18 ديسمبر، 2024 9:17 م

نشر المندلاوي الجميل قول نجيب محفوظ : ((اذا كان الماضي لا يستحق الحديث , فلنصنع مستقبلا يستحق ان يحكى )) , مما أستدعاني كتابة هذه المقامة .
نعم وهو يقول ايضا : ((لا تخجل من المطالبة بحقوقك , لأن هناك من لا يخجل من سلبها منك )) , وماذا في الماضي ؟ كان أبو العلاء المعري لا يزال يشكك بشرعية البشرية على أساس أن الإخوان تزوجوا أخواتهم , فحلها الصابئة المتطلعون للمستقبل بأن قالوا أن هناك آدمين نزلا, مما يعني الزواج حصل بين بنات وأولاد العم.

ترى لم كنا في زمن الصبا والشباب يساريين بعثيين او شيوعيين؟ وكنا نتهم ألآخرين بأنهم بلا قلوب؟ وحين كبرنا تحولنا الى واقعيين ومحافظين؟ ونقول على ألآخرين أنهم بلا عقول؟
المتطلعون الى المستقبل يرددون قول ايمانويل كانط : ((إني أسمع في كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر, رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن , ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل إدفع , ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ , ولكن أقول لك فكر بنفسك وقف على قدميك , إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف )) , ولما كانت الحياة يجب أن تُعاش , لآخر إمكانية, يجب أن تُكتشف , من دون وجل , نحن العرب لسنا أقلّ وأضعف من بقية الأمم , لو أدرنا أمرنا برُشدٍ وتجاهلنا تجار الجهل وأرباب الخراب والأرض اليباب.

 

يقول الجاحظ أنه التقى على جسر في بغداد رجلا يبيع الثلج ظهيرة صيف قائظ , وهو يصيح بالمارة : أرحموا رجلا رأسماله يذوب , يشيرون علينا بالديمقراطية التي ستوصلنا الى المستقبل , ولكن ألأخوان أحتووها فأضحت الديمقراطية هي أن تختار من سيأكلك ,

وبعيداً عن تفاصيل الأخبار ودقائق الأنباء , في مجالنا العربي , وصعوداً لكليات الأمور ومعاقد الأفكار وجواهر العناوين , سنجد أننا ما زلنا نناقش نفس الذي ناقشه أسلافنا قبل قرن تقريباً , من نحن؟ ما هويتنا ؟ ما طبيعة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع؟ ما العقد الاجتماعي السياسي الأصلح لنا ؟ انه ليس خللاً أن يستمر الجدل في ذلك , لكن غير المعقول ألا يحدث تراكم كيفي ينتج عن تراكم كمّي , هنا نصبح أمام تبلد وتجمد وتجلمد (من الجلمود) في نقطة دائرية واحدة.

 

سال حبر غزير منذ ذلك الوقت, وفي عصر الرقمنة, ملايين الصفحات والتويتات والبوستات والفيديوهات والبودكاستات في ذات الموضوعات , لو نكون على الأقل مثل هؤلاء الصينيون الجدد, الذين يحملون كتاب ماركس بيد, ومؤشر وول ستريت بالأخرى.

 

روى أن اصنام الجاهلية السادة المبجلين ( اللات والعزى وهبل وود وسواع ويغوث ونسرا) هي بالأصل أسماء لشيوخ صالحين , وعندما يموت احدهم يقوم القوم بنحت تمثال له كنوع من التقدير على جهوده النبيلة في خدمة القبيلة , أما نحن فقد فاقت علينا الجاهلية عندما صنعنا تماثيل للرِعاع والأوباش والسفلة ورفعنا قدرهم وقدسناهم .

قسم من الدول عندما تنهار لاتقوم لها قائمة بعد ذلك , وتتواصل دينامكية التراجع والإنهيار نظرا لعدم وجود كوابح توقفه , ونعني بالكوابح وجود نخب سياسية وطنية شريفة لديها مشروع وطني حقيقي , وكذلك وجود جماهير وطنية مستعدة للثورة وبناء وطنها من جديد, مع الأسف لقد طوعنا الماضي وأصبحنا عبيدا له , تتحكم فينا سيكلوجية العبيد , اصبحنا نشبه عبيد أميركا ,عندما قرر الكونجرس الأمريكي ألغاء العبودية , قالوا: كيف سنعيش بدون سيد.