22 ديسمبر، 2024 10:37 م

مقامة ثورة تشرين البطلة

مقامة ثورة تشرين البطلة

وشهدائها الميامين
أيها الثائر التشريني الحر، يا أزكى من الزهر واعطر، وأنقى من الزلال وأطهر، و أصفى من الماس وأندر، وأغلى من الذهب والجوهر، وأرق من النسيم وأبهر، بثورتك يحيا الوطن ويزهر، ومن ذا الذي ببطولتك لا يجهر، سوى العميل والجبان والأبتر.
بدأت غيوم الغضب الشعبي تتكاثف يوم بعد يوم منذ الأول من شهر تشرين الأول في ساحات الوغى والصمود، ولا بد أنها ستحدث في النهاية أعاصيرا وزوابعا رعدية ستطيح بعروش العملاء والفاسدين والدخلاء. فمهما طال الليل وهواجسه ، لابد أن ينجلي ويسحب خلفه وسواسه، وينبلج يوم جديد بأشعة ذهبية، يحمل باقة ورد نرجسية، يتهادى في مشيته كملائكة خفية، بملابس بيضاء، تضفي عليه جمال وبهاء، يتغنى بإنشودة: كم هم كرماء ابنائنا الثوار، لله درهم أحباب الله الأحرار، فتصل أصوات الأبرار الى أقصى مدى، وبرتد يعقبه الصدى:
بدماءهم الطاهرة الزكية ترتوي شجرة الحرية
تنعم الأجيال بثمارها وتترحم على زراعها
عراق ما بعد تشرين لا ضعف ولا وهن، لا فساد ولا عفن، لا شقاق ولا فتن، لا بلاء ولا محن، لا علم يغطي كفن، ولا عميل بدولة جارة إرتهن. قد تاهت سفينتنا بفساد السَفَن، فكفى ظلم دام عقد ونصف من الزمن. اليوم فتح شعبنا عينه باللبن. لا شقاء بعد اليوم ولا حزن، لا ظلم ولا غبن، لا ضعف يمنعنا ولا وهن. بئس زمان عشناه وأي زمان؟ غادرته الأسود، وإستأسدته الجرذان.
لا عجب ولا عجاب، لا دهشة ولا إستغراب، ما يعرفه ذوو الألباب، عندما تغور في النتائج تتكشف الأسباب، فلا شبهات ولا ارتياب. عندما تسود شريعة الغاب، تتجمع الذئاب وتكشر عن الأنياب. وعندما لا يحمل الراعي سلاح، وتسكت الكلاب عن النباح، فالأغنام حتما ستستباح. عندما يكون الحمار قائد المسيرة، ستتأزم الأمور، وتزداد الحيرة، وسيفقد الرُكب تدابيره. في أرض قادتها أذناب، ينتشر الوباء وتتداعى الأسباب، وتتعافى بأكلها الدواب، فتذبل الأزهار وتكثر الأعشاب، تسود الفوضى ويعم الخراب. وتموت القيم ويحيا الإرهاب. في بلادي عجب العجاب، يتزاوج الحق والباطل فيضيع علينا الحساب.
أقول: تبا للذيول من رهط إبليس، وأفعال التدليس والتلبيس، ولعن الله الظالم الخسيس، من الخميس الى الخميس، تبا لمن حول أرض السواد الى ليس شعبه السواد، نهب البلد وسبى العباد، سحق البطولة وأشاع الفساد، وأضاع سيرة وبطولات الأمجاد. تبا لكل عميل وفقيه باع عرضه وضميره للولي السفيه، بلا شك شك ولا إرتياب، على أيادي ثوار تشرين سيكون الحساب، سيكون الحساب عسيرا للكلاب، لا يعقله الى ذوي الألباب. لتعلوا الأصوات في المنابر، لم يعمر في العراق سوى المقابر، إزدادت الأكفان والنعوش وتضخمت عند سادتنا الكروش. ولك كذوبان الملح ستزول العروش، ويبقى الوطن للأحرار، وتهرب قوى الظلام والأشرار. سوف لا تفارقهم الوساوس، ولا أصوات البوم والهواجس. قسما بربٌ العباد، ستُسحلون في الشوارع يا أوغاد. يا لتعاستكم.. حتى الكلاب تأنف من فطائسكم، يا جيفة الأرض، وفاقدي الصمير والعرض. الى جعنم وبئس المصير، فهذا مصير كل خائن وفاسد حقير.

بشارة ثوار تشرين الأبطال
سيطرق الفرح بابنا من جديد، بهدوء وإبتسامة طفل وليد، يمسح عن عيوننا الدموع، وعن جباهنا غبار الذل والخنوع. سيبشرنا بأن قوى الشر والظلام قد خاب مسعاها، فقد عادت الله ورسوله فعاداها، لعبت بالدين وتجرأت على العالمين، سبت البلاد وإنتهكت حقوق العباد، سكرت وإنتشت بدماء الشهداء، ورقصت على أرواح الأبرياء، ذابحة من الوريد تعاليم السماء، مبدية للشيطان رضاها بسخاء.
ستتلاشى قوى الظلام كتلاشي الضباب مع شروق الشمس، ها قد أشرقت تباشير فجر جديد في سماء العراق التليد، ثورة تشرين تتجدد سائرة في طريقها ولا تتهدد، ستشرق كإبتسامة طفل وليد يبشر بمستقبل مجيد،. يقول لنا إطمئنوا البال، من المحال ان يبقى العراق على هذا الحال. واشرحوا الصدور، ليتوطد الإيمان ويعم الخير والأمان، سيرجع البيت العراقي الى صاحبه سعيدا، بعد أن أختطفه مارد القم قم بعيدا، ستعود معه التسميات الجميلة، أرض الرافدين، أرض السواد، مهد النبي ابراهيم، مدينة الرشيد، الجنائن المعلقة، بلاد سر من رأى، بلاد ألف ليلة وليلة، الزوراء، وأهمها مدينة السلام، وقلعة الأسود، ستزول التسميات الشاذة كظل عصفور طائر، كلا لبلاد علي بابا، كلا لأفسد بلد في العالم، كلا لأوسخ عاصمة في العالم، كلا لأتعس جواز سفر في العالم، كلا لاكثر البلاد ارهابا ورعبا وتزويرا وجهلا وفقرا و….واوات لا حصر لها، فأف لها، وأف لها.
علينا ان نحيٌ دائما سيدي الجليل ذكرى شهداء ثورتنا بتحايا التبجيل، ونستذكر ملاحم اسودنا الضياغم في ميادين الوغى الرخيم، فهم يستحقون منا التمجيد والتكريم، هم أوسمة تحتل بقعة في الصدر، مقابل القلب ليلمسوه. نستشعر خجلا بما قدمناه للعراق وبما قدموه، خجل مورد كاحمرار قرص الشمس عند الغروب، طاب مسكنكم شهدائنا في الجنة والقلوب. وطنكم اليوم حر ولم يعد مسلوب. العراق أمة غير عقيمة، مهما كبت سرعان ما تقوم سليمة. هي مهد البشرية والحضارة وتستحق التقدير والإعجاب بكل جدارة.
فعلتم بقوة ومهابة فعل أجدادكم الصحابة، هم يفتخرون بكم، ويقولوا لكم: لم تتركوا للأبطال قط، مفخرة لغيركم من بعد، ولا شهادة على هذا النمط، لما أبديتموه من الشجاعة والسخاء، والثبات والصمود والتضحية والفداء، جدتم بأرواحكم بسخاء منقطع النظير غير مبالين بما يصير، نحن ثمرة الجهاد وأنتم العصير. لله درٌكم ورثتم شرف الأمجاد، بإتباعكم سبل الرشاد، أديتم فروض الجهاد، فمنزلتكم رفيعة العماد، ولكم علو الجناب، ومن سار في دربكم ما خاب. حتى إذا حَمِىَ الوَطِيس قاتل بقوة مستبسلا، الأرض من تحته تتزلزلا، نفس ابيه لا تعرف التذللا، يقاتل بحق وعلى الله متوكلا، بتضحيته سيكون الشرع عنده مكتملا. استمر يا بطل بالمسير مهما كان الطريق شاق وخطير، لقد ملكت زمام الامور، والتف حولك الجمهور.
لكن قسما..
سنجعل من دماء الشهداء الابرار مدادا لأقلامنا الثائرة التي لن تتوقف عن الكتابة، وارواحهم الطاهرة ستكون ايقونة الهامنا وإبداعنا الفكري، ان كنت تدري او لا تدري، ستكون دموع الامهات والأيتام والأرامل غيوما تهمر امطارها بسخاء على بذور الحرية الرائعة، فتنمو وتنضج غصون خضراء يانعة، سرعان ما تثمر عراقنا الجديد الأمين، عراق العراقيين، والعراقيين فقط بكل شرائحهم الدينية والقومية، عراق ثبت وصمد كثبوت وصمود جبل أحد. انه عراق شهداء انتفاضة تشرين الأبطال فقط، ليس عراق علي والحسين فهم غير عراقيين، وليس عراق عمر بن الخطاب الذي فتح العراق فهو غير عراقي، انه عراق الشهداء فهم الأحق بملكيته، وهو الأحق بأن يحمل اسمائهم وجنسياتهم.
ايها الشهداء الأبرار، يا ملهمي ثوارنا الأحياء، انكم المرآة التي يرى فيها الأخيار، نفوسهم ما يعتريها من مشاعر وأفكار، ومكنونات تسبرها أغوار. انكم بحق دلائل الحقيقة، ومن سار في دربكم لا يضيع طريقه، نؤمن بتضحياتكم بالفطرة والسليقة. المجد للشهداء الأبرار، والعزة للنشامى الثوار.
رحم الله حافظ إبراهيم بقوله:
كيف أبكيك وما عسى أن أقولا *** صف بلالاً الذي يبكي الرسولا

وأخيرا
تحية والف تحية للماجدة العراقية رفيق درب ثوار تشرين، لله درٌكم يا حرائر العراق الماجدات، فأنتن حقا حفيدات الخنساء، ان كان الرجال بساط الأرض، فأنتن علو السماء. وان عج الدهر بالمرض فأنتن الدواء، وان بلغ بنا الضمأ أشده، فأنتن ينبوع ماء، وان أرهقنا حر الصيف، فإنتن نسمة هواء. أنتن الأم والأخت الحنينة والبنت الرقيقة، والزوجة والحبيبة والصديقة، انتن الدلالة ان ضلٌ أحدنا طريقه. أنتن الأمان والحب والصدر الحنين، يحفظكن الله من كل سوء، اللهم آمين.

للمقامة بقية، وهي ملحمة الشهادة البطولية.