كانت جهود السلطان عبد الحميد الثاني منصبة على العمل من أجل إيقاف تمزق الدولة العثمانية وانهيارها , حيث أخذ على عاتقه إنجاز مشروع الخط الحجازي , وقد أوكل مهمة تنفيذ هذا المشروع العملاق ل ـ(أحمد عزت باشا العابد ) , والمعروف في التاريخ باسم ( عزت باشا العربي ) , ويتضمن المشروع إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليربط بين خط سكة حديد الأناضول وخط سكة حديد بغداد , وكذلك تأسيس شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة ذلك الخط الحديدي , حيث كان السلطان يؤمن بأن هذا سيحقق له سهولة وسرعة في عمليات الاتصال والمتابعة بين مركز الدولة العثمانية وولاياتها في الشام والحجاز , وقد تم لاحقا تدمير خط القطار من قبل لورانس العرب (( الجاسوس)) البريطاني وعملائة واعوانه العرب في المنطقة.
القطار هوالشمندفر بالفرنسي ويلفظ (شمندفيغ) باللهجة المصلاوية , فقبل أكثر من قرن , وبالتحديد عام 1908م , كانت القطارات البخارية تنطلق من محطة قطار (حيدر باشا ) بإسطنبول إلى المدينة المنورة , معلنة أن حلماً صعب المنال قد أضحى حقيقة تدركها الأبصار والأسماع , فقد كان الأول من سبتمبر عام 1908م , هو يوم اكتمال خط حديد الحجاز وانطلاق رحلته الأولى بعد ثمانية أعوام من عمل شاق متواصل أسفر عن خط سكة حديدية تجاوز طوله 1400 كم , فاستحال به خريف عام 1908م -مع ما فيه من الأزمات والمشكلات- مسرحا تزاحمت فيه آمال المسلمين وطموحاتهم في شتى ربوع الأرض مستبشرين ببعث جديد , وأضحى حلم مشاهدة سحب الدخان الكثيفة وهي تنبعث من القطار البخاري المنطلق من إسطنبول إلى الأراضي الحجازية , حقيقة قد تجسدت على أرض الواقع بعد أن كان ضربا من الخيال.
عُرف خط حديد الحجاز في السجلات العثمانية باسم ( خط شمندفر الحجاز ) , وامتد بين الشام (دمشق) والمدينة المنورة , حيث ينطلق الخط من الشام ماراً بعمَّان ومعان ثم بتبوك ومدائن صالح وصولا إلى المدينة المنورة , وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى مكة المكرمة ومن هناك إلى جدة , بيد أن أياً من ذلك لم يتحقق.
نتذكر حكايات العراقيين القديمة اللذين كانوا يعيشون ببساطة وجهل قياسا بعصرنا الحالي , غير ان التاريخ يذكر في صفحاته كثيرا من المواقف واللطائف والغرائب للشعب العراقي منها : بعد احتلال بغداد من قبل الاحتلال البريطاني عام 1917 , تم نصب اول مولد كهرباء نصبه البريطانيون في (خان دله ) لتنوير المعسكر البريطاني , فقال العراقيون ان الانجليز تمكنوا من اصطياد البرق وسجنه بفنونهم , وعندما يحل المساء يطلقونه , فيما حذر احد رجال الدين من استخدام الكهرباء , لأنها من عمل الانجليز, وذكر آخرون ان المصابيح توهجت بعمل الجن , وبعد ان تم نشر المصابيح في شوارع بغداد قال العراقيون ان البريطانيين استولوا على مصباح علاء الدين وسخروا الجن لخدمتهم , وللعراقيين حكايات جميله مع الشمندفر وغيره من المخترعات الحديثه التي دخلت العراق منذ اوائل القرن التاسع عشر , فظهرعام 1800 اول مركب يسير بواسطة الفحم والطاقة البخاريه فتجمع سكان بغداد حوله لمعرفة كيف يسير هذا المركب , وفي سنة 1860 وصل التلغراف , ثم في سنة 1870 ظهر الترمواي او الگاري بين بغداد والكاظمية , ونصبت اول مضخة للماء في بغداد سنة 1871 , واسس اول معمل ثلج فيها عام 1881 واطلق عليه اسم (البوزخانه) , وفي عام 1890 افتتح خط عربات بين بغداد والحله وبعقوبه , ووصل الفوتوغراف عام 1892 واطلق عليه (صندوق الليفني) , واستخدم التصوير الفوتوغرافي لاول مره عام1880 , وظهرت الدراجة الهوائيه عام 1906 , واطلق عليها اسم (حصان الحديد) , وتم نصب اول مضخة اساله للماء دون تصفية او تعقيم عام 1907 , وفي عام 1908 ادخل حمدي بابان اول سياره الى بغداد , وتجمع الناس حولها واخذو ينظرون تحتها لمعرفة نوع الحيوان الذي يسيرها , وعندما شاهدها بعض البدو فروا مذعورين الى الجامع واقسمو يمينا انهم شاهدو الشيطان يركض في الصحراء وعيونه مشتعله , وتم نصب اول تلفون حكومي بين مركز بغداد والكاظميه عام 1911 , وفي نفس العام دخلت السينما الصامته , وافتتح عام 1912 اول خط سيارات بين بغداد وبعقوبه , ثم ظهر اول خط قطار بين بغداد وسامراء عام 1915, وفي عام 1916 ظهرت في سماء بغداد اول طائره , فمنعت بعض العوائل المحافظة من النوم في السطح لئلا يتفرج عليهم الطيار , وظهرت اول اذاعة لاسلكيه عراقيه عام 1935 , وشاع عندها استخدام الراديو الذي اطلق عليه اسم (الحاكي) في المقاهي وبيوت الموسرين , وقال اهالي بدرة عن الراديو انه لا بد أن هناك أقزام صغيرة جدا من البشر يتحدثون من داخل الجهاز , ويعد العراق اول بلد عربي انشأ محطة للتلفزيون عام 1956.
في بداية النصف الأول من القرن الماضي , كان هناك رجال أشداء يحاربون التكنولوجيا ويريدون الإبقاء على الحياة كما هي من دون تطور, وعندما ظهر اول خط قطار بين بغداد وسامراء عام 1915م , كانت الناس متعجبة من هذا المركب الطويل ذي الدخان وصاحب الصوت الهوائي (الهرن ـ القلقس ـ الزمور) , وحينها قام بعض رجال الدين بأصدار فتوى دينيه ضد ركوب (الشمندفر) , وهذا نص الفتوى : (( بسم الله الرحمن الرحيم , يتركون حمير الله ويركبون الشمندفر, لعنهم الله , لعن الله كل من يركب (الشمندفر) ويشجع على ركوبه )) , وعندما تمّ إكتشاف النفط في العراق بدايات القرن العشرين الميلادي , كانت الشركات التركية قد استغلت حقوق النفط العراقي عام 1912م , وقد صدرت فتوى غريبة حرّمت بموجبها إستخدام النفط لأنه نجس , ولا يمكن تطهيره بسهولة , حتى كثر المرسلون إليهم الذين أثبتوا لهم بأن النفط نعمة إلهية كبيرة يجب الأستفادة منها.