ولكن المزاج الطائفي المتحكم بالمشهد السياسي ساهم في ضياعها

دول الجوار التي تربطنا معها حدود مشتركة هي من أكثر البلدان استفادة من الوضع العراقي بكل تفاصيله السياسية والأمنية والإقتصادية وتتعامل معه بالطريقة التي تحقق لها مصالحها

لذلك نقول إن اتخاذ المواقف في الأزمات الإقليمية والدولية كأحد أهم أركان التنسيق الداخلي والخارجي لاتقل شأناً عن ثروات البترول والمياه وغيرها من الموارد، وإهدارها لايقل خطورة عن ضياع الثروات ونهبها.

العراق اليوم هو خارج نطاق دائرة التأثير العربي والإقليمي كبلد له دور فاعل في صناعة القرار، بل تحول إلى بقعة جغرافية تعصف بها رياح المناخات الإقليمية والدولية بفضل السياسات الرعناء والنهج الفوضوي الذي اتبعه الذين تربعوا على هرم السلطة ومسكوا معظم مفاصل الدولة فعكسوا للعالم صورة هزيلة لبلد مفكك وغير قادر على ترتيب أوراقه داخليا وخارجيا وهو أقرب للتبعية منه الى الاستقلالية في القرار

مضى اكثر من عقد ونصف من الزمن بعد عام 2003 والعراق مازال يبحث عن هوية تحدد شكله ومنهجه الجديد فهو لم يرقى إلى مستوى الدولة التي حازت على جميع مقوماتها من استقرار سياسي وأمني واقتصادي

القرار الوطني العراقي تمت مصادرته ليقع رهينة بيد جهات هي بمثابة أدوات تقتات على مخلفات الحروب والقتل ونشر الفوضى والخراب لصالح دول بعينها وعلى حساب مصالح الشعب والوطن

العراق اليوم تحول من بلد يشع حضارة وعلماً وثقافة إلى بلد مصدر للإنحطاط والتخلف والإرهاب

أزمات تعقبها أزمات وقبور الفرص التي غطت مساحة المشهد العراقي ضيعت معالم جميع الطرق المؤدية إلى الخلاص ولم يبقى أمام العراقيين سوى خيارين لا ثالث لهما:

فإما السير خلف حملة السلاح ومطبلي الحروب وعشاق الدم وصناع الأزمات ومافيات الفساد
أو اتباع نهج الإرادة الوطنية لبناء دولة يسودها القانون والنظام ويحترمها الجيران وفق مبدأ تحقيق المصالح الوطنية العليا لا الفئوية أو الطائفية أو القومية.

أحدث المقالات