مقامة نبي بني عبس

مقامة نبي بني عبس

أهتمت الدراسات العلمية الحديثة بشخصية خالد بن سنان العبسي حيث يرى كرستيان روبان أنه شخصية ظاهرة الواقعية , ولا تبدو على قصته آثار الاختلاق , وقد ولد خالد في نجد قبل عام الفيل بـ50 سنة , وتعلم القراءة والكتابة في سن مبكرة , وكان حنيفًا على ملة إبراهيم , وانطلق يدعو قومه إلى التوحيد ونبذ الأصنام ونبذ الخمر والربا والميسر , فتولى القضاء في بني عبس , كما كان أحد أدباء العرب البارزين قبل عام الفيل , وكان يرتاد النوادي الأدبية والأسواق في نجد والحجاز , وتحدّثت الروايات عن معجزة خالد بن سنان المتمثّلة في إطفائه نار الحرتين وهي نار عُظمى ظهرت في بني عبس ببلاد العرب وإن ضوءها كان يظهر من مسيرة ثلاثة أيّام , فافتتن بها العرب حتى كادوا يتمجسون فبعث الله خالدًا فأطفأها والنّاس من حولها ينظرون , وأمّا معجزته الثانية: إبادة العنقاء بدعائه , وقد ظهرت بنجد والحجاز فلم تزل تأكل الوحوش وتختطف الصبيان إلى أن شكوها إلى خالد بن سنان فدعا الله فقطع نسلها وانقرضت.

تشير السنة النبوية الشريفة إلى أن عدد الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى إلى خلقه بلغ أربعة وعشرين ألف نبي , وعلى الرغم من أن القرآن الكريم ذكر خمسة وعشرين نبيًا ورسولًا فقط , إلا أن هناك العديد من الأنبياء الذين لم تُقصص قصصهم في القرآن , مصداقًا لقوله تعالى : (﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )﴾, من بين هؤلاء الأنبياء الذين لم تُقصص قصصهم في القرآن , يبرز نبي عربي ظهر قبل الإسلام وهو خالد بن سنان العبسي , وقد وردت عدة أحاديث نبوية شريفة تتحدث عنه , منها قوله صلى الله عليه وسلم : (( ذاك نبي ضيعه قومه )). وقد أشار بعض المصادر إلى أنه كان يدعو العرب إلى دين عيسى عليه السلام , (قبل ظهور خاتم الأنبياء) , وقال عنه ابن الأثير: من معجزاته أن ناراً ظهرت بين العرب فافتتنوا بها وكادوا يدينون بالمجوسية من أجلها فأطفأها وهو في وسطها تتأجج , وقد جاء في بعض الأحاديث أن ابنة خالد بن سنان (وتدعى محياة) وفدت على رسول الله فبسط لها رداءه وأجلسها عليه وقال : (( ابنة نبي ضيعه أهله )) , وفي رواية أخرى (( مرحباً بابنة أخي )) , كتاب الإصابة للعسقلاني, وتاريخ الخميس للبكري , والأعلام للزركلي , وزاد المعاد لابن القيم الجوزية.

كان النبي كثيراً مايسأل عنه وفود بني عبس قبل مقدم ابنته (كما يوحي تسلسل الروايات), فقد أخرج ابن شاهين في الصحابة أن مشيخة (أو جماعة) من بني عبس قدموا على رسول الله , فذكروا له قصة خالد بن سنان , فقال لصحابته ذاك نبي ضيعه قومه , ونقل المسعودي في مروج الذهب عن أبي هريرة أنه قال : قدم ثلاثة نفر من بني عبس على رسول الله فسألهم عن خالد بن سنان فقالوا لا عقب له فقال (( نبي ضيعه قومه )) , ثم أنشأ يحدث عنه حديث نبوة , كما جاء في زاد المعاد أن وفدا من بني عبس قدموا للمدينة فقالوا: يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له (…) فقال لهم رسول الله : اتقوا الله حيث كنتم فلن يليتكم الله من أعمالكم شيئا , ثم سألهم عن خالد بن سنان فأخبروه أنه لا عقب له وانما كانت له ابنة فانقرضت فأنشأ يحدث عنه حديث نبوة.

تقول الرواية إن بنت خالد بن سنان العبسي سمعت رسول الله يقرأ (( قل هو الله أحد )) , فقالت : (( كان أبي يتلو هذا )) ,  وقد استقبلها الرسول استقبالاً يليق بابنة نبي , قائلاً: (( مرحبا يا ابنة أخي , كان أبوك نبياً ضيّعه قومه )) , روى الطبراني بإسناده عن ابن عباس قال : جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي فبسط لها ثوبه وقال بنت نبي ضيعه قومه , وفي رواية ذكرها ابن حجر العسقلاني  نقلاً عن المسعودي في مروج الذهب من طريق محمد بن عمر حدثني علي بن مسلم الليثي عن المقبري عن أبي هريرة , قال : قدم ثلاثة نفر من بني عبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنه قدم قراؤنا وأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش هي معاشنا , فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا , فقال اتقوا الله حيث كنتم فلن يليتكم من أعمالكم شيئا ولو كنتم بصدر جازان , وسألهم عن خالد بن سنان فقالوا لا عقب له فقال نبي ضيعه قومه , ثم أنشأ يحدث أصحابه حديث خالد بن سنان .

من القصص التي تروى عن خالد بن سنان أنه أطفأ نارا غليظة كانت تخرج من صدع في الأرض قرب ديار عبس (وقد تكون من الشقوق البركانية التي يرى شبيهها حتى اليوم في حرار المدينة) , وكانت هذه النار تسيح في الأرض فتقطع الطرق وتأكل ما حولها فهابها الناس وكادوا يعبدونها , وقد روي الحاكم في المستدرك وأبو يعلى والطبراني والمسعودي وأبن الأثير:  أن رجلا من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفئ عنكم نار الحدثان , فقال له عمارة بن زياد  رجل من قومه: والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقا , فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفئها ؟ قال: فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها , وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع , فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها , فقال : إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي , فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا , قال : فاستقبلها خالد فضربها بعصاه , وهو يقول :  (( بدا بدا بدا , كلٌّ هدى , زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثناي بيدي )) , ودخل معها الشق , فأبطأ عليهم , فقال عمارة بن زياد : والله لو كان صاحبكم حيا لقد خرج إليكم بعد , قالوا : ادعوه باسمه , فقالوا : إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه , فدعوه باسمه , فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال : (( ألم أنهكم أن تدعوني باسمي ؟ قد والله قتلتموني فادفنوني , فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حيا )) , قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر, فقلنا : انبشوه , فإنه أمرنا أن ننبشه , قال عمارة بن زياد : لا تحدث مضر أنا ننبش موتانا , والله لا ننبشه أبدا , قال: وقد كان أخبرهم أن في عكن امرأته لوحين , فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه , وقال : لا يمسهما حائض , قال : فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض , قال: فذهب بما كان فيهما من علم  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات