كلنا نعرف صديقنا (المأمون) د . بسام البزاز , الذي يطرقنا كل يوم بأنتاج وجوائز وتراجم لكتب يضيفها لمكتبتنا العربية , ونعرف انشغالاته وانهماكه في عمل الترجمة والتدريس بما لايتيح له وقتا للمرح والهزل , و لا أضاعة للزمن , بحيث يتعذر حتى على اهله واصدقائه ان يلتقوه , احدهم من الذين لا يعني الوقت لهم شيئا , دخل على ماسنجره, وأخذ يسأل اسئلة الناس الفارغة , فتحدث له الدكتور بطريقة الجد لا اللهو الفاضي , فلم تعجبه الردود , فأجاب على الدكتور بعبارة : ((أنت تبدو وعر ومتجهّم )) , ويسأل الدكتور عما اذا كان استعمال كلمة وعر يعني الخشونة .
كان ذلك خطئا مدقعا , فنحن أبناء ولايته ومجايليه عرفناه طيبا و سلسا في التعامل ومتواضعا بشوشا وشفيفا وقامة علمية ولغوية نفخر بها , وانسان راق وثروة ثقافية و أدبية وعلمية شامخة , تحتفي به المؤتمرات والجامعات في الأرجاء , وصاحب العبارة قد يكون من سكنة النجف ولكنه ليس من اهلها , وحتما من الذين لا يعرفون قيمة الوقت , و لا كم المعاناة التي يحتملها الأديب والمترجم اثناء عمله .
دكتورنا العزيز , انت اعرف منا بسوريا , بلد نسبائك , فالوعر هواسم جبل فى سوريا , كما انه هناك حي يقع غربي مدينة حمص السورية يدعى حي الوعر , والاسم الرسمي لهذا الحي هو حمص الجديدة , ووعَرَ يعِر , عِرْ , وَعْرًا ووُعورًا, وَعْر وأوعرُ ووَعِر, ويقولون وعَر الطَّريقُ أذا صلُب وصعُب السَّيرُ فيه , ووَعَرَ غَرِيمَهُ وَعْراً أذا حَبَسَهُ عَنْ جِهَتِهِ وَحَاجَتِهِ , وقالت العرب الحزن هو الوعر, وأهل الأرياف كانوا يسمون الحقل المليء بالشوك والبريّات والحجارة والحصى , يسمونه وعرا , خلافا للحقل والسهل أو البستان, وشبّه الوعر بالحرون لصعوبته وقسوته , فإما أن تتجنبه وتسلك طريقا آخر, وإما أن تنزع أشواكه بيديك وتجرف حجارته , وإما أن تعرض نفسك للتعب والأذى والآلام , ويزال الحزن , أو الوعر, بالمعالجة , وما كان وعرا بالأمس يتحول إلى حديقة أو بستان , أو يقام عليه مبنى , لكن لا بد من إزالة الوعورة أولا, ولا بد من الإقتناع أن الوعر كان جميلا , كذكريات طفولية وأمسٍ جميل , لكن الغد لا يعيش في الأوعار.
وعرٌ عالمنا هذه الأيام , حزن في كل النواحي ووعورة على جميع الدروب , وأبواب مسدودة مثل الكابوس , نحن الحرب العالمية الثالثة , اجمع الحروب والخسائر التي عشناها منذ نصف قرن , وسوف يكون المجموع حربا عالمية أخرى , أنقاض غزة ولبنان وسوريا اليوم مثل أنقاض ألمانيا 1945 , وحصيلة حروب العراق مثل حصيلة أوروبا , وليس في المغرب أو في المشرق بلد إلا وتعرّض لحرب أهلية أو حدودية أو لغزو أخوي , ومجموع من شُرد من عرب هو 40 مليون إنسان , رقم لم يُعرف منذ الحرب العالمية الثانية , ألا تستحق ظاهرة الوعر العربي مؤتمرا يدرس هذا الغرق المجاني في دماء بعضنا البعض؟
يتداول ألأردنيون مثلا يقول : ((السلطي يمشي الوعر الوعر ، ويمشي رفيقه بالسهل)) ,
وقصة هذه العبارة التي أطلقها الشيخ نمر باشا العريق في عام ١٩٣١ , عندما سأل الملك عبد الله المؤسس الشيخان نمر باشا الحمود العربيات , والشيخ محمد باشا الحسين: (( الفرسه بالبلقا لمن ؟ )) , فكان جوابهم لابن عدوان , ثم قال : (( والكرم والطيب لمن ؟)) قالوا لعباد , فقال الملك : ((وش ضل لكم يالسلوط من بعد الفرسه والكرم ؟ )) , قالوا انت سألتنا عن غيرنا اسأل غيرنا عنا , بعد ذلك بفترة بسيطة التقى الملك بالشيخ نمر باشا العريق , وقال يا باشا سألت شيخين السلط عن الفرسه وقالوا لابن عدوان , قال صدقوا والله , وسألتهم عن الطيب والكرم وقالوا لعباد , فقال بارك الله بيهم انا ما اقول عن حالي
قال الأمير للشيخ نمر باشا : ((وش ظل للسلوط من بعد الفرسة والكرم يا نمر ؟ )) , رد الشيخ نمر: ((ظل للسلوط إلي أعظم من الفرسة والكرم )) , قال وش ظل يا نمر؟ , قال ((السلطي يمشي الوعر الوعر , ويمشي رفيقه بالسهل)) , فرد الملك : ((الله منكم يا أهل البلقاء ما حد يقدر عليكم )) .
وهكذا قد يتحمل دكتورنا الفاضل حوار الثقلاء , ويمشي الوعر الوعر , كي نمشي السهل السهل , فلله دره .