18 ديسمبر، 2024 4:03 م

قيل للأمام علي ابن ابي طالب يوماً لماذا استقامت الخلافة لعمر ولم تستقم لك؟… قال كان لعمر مستشارين مثلي , ولم يكن لي مستشارين مثل عمر.

يقول صاحب العقد الفريد : قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة , فدخل بيت عثمان بن عفان , فصاحت عائشة ابنة عثمان , وبكت , ونادت أباها: واعثماناه ..تحرض بذلك معاوية على الطلب بدمه , والقصاص من قاتليه , فقال معاويه : ياأبنة أخي ..ان الناس اعطونا طاعة , وأعطيناهم أمانا , وأظهرنا لهم حلم تحت غضب , وأظهروا لنا ذلا تحت حقد , ومع كل أنسان سيفه , ويرى موقع أصحابه , فأن نكثناهم نكثوا بنا , و لا ندري أعلينا تكون الدائرة أم لنا ؟؟ ولئن تكوني أبنة عم أمير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة من عرض الناس.

 

قال المتنبي ( لقد كان حلم معاوية سجية , لا تكلفا ) , وعن ابن كثير في البداية والنهاية أن معاوية كان يقول : (( يا بني أمية فارقوا قريشًا بالحلم , فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتمًا وأوسعه حلمًا , فأرجع وهو لي صديق , إن استنجدته أنجدني , وأثور به فيثور معي , وما وضع الحلم عن شريف شرفه , ولا زاده إلا كرما )) , كان الحلم صفة من أعز صفات الرئاسة عند الأمة العربية , وما نحسبها غالت قط بمحمدة من محامد الرئاسة مغالاتها بالحلم وقرينه ((الحكمة)) .

 

عندما احتل هولاكو بغداد سنة 656هجري‍ أمر جلاوزته بجمع العلماء والوجهاء في المستنصرية لأجل الاستفتاء فـي جواب السؤال التالي : ( أيهما أفضل : السلطان الكافر العادل , أم السلطان المسلم الجائر ؟) . تحيّر العلماء في جوابه , غـير أن السيد ابن طاووس تدارك الأمر , وكتب على ورقة : ( الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر ) ثم أمضى بتوقيعه على الورقة , وتابعه على ذلك سائر العلماء , وبذلك نجى الجميع من بطش هولاكو وجبروته , وعندما سئل ابن طاووس عن وجـــه جوابه هذا , قال : لأن الحـــاكم الظالم المسلم , إسلامه لنفسه , وظلمه على الرعية , وأما الـــعادل الكافر , فكفره عـــلى نفسه , ولكن عدله يشمل به الرعية.

 

عندما كان عبد الكريم قاسم يقول: إنه فوق الميول والاتجاهات, كان خصومه أصحاب الميل لخارج العراق يسخرون منه, واتضح أن رئيس السلطة التنفيذية لابد أن يكون فوق الميول والاتجاهات الدينية والمذهبية والقومية, أما أن يذهب إلى الامم المتحدة ويُقدم انتماءه المذهبي فهذا في حل من الوطنية.

 

يقول مدير الأمن العام أنور ثامر اثناء حكم عبد السلام محمد عارف في أحد أيام العام 1964, بدأ أهالي بغداد – والشيعة منهم بوجه خاص – يتناقلون خبر وصول الشباك الذهبي من إيران , والذي تبرعت به حكومة الشاه لضريح العباس ويستعدون لإستقباله, وعصر أحد الايام شاهدت الرجال يتجمعون ويشكلون مجاميع راجلة قاصدة مدينة الكاظمية , لان الأخبار التي وصلت تقول ان الموكب والشاحنة التي تحمل الشباك سيتوقف هناك , وسيطوفون به في صحن الامام موسى الكاظم قبل نقله بالشاحنة مرة اخرى الى كربلاء , وعندما أصبح التجمع الشيعي في الكاظمية ضخما جدا وغير مسبوق , بدأت الجماهير بإطلاق هتاف شهير لم يسمع به من قبل : (ماكو ولي إلا علي .. إنريد حاكم جعفري) , ويقول مدير الأمن العام أنور ثامر أنه أتصل برئيس الجمهورية ليعلمه بذلك ويطلب توجيهاته الأمنية , فسأله الرئيس حرفيا : ضربوا طلقات؟ إعتدوا على أحد؟ رد عليه مدير الأمن: لا سيدي , فقال الرئيس: عوفهم .

 

وبعد أن تمت إجراءات زيارة الضريح للصحن الكاظمي , أعادوا الشباك الذهبي الى ظهر الشاحنة , وإنطلق به الموكب ثانية نحو كربلاء , لكن الجماهير لم تتفرق , بل إزداد حماسها وإكتظاظها , لتستدير وتشكل مسيرة ضخمة مرددة ذات الهتاف , ومتجهة لتعبر جسر الأئمة نحو الرصافة وصولا الى هدفهم الرئيس شارع الرشيد (الذي كان لسنين طويلة المكان الرمزي للتظاهرات الإحتجاجية والمسيرات الرسمية التي تبدأ عادة من ساحة الميدان وتنتهي عند ساحة التحرير) , فإكتظ بهم الشارع على طوله والهتاف الحماسي الوحيد نفسه : (ماكو ولي إلا علي .. إنريد حاكم جعفري ) , فعاد مدير الأمن ليتصل برئيس الجمهورية ليعلمه بالموقف مجددا , فسأله الرئيس ثانية : ضربوا طلقات ؟ فلشوا شي؟ أجابه المدير: لا سيدي , فكرر الرئيس الإجابة ذاتها :عوفهم.

 

وظلت التظاهرة على منوالها طوال ساعات المساء , حتى أن المشاركين وبسبب حماسهم وصياحهم وحماوة أجسادهم , إضطروا لخلع ملابسهم العلوية بسبب التعرق, في النهاية , ومع إقتراب الوقت لموعد الإنطلاق الأخير للباصات الحكومية عند الساعة (11.45) من الساحات المركزية وسط العاصمة أي قبل ربع ساعة من إنتصاف الليل , بدأ عقد المتظاهرين ينفرط , مهرولين نحو تلك الساحات للظفر بمكان في الباصات ليعودوا لبيوتهم , وهم يرتدون ملابسهم ثانية , ويرتجفون من برودة الجو, وعندما حل صباح اليوم التالي , كان كل شيء على مرامه , وكأن شيئا لم يكن , سوى أن معظم الذين شاركوا في تظاهرات الأمس عانوا من نزلات البرد والأنفلونزا والتهاب الحنجرة وغيرها , حدث كل ذلك في عهد الرئيس عبد السلام عارف الذي عرف وإشتهر بطائفيته المذهبية وعنصريته القومية.

 

قرأت لكاتب أسمه ( فاروق عبد الجبار البصري ) , انه كان حاضرا في أحد تلك الندوات التي ترأسها الرفيق صلاح عمر العلي بعد 1968 , وكان من بين الأسئلة : ما هو موقفكم من الماركسية؟ فأجاب الرفيق صلاح , ان حزب البعث حزب ماركسي تقدمي , ويؤمن بالإشتراكية وووإلخ , فدفع أحدهم بقصاصة جديدة سائلا فيها : إذا كنتم ماركسيون فما هو موقفكم من الإسلام وبخاصة الشيعة؟ فشرح الرفيق بكياسته المعروفة عن إيمانه بالإسلام كدين للدولة ومنبع لكل العقائد القومية , ثم عبر عن إستغرابه من الجزء الثاني من السؤال , وقال : يسألني السائل عن موقفنا من أبناء شعبنا , فهل الشيعة أغراب حتى تسألني هذا السؤال؟ هل تعلم ان الرفاق الجالسين على يميني وعلى يساري شيعة؟

فتدخل أحد هؤلاء الرفاق مقاطعا بالقول : ان منظمي هذه الندوة كلهم شيعة , ثم جرى همس وحديث غير مسموع بين صلاح ورفاقه , ليعود هو محدثا: إذا كنت تقصد موقفنا من الطقوس الشيعية بشكل عام , فأحب أن أقول لك , أن الطقوس الشيعية وبخاصة إحياء مناسبة عاشوراء كانت الجزء الأهم في التعبير عن وجدان الشعب وفي تثويره ورفضه للظلم , ونحن داعمين لأحياء هذه المناسبة , ففي خطبها ما ينبه المسؤول لمواطن الخطأ.

 

مرت شهور قليلة على تلك الندوة ,وحل شهر محرم , لتتفاجأ المواكب الحسينية قبل يوم من 1 محرم بمنح كل موكب 250 دينارا (وهو رقم له قيمته المالية في ذلك الوقت , ( ولم يكن أمام رؤساء تلك المواكب إلا الشكر والثناء على القيادة والحزب , وقد تكررت هذه المنح لبضع سنوات ,غير متأكد من عددها ) .

 

قيمة مثل هذه المراجعات اذا ما صدرت عن ضمير صادق انها تنصف جيلا كان من خيرة اجيال العراق , لما يتمتع به من حس وطني خالص وثقافة إنسانية منفتحة وعلاقات نبيلة , لاتزال تحتفظ ببعض من طيب الأثر في نفوس من تبقى من هذا الجيل , آخذين بنظر الأعتبار ان من لا يتجدد يتبدد , ومن لا يتقدم يتقادم , ومن لا يتطور يتدهور , ومن لا يتعلم يتألم .