حين نشر أحد ألأصدقاء : (( حياتكُما معاً مِثلهُما الوردُ والماء , إن التقيا تَبسَّما ..والشوقُ بينَ اضلُعهما سَما .. وان افترقا ذبُلا وتَحطَّما وتَألم .. فان كُنتُما ؟ .. فلا تكتُما ..فاجملُ احاديث الهَوى ان تتَكلما )) , وددت أن أثني , وأزيد , فكتبت هذه المقامة .
كيف الكلام ؟ ومازال السمك لا يدركُ نوايا الشِباك , مثلما المياه لا تدركُ نوايا السدود , يتصوران وفي كل مرة أنهما يدخلان جلديهما كطقس من حنين , ونحن ومنذ عصور مثلما نحن , ورغبتنا في المعرفة أقل بكثير من رغبتنا في أن يتمّ خداعنا كطقس مماثلٍ من حنين , وأنا أعترف القرب منك دفئ وحنان , والبعد عنك ندم , والفراق عنك ألم .
أحببتك حباً لو تحول إلى ماء لأغرق العالم بأسره , أحبك ليس لما أنت عليه , ولكن لما أكون عليه عندما أكون معك , فكُن معي فأنا أحتاجُ دفئ حديثك وحنان شُعورك ما عادت أصابعُ قلبي تشُدُّ جرحها بدون قُربك , الم نتعلم انه ليس ثمة حبال أو سلاسل تشد بقوة أو بسرعة كما يفعل الحب بخيط واحد , لو كان الحب كلمات تكتب لانتهيت أقلامى , لكن الحب أرواح توهب فهل تكفيك روحي ؟ كل ما أريده هو أن تبقى في حياتي للأبد.
عندما دخل الدرويش مرحلة الهلوسة , أنشد متبتلا : أتت في غمار الشوق , كسرابٍ من انتظارٍ لا ينطفئ , لم تكن لحظةً , بل زمنٌ ينحني لحضورها , في عينيها أسرارٌ تتلاشى كلما اقتربت , كظلٍ يتبعني , ويختفي حين ألمسه ,هي الشوق ذاته , رغبةٌ لا تعرف الاكتمال , وجوابٌ يعانق السؤال , في صمتٍ لا ينتهي ,أتت لا لتطفئ نار الانتظار, بل لتزيدها اشتعالًا , فكلما نظرتُ إليها , أحسست أن الطريق أطول , هي حلمٌ وحقيقة , مزيجٌ غامضٌ من الاثنين , في غمار الشوق تصبح الحدود غير واضحة , كلما اقتربتُ , ابتعدت , وكلما نسيتُ , تذكرت , كغيمة تمطر مرةً ثم تذوب في الأفق .
تترنم الساحرة المجنونة المتهمة بالشعوذة وهم يجمعون لها حطب الأحراق : يا حلمي الجميل , كلما أطلت التفكير فيك , تاهت مني كلماتي , واختزلت بك , كل أبجديتي بنقطة في نهاية السطر, القلب بدونك يقف على عتبة الصمت الباكي , تخذلني الألوان حين تعجز أناملي عن رسمك , فراشات النار متعبة في حقول الأغاني , لا زلت أطاردها حتى في جوف الليل , وكنت حينها أكبرني بفاصلتين , حين تغيب الفراشات, أنثر أثرك على المكان , كي أعود ثملة بك , ولئن سألتني عن اسمي , قبل أن أحلق في أقاصيك, لقلت لك قد نسيته.
يحكي نساج الرواية للمحاسيب : لم تعد تعشق زمانه حين سقط القمر من عينها, فحياته قد تلاشت ساعة إشراقه هناك , فَخرَت راكعةً أمام جبروت الزمن , بدأت سنابل الخفايا تراود أبواب القصيدة وتصرخ هيت لك , كأنك أنت وكفى , تقيم في معبد الآلهة , وأمواج الشجون لا زالت تجدف صوب قطيع من السهر , أيها الرابض بين حروف التكوين , والقابع خلف نجمة ضاربة في تضاريس الحروف , تطل مكتظًا بالنور, في منتصف المسافة بيني وبين العوسج البري, بغفلة من جنوح الريح .
عندما أغتالوا الدرويش وأحرقوا الساحرة , بدأت تظهر ألأغاني وألأشعار التي تتناولهما ,
ومما تردد : (( جسدك المبتل بالندى , كوردة لامستها آكف من لهيب القصائد يتساقط منها رطبا شهيا , وما أنتِ الا حلمي المتطاير تلهثين في تفاصيل النهار كالاسئلة , يا خمراً سكِرتُ بها هي من أيام قبل الله معتقة , عاكسني عطرها وأنا أخطو في اتجاه ورد يدعوني إلى تقبيل صمتها الحكيم , معا سرنا على سطر منحرف كخطإ نحوي , معانيها أغصان ترتعش , توقظ شجر الكلام , مثلي تعشق بياض فراغ يكتم أزرار أوراقها المكشوفة ,
ربيعا أورق بستان وجهها ببسمة القبول , فعلا , أنت الفراشة لا تنسي أنني جناحك جموح عند الصعود والنزول , هذي أصابعي بأي عزف منفردفتنت ؟ توحدنا وسادة كلما ليل دعانا لحلم جميل , ريشتي لها مزاج الريح مرة يكتبني عن بعد , مرة يحلق بي )) .
ظهر بعد ذلك حواريات غنائية تقول : (( كانت تحدثه قائلة بحثت عنك في كل مجرتي فوجدتك بين اضلعي…علمت انك متيمي مذ سقط ضوء قمرك على ارضي…لا اظن ثمة خاطرة اجمل من ابتسامتك في كل دواويني…يكتب الربيع شعره من جمالك ويتنفس الورد عطره من شذاك…
فيرد قائلا : تستحقين كل مجد السيدات وغزل الحوريات…القصيدة التي تخلو من الغزل في عينيك قافيتها ميتة , يامليكتي عفوك ان عجز القريض عن وصفك…القصائد التي لم تتهادى على خصلات شعرك غزلا ارثي موتها )) .
أكمل الشيخ المولوي الدوران , وعند أنتهاء الخطبة , أنشد قائلا وهو يدور ببطء :
(( عصفورتي الفجر سافر في رموشك واحتفى
والبدر اسفر عن جمالك فاشتفى
والحب لولا أنت ِما كان اكتفى
متسكعا بين الرياض المونقة بين النسائم أغتفى )) .