(( القشة التي قصمت ظهر البعير)) , هذه الحكمة الشهيرة تعبر عن أنه حتى أصغر الأشياء يمكن أن تكون لها تأثير كبير إذا تراكمت أو تجمعت , يُشير ذلك إلى أن الأخطاء أو الإهمالات الصغيرة قد تؤدي إلى نتائج كبيرة وربما تكون مدمرة , فلا تحمل نفسك فوق طاقتها وتتحمل كل شيء ظنا منك ان ذلك هو الصواب , لأنك ستكون مثل البعير الذي حمل ما لا يطاق فأصبح أهون شيء وهو القشة , تقصم ظهره , لأنه حمل ما لا يحتمل حتى سقط معه بنفس المحل.
يحكى أن رجلًا كان لديه جمل فأراد أن يسافر إلى بلدة ما فجعل يحمل أمتاعا كثيرة فوق ظهر ذلك الجمل حتى كوم فوق ظهره مايحمله أربعة جمال فبدأ الجمل يهتز من كثرة المتاع الثقيلة حتى الناس يصرخون بوجه صاحب الجمل: يكفي ماحملت عليه , إلا أن صاحب الجمل لم يهتم بل أخذ حزمة من تبن فجعله فوق ظهر البعير وقال هذه خفيفة وهي آخر المتاع , فما كان من الجمل إلا أن سقط أرضًا , فتعجب الناس وقالوا قشة قصمت ظهر البعير, والحقيقة إن القشة لم تكن هي التي قصمت ظهره , بل إن الأحمال الثقيلة هي التي كسرت ظهره الذي لم يعد يحتمل الأمر فسقط على الأرض , ويوضح المثل بأنه حتى البعير القوي الشديد , القادر على أن يحمل على ظهره قدرًا كبيرًا , يصل حدًا قد تؤدي زيادة قشة واحدة فوق حمله , إلى كسر ظهره وهلاكه ,أي يجب عدم الاستهانة بصغائر الأمور.
((القَشَّةُ التي قَصَمَت ظَهرَ البَعير: الشَّيءُ البسيطَ الذي أدَّى إلى حدوث الكارثة)) يحدث الإنفجار لأتفه الأسباب , وتكون قوته على قدر التحمل السابق له , وتراكم الضغوط والتجاوزات, يحدث على حين غرة , لا يتوقعه صاحبه , ولا يتوقعه من حوله أيضاً,
يحدث عندما يتجاوز التحمل السعة النفسية , فتُصم الآذان وتختنق المشاعر وينقبض القلب فلا يشعر الإنسان بما ينطق أو يفعل, فلاتفرحوا كثيراً بوجود من يتحمل لأجلكم , كي يبقى الود لأجل البر , ولاتطمئنوا لعدم مقاومتهم لكم , فَتُحَمِّلُوا وتتحاملوا عليهم , لإنكم إن لم تتراجعوا عن فعلكم فسيحدث الإنفجار لا محالة وسيكون بسبب لن تتوقعوه , كالقشة التى قصمت ظهر البعير.
بينما تعد الأمثال الشعبية ترمومتر الثقافة فى كل دولة , تشتهر ألأمم بأمثال شعبية وأقوال قد تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى , ولكن إذا تعمقت في الكلام فستجد أن مضمونها يحمل دلالات ومعاني عميقة , فالمثل الشعبي هو قصة حياة ترويها الأجيال , وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان , كما أن المعنى والمغزى من المثل الشعبي الذي تردده الألسن , لا يخلو من بلاغة التشبيه والإيجاز والاستعارات والكلام المسجع , للوصول إلى المقصود من دون قصور.
أحد قوانين ((الديالكتيك)) يقول: (( إن التراكمات الكميّة تتحول في لحظةٍ ما إلى تحولات نوعية)) , ويُعطي مثلاً على ذلك بأن الماء حين يصل درجة الغليان , يتحول إلى بخار, ولعلها نفس الفكرة التي عناها القول عن القشّة وظهر البعير , وهو مثل يشير إلى حدث صغير يحدث أثرًا كبيرًا (معنويًا عادةً) ليس بذاته فقط بل لأنه جاء بعد تراكم كثير من الأحداث. كالبعير الذي يُحمَّل الأحمال الثقيله حتى لم يعد يحتمل شيئًا آخر, ثم تضع فوقه حملًا صغيرًا (كالقشة مثلًا) فينقسم ظهره , ظاهريًا بسبب القشة , ولكن حقيقةً بسبب عدم مقدرته على حمل كل الأحمال السابقة , أصل هذا المثل من اللغة الإنجليزية, فهو ترجمة حرفيّة من The straw that broke the camel’s back , والتعبير معروف في اللغة الإنجليزية قبل العربية , وارتبط أول أمره بالحصان لا بالجمل, ثم استعمل للجمل الذي يعرف في الثقافة العالمية بأنه حيوان صحراوي شديد التحمل , فليس بغريب أن يستعمل في التعبيرات الإنجليزية.
قيل في تفسير القش (( ما يتخلَّف من القمح والأرز ونحوهما بعد استخراج حبِّه , ما صغُر ودقّ من يبيس النَّبات (احْذَرْ تقريب النار من القَشّ) , (الغريق يتعلّق بقَشَّة) وهو مثل اجنبي يماثله في المعنى المثل العربيّ : (يتعلّق الغريق بحبال النور) , (القشَّة التي قصَمت ظهرَ البعير) : تعبير يُراد به أن سببًا بسيطًا عندما يُضاف إلى أسباب سابقة يؤدِّي إلى انفجار وتوتُّر, (رَجُلٌ من قَشّ): أي يتعلّق بأيّ شيء مهما كان تافهًا لإنقاذ موقفه )) .
وجدت أنَّ أقدم استعمال في الإنجليزية كان في عام 1677م , وهو (( إنها الريشة الأخيرة التي كسرت ظهر الحصان )) , وفي 1799م , (( إنها القشة الأخيرة التي ناءت بالجمل)) , وذُكر أن هذا مثل شرقيّ , ولعل ربطه بالشرق بسبب ذكر الجمل مع أن الجمل معروف في أستراليا وغيرها , وفي عام 1832م. ((إنها الأوقية (ounce) الأخيرة التي كسرت ظهر الجمل )) , وفي 1836م , (( آخر قشة ستكسر ظهر الجمل )) , وفي 1848م , ((كآخر قشة تكسر ظهر الجمل المثقل)) , وفي 1876م , ((هذه الريشة الأخيرة كسرت ظهر الجمل)) , ووردت صيغ أخرى تستعمل ظهر الحمار وظهر القرد.
وفي العربية كنايات مختلفة عن تجاوز الحد , منها (( قد بلغ السيل الزبى… قد جاوز الحزام الطبيين…التقى البطان والحقب … التقت حلقتا البطان )) , وقريب من ذلك (( من يزاد غما على غمه , منه قولهم : (( ضِغْثٌ على إبّالة. الضِّغْث : الحزمة الصغيرة من الحطب، والإبالة: الكبيرة )) , ولعله ينتهي بنا التحرير أن هذا التعبير لّيس عربيًا وإن اشتمل لفظه على البعير. ومن مرجحات هذا أن الحمل لا يقصم ظهر البعير بل يعقر قوائمه حتى يخر على الأرض , والقصم للأغصان ونحوها.