20 ديسمبر، 2024 4:41 ص

يصدح يوسف عمر على نغم مقام المدمي بما يشق القلوب ويدمي المحاجر عند قرائة قصيدة الحافظ ابراهيم :

(( لَقَد نَصَلَ الدُجى فَمَتى تَنامُ أهَمٌّ ذادَ نَومَكَ أَم هُيامُ

غَفا المَحزونُ وَالشاكي وَأَغفى أَخو البَلوى وَنامَ المُستَهامُ

وَأَنتَ تُقَلِّبُ الكَفَّينِ آناً وَآوِنَةً يُقَلِّبُكَ السَقامُ

تَحَدَّرَتِ المَدامِعُ مِنكَ حَتّى تَعَلَّمَ مِن مَحاجِرِكَ الغَمامُ

وَضَجَّت مِن تَقَلُّبِكَ الحَشايا وَأَشفَقَ مِن تَلَهُّفِكَ الظَلامُ

تَبيتُ تُساجِلُ الأَفلاكَ سُهداً وَعَينُ الكَونِ رَنَّقَها المَنامُ

وَتَكتُمُنا حَديثَ هَواكَ حَتّى أَذاعَ الصَمتُ ما أَخفى الكَلامُ

بِرَبِّكَ هَل رَجَعتَ إِلى رَسيسٍ مِنَ الذِكرى وَهَل رَجَعَ الغَرامُ

وَقَد لَمَعَ المَشيبُ وَذاكَ سَيفٌ عَلى فَودَيكَ عَلَّقَهُ الحِمامُ )) .

لاغرابة حين يكتب الحافظ ابراهيم هكذا كلام في الحب , فقد رأينا الشيخ علي الطنطاوي قد الف كتابا أسماه ( غزل الفقهاء ) , جمع فيه أبيات الغزل التي قالها الفقهاء والقضاة ورجال الحديث المشهود جميعا لهم بنقاء السريرة وحسن الديانة , ولسنا أتقى من ابن القيم وقد الف في الحب كتابا أسماه ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين ) , أو كتاب ابن الجوزي الذي سماه ( ذم الهوى ) , وابن حزم صاحب كتاب ( طوق الحمامة ) احد اشهر كتب الحب في تاريخ المسلمين , كما ان الفاضل التقي شهاب الدين بن احمد بن ابي حجلة اتحفنا بكتاب في الحب اسماه ( ديوان الصبابة ) وهو الذي شهد الناس بورعه وتقواه , وهاهو الخرائطي العابد الثقة الموسوعي يؤلف كتابه ( أعتلال القلوب ) , الذي نقل عنه ابن القيم وأبن الجوزي في كتابيهما آنفا .

 غَرِيبٌ هو الحُبُّ , واللهِ غريب , وقد يُودِي بالفارسِ الشُّجاع رِمشٌ رقيقٌ , يفعلُ به فعلَ السُّيوف القاطعة , فسبحان من أعطى الغزلان من النِّساء رقَّةً يصْطدنَ بها الأُسُود من الرِّجال , وسبحان من إذا ألقى محبةَ رجلٍ في قلبِ امرأةٍ , سكنَ عينيها فلا ترى سواه , وسكنَ قلبَها فلا يطيبُ لها نبض إلَّا به , وسكن رئتيها فكأنَّها تحتاجُهُ لتتنفَّس , غيرَ أنَّ هذا الحُبَّ وإن كان عُلْوياً سماوياً , وأرواحاً قد تعارفتْ فائتلفتْ , إلا أنَّ له قوانينه الأرضيّة التي تحكمه , فلا كبيرَ على الحُبِّ , وإنَّه إذا نزل بساحِ قلبٍ زَلْزَله , وقلَبَ كيان صاحبه رأساً على عقبٍ , وقد قرأت لميس خالد :  )) أنا الصوفي والزنديق , انا الممتلئ و الآجوف , انا الطفل الكهل , انا الذكي الخرف , انا كل شيء وعكسه  , كيف لروحي أن تسع كل هذا الشتات ؟)) .

يقول الصّوفيّ محيي الدِّين بن عربي : (( لقد صَارَ قَلْبِي قابلًا كلَّ صُورَةٍ/ فمرعىً لِغزْلَانٍ ودَيْرًا لرُهْبَانِ/ وبَيْتًا لأَصْنَامِ وكَعْبَةَ طَائِفٍ/وألواحَ تَوْرَاةٍ، ومُصْحَفَ قُرْآن/ أدِينُ بِدِينِ الحُبِّ أنَّى تَوَجَّهَتْ/ رَكَائبُهُ فالحب دِينِي وإيماني)) , يأتي الحب خفيا كدبيب النمل , وأجمله ماكان عفيفا , وأني اؤمن ان الحب يبقى من العوام فأذا ماتوجته العفة صار ملكا , و الحب ليس في العثور على شخص تعيش معه , بل في العثور على شخص لا يمكنك تخيل الحياة دونه , لا تقع في الحُب إلا مع شخص يجنّ إن تخللت أصابعك بين أصابع غيره , يسأل عن أسباب الخدوش في أطرافك ويراها بمثابة علامات لأيام مرّت على قلبك ,  يلاحظ أبسط تفاصيلك تلك التي قد تظن أنها غير مهمة , لكنه يراها كل شيء , يعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون.

التردد والحب لا يجتمعان , فهما مشروبان لا يمتزجان ,  اما أن تموت ارتواء أو تموت من الظمأ ,وفى الحب لا تستطيع أن تمسك العصا من المنتصف , ستخسر دائما المعركة والحب هو المنتصر , ولن تكون كالسكين الملساء تلمع فى يديك ولا تذبح, أنت رجل محب وعاشق اذن فأنت خنجر نافذيذبحك من الوريد الى الوريد وبزهو وفرح , وكما تقول سلمى حداد : ((كم عاشق شاخ بمسجدتسري به نار الجوى لمرقد حرمت عليه ترياقي وكوثري , لو ردد بصلاته اسمي على مسمعي كل السجود وان طال لن ينال مني مرجعِ ,
قد حجبت عنك مفاتني فانا لن اكون لغيره الا تعِ ؟ عيناه اطهر قبلتين ففي شرع الهوى بسواه لن التقي, قد صمت عن دين الغرام بابي , فتحت جلدي اضحى نبي )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات