(( يوم تهكسسوا)) , عبارة اقتبستها من كاتب علماني مصري , والهكسوس هم شعوب بدوية دخلت مصر من سيناء في فترة ضعف , أيام الفراعنة خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر, وفي التاريخ القديم كان هناك نوعين من الشعوب , المزارعون الذين يستقرون حول المجارى المائية في (( سومر , بابل ,اشور , وادي النيل , سوريا الكبرى , الهند والصين )) يكونون مجتمعات يحكمها القانون , والبدو الرعاة (( عرب , أمازيج , يهود , مغول , تتار, أتراك و هون )) , يتنقلون مع توفر المرعي و الماء , ليس لهم ولاء إلا لزعيم القبيلة و تقاليدها البدائية يجولون حول بلاد الخير يتاجرون , و يتسولون , ثم يغزون و يحتلون .
يقول فراس السواح , وهو كاتب ومؤرخ سوري : (( عندما أتكلم عن الحضارة والتاريخ فأنا لا اشرك البداوة معهما , إن البداوة لا تاريخ لها , وما إن تدخل أية جماعة دورة الحياة البدوية حتى تبقى فيها دون نزوع نحو التغيير او التبديل , فبدو الالف الثالث قبل الميلاد هم أنفسهم بدو القرن العشرين , بملابسهم وطريقة حياتهم وحيواناتهم وشرائعهم )) , ولازالت البداوة الى حد اليوم تفرض اساليب عيشها وثقافتها على المدن العربية الاسلامية العريقة مثل بغداد والقاهرة , في حين تمكنت الصين من انهاء دور التتر والمغول , واشد ما يضايقني أُمَّةٌ يَومُها مَيِّت , وماضيها حَي , وفي الزمن الهكسسوسي الحديث , ندهت النداهة عقولًا كثيرة , فكانوا كلما نضجت عقولهم وجلودهم الوطنية , أبدلتهم الظلامية بالإغراق في وهم القرن السابع الميلادي , عقولًا وجلودًا سوداء غيرها , ليذوقوا عسل الرجعية , والهجرة الشعورية إلى أزمنة الظلام , والانحطاط الإنساني.
لقد فعل الطائفيون والذين معهم , والذين في معية قنوات الفضائيات , والذين في منابر السوء , والذين في المقاليد الصلبة من جماعة مابعد 2003 , ما لم تفعله قنبلة ذرية بشعب حضاري عريق , وحلت روح جديدة في ملعب جديد واسع , بجماهير الحواضن المحافظة التقليدية في القرى والأرياف , والغلاف الشعبي للمدن الكبرى , والأطراف البدوية غرب الوطن , في أكبر حصار فكري في التاريخ , ليكمل دعاة ألأسلام الجدد الإجهاز على الطبقة الوسطى , والطبقة المخملية , بالطبعة الصحوية من إسلام السلام الظلامي ألأميركي المتأرين .
عام 2003 تبدل عقل البلاد الحضاري , وغامت سماءه بثقافة الجهامة والتحريم , وشيطنة الأنثى , وتصحير الوجود الإنساني , وإختفت تحت ركام البركان مدن وحواضر كاملة ,
فلا بغداد السلام هي بغداد , ولا نجف العلم والمرجعية هي النجف , ولا عراق العرب هي العراق , وجع يتمدد كالسرطان , مستهدفًا روح ووعي بلاد الرافدين الحضاري , وهكذا غدت بغداد التي طبعت حتى الغزاة بطبعها , تستسلم للماضوية بيد أولادها , تهكسست , تهكسست العقول , وتهكسس الحاضر والجغرافيا , شعب جديد حضر , مجرد أماكن تشبه الأماكن , وجغرافيا تشبه الجغرافيا , جغرافيا جديدة , هندسها علماء السوء , وسفراء الظلام والنواح , تاريخ جديد سطره المقرفصون من النخب تحت أقدام منابر بلهاء , ليحل زمن التوبة فرادى وجماعات , التوبة عن البلاد , يمشون في جنازة طويلة , مشيعون يشيعون مُشيعين , وموتى ينطقون بلساننا , وينظمون من قبورهم حياتنا , ويجيبون نيابة عنا عن الأسئلة الوجودية.
نقول لشيوخ وعلماء الخصومة ومشعلي الحرائق : توقفوا برهة قبل التنزه في حقول دمنا , توقفوا لحظة عن المساومة على أرواح أجيالنا القادمة , لأن أرواحكم المسحورة بعفن الفكر والتاريخ , مشغولة عن قراءة ذاكرة الوطن , وأن أنوثة الثورة براء من ذكورتكم الطامحة إلى زواجات غير شرعية , تقوم على غواية الحقد , والعمل على زرعه في أصص شرفات محبة ووئام ورثتموها عن أجدادكم , فما بالكم تقفلون العقل والقلب إزاء السليم من الموقف , والسلام في الروح , والعلاقة مع مواطن يشبهك في كل شيء ,ولا تختلفان إلا بطرق الايمان الرباني ؟ .
لا عجب أنني أكتب هذه الكلمات , والغضب يقتلني لأن شيخًا يصر , باستحقاق على اقتحام وجودي بعشرة مكبرات صوت , لا لشيء إلَّا لأنه يريد أن يروح عن نفسه بتراويح ميكروفونية , او نواح ولطم , ربما يظن أن السماء لا تسمع إلَّا المكبرات صينية الصنع ,
مجرد أماكن تشبه الأماكن , مجرد جغرافيا تشبه الجغرافيا , ولكي أكون أكثر انكشافًا , مجرد بشر يشبهون البشر.
يصرخ أبراهيم البهرزي : (( كل يوم تلد القرى معتوها يذهب إلى المدينة وينفخ في البوق , كانت هنا حقولٌ جاثمة ٌعلى التراب أطاروها , وكان هنا نهرٌ يتمرغ ُفي التراب أناموه
, والزاغ الذي تحت مارش عسكري يهندسُ رفيفه ُ , فرَّمن كتيبة السماء, من صُفرة النرجس إلى صفرة الوجوه , من التسيار المرح إلى خطى الحرس الثقيلة, بنوا لأنفسهم سجونا يتلقون فيها دروس َالوعظ من السجّان , من يسترُ العشاق َفي مدن الوشايات , وقد احرقوا الأجمات بدافع الغيرة ؟ عصفورٌ عصبيٌّ يذرق ُ على وجودهم , ذلك الوجود الذي صار يتوزع بين المراحيض والنفايات ,بالمنجل يقطّعون الزمان َويلقونه في موقد الروث , رائحة ُالدخان الحيوانيّ تسموعلى عطر الأعياد , ما ظل َّ في أراجيح المتعة غير ذيل الحصان المقطوع شارة ً لعصور موت الفرسان )) .