(( في نقد النقد التجريدي , الى حزب يقولون انه فشل , وسوء ادارة , وخلل في الاوليات , ذلك لم يكن فشلا , او سوء ادارة , او خلل في الاولويات , انه استهداف مخطط له , انه صراع مصالح طبقية متناقضة متضادة داخلياً وخارجياً , وتلك هى السياسة )) , القوى الطامعة بأي مجتمع تسعى إلى نشر الفرقة والتناحر فيه , لتتبدد قدراته وتشتت قواه , فيسهل القبض على مصيره , وهاهوعالمنا , طائفي , مذهبي , فئوي , ميلشياوي , مهندَس للإفناء الذاتي والموضوعي , ولتأهيل عناصر الهدف للإجهاز عليه , وإسعاد الطامعين بالبلاد والعباد , وتعبير ((فرّق تسد )) الذي تعودنا سماعه منذ الطفولة , أمعنوا في ترجمته إلى واقع فاعل في مسيرتنا المعاصرة , فتوفرت لأعدائنا أدوات النيل منا.
بلد نافست مطاعمه عدد سكانه , يتحول فيه الناس إلى أفواه تمضغ وتسكت , وحتى لو نطقت وتشكّت واعترضت ونادت فإنه لا حياء لمن تنادي , وملايين اللاجئين والمهاجرين والمنفيين الذين يحلمون بالعودة إلى وطن طبيعيّ لا ينتظرهم فيه ذبّاح ومرتشٍ أو تاجر دين لا يخاف الله , وبدأنا نشهد ظهورتحولات اجتماعية وتقاليد غريبة في المجتمع العراقي لا تمت إلى عالم اليوم , وما بلغه العالم من حضارة وتقدم , ولم تعد المسميات تعني ما كانت عليه سابقاً , وصار الدخول إلى دوائر الدولة متاهة حقيقية لا يرجو قاصدها سوى الخروج منها بعقل سليم , وصار بعض المسؤولين الكبار يعدون ولا يفون بوعودهم وبينهم وزراء , ولا شيء لديهم يقدمونه سوى الوعود الكاذبة , وبعضهم يصف للظامىء عذب الماء , فلا يجد لديه غير السراب وأحلام الرواء.
الفرق بين عملاء الأحتلال الأجنبي والأحتلال المحلي , ان الاولين يكونوا متخفين من شعور الخيانة , أما الجماعة فهم علنيين بل ومتبجحين , وهكذا فأن أبلغ حكمة تعلمناها في زمن الأسلام السياسي إن الفعل يناقض الأقوال , ربما لأنهم يعيشون الشيزوفرينيا السياسية , أو قد تكون بذرة متأصلة في شخصيتهم كبرت وتوطدت بعد توليهم السلطة , لا قول يطابق الفعل , ذلك ما عودنا عليه حكمهم , صحيح أن المصالح السياسية رهينة بالمتغيرات والتقلبات لكن ليس على حساب المواقف , لا أدري لماذا يخجلون من شيء إسمه الصراحة , أو على الأقل مصارحة شعبهم بما يحدث , لنصدق أفعالهم القادمة دون التفاجئ بها.
من أوهام التنمية المستحيلة انه لا يمكن لبلد ان يتطور وهو تحت الأحتلال , وأن التحرر هو الطريق الوحيد للتنمية , وكلنا يعرف ان الإستقلال الإقتصادي يعزز السيادة الوطنية , والإستدامة المالية , ويخلق فرص عمل , ويحقق الإستقرار السوقي , ويستفيد من تنويع مصادر الدخل , وتشجيع التصنيع المحلي , والإستثمار في التعليم والتكنولوجيا , وتعزيز القطاع الزراعي , ودعم المشاريع , والإهتمام بالبني التحتية , ومن أمثلة الدول البارعة في ذلك الصين والهند والبرازيل , فلماذا نطارد دخان النفط وسرابات الإقتصاد الريعي , الذي بلّد عقولنا , وصادر قدراتنا الإبداعية , وطاقاتنا الإبتكارية , وأحالنا إلى قوابع وتوابع , فأصبحنا نستورد كل شيئ من بلدان الآخرين ؟.
جميع حكومات العالم المحترمة , بل نصف المحترمة منها , ستسقط عند أية فضيحة سياسية , خصوصا الكبيرة منها , لكن برغم كل كوارث الفساد و(تسانوميات) الفشل , ورياح الفضائح التي وصلت لكوكب المريخ , يبدو أن حكوماتنا صامدة رغم كل الهزات التي تقع خارج مقياس رختر , صامدة صمود القبور, فحاذر عندما تنحني فهى دعوة صريحة لأن تُركب , تقول فاطمة الفلاحي في أغتيال العراق من ديوانها (رسائل شوق حبيسة المنفى) : (( اغتيال وطن , شهدت أجندة الغرب , وأصابع العرب , غيلتك , فتم اغتيالك , أثقلتك زج الرماح في أقلامك , أصابوا الطيبة فشيعوها , أسجفوا العشير طوائفَ , وأسرجوا الدستور عرقيًا , لمَّ اللهُ شعثَك ياعراق )) .
كتب رسلي المالكي مخاطبا كاظم الساهر : ((هنا تنهش الكلاب الناجح مثلك , فهي إن تحمل عليها تلهث وإن تتركها تلهث , هنا لا مجال للإبداع , هنا الظلام واللطم والسواد والكذب والقذف والطعن بالأعراض , هنا العقول المتوحشة الدموية , لا تتفاجئ ان وجدتهم ينتظرون (أبو دليفري) ليخلصهم منك , فطالما قرأنا هذا في التعليقات , إبق كما أنت صامد بوجه الرياح , ثابت بأصعب جراح , أما الضمير هنا فلا يصرخ , لأنه مات )) .
يقول المثل الروسي : ((فِي مُسْتَنْقَعِ الأَكاذِيبِ لا تَسْبَحُ سِوَى الأَسْماكِ المَيِّتَةِ )) , وقد كتب شاعر نصا عن ذيول بريمير : (( مُذ قَدمُــوا قطعُــوا تذكرة للجُــوعِ لكنّ الجــوعَ ما رحَلْ , مُذ قَدمُــوا أشبعــونا أخبارا , سنعبّدُ , سنشغّلُ , سنفجّرُ أنهــارا ونزرعُ هذه التّربة أزهـارا وأنــوارا , لكنّ الفوانيس مُذ قدموا انطفأت , والماءُ الصّالحُ للشّرب مُذ وصلوا مـــا وصلْ ,
ومُذ قَدمُــوا طرحوا أسباب الانتكاس , جمعوا نتائج الإفلاس , ضربوا النّاس بالنّاس , وما وصلوا إلى حلْ )) .