يقول الثعالبي :  فِطْنَة الْأَعْرَاب يُضْرب بهَا الْمثل , وذلك لصفاء أذهانهم , وجودة قَرَائِحهم , وذكر ابن الجوزي قول الحُكَمَاء : (( الخَلْق المعتدل , والبِنْيَة المتناسبة , دَلِيلٌ على قُوَّة الْعقل وجودة الفِطْنَة )) , وفي الذخائر والعبقريات للبرقوقي , قال بعض الحُكَمَاء: (( اعلم أنَّ مِنْ يقظة الفِطْنَة , إظهارُ الغفلةِ مع شدَّة الحَذَر)) , وقيل في الأمثال المولدة لأبي بكر الخوارزمي : (( الكَرَم فِطْنَةٌ , واللُّؤم تَغَافلٌ )) , وقيل : البصيرة الفِطْنَة , تقول العرب : ((أعمى الله بصائره. أي: فِطَنَه)) , وعن المجالسة وجواهر العلم للدينوري , كان عمر بن هبيرة يقول : (( اللهمَّ , إنِّي أعوذ بك من طول الغفلة , وإفراط الفِطْنَة , اللهمَّ , لا تجعل قولي فوق عملي , ولا تجعل أسوأ عملي ما قَرُبَ مِنْ أجلي )) , وفي العقد الفريد لابن عبد ربِّه , قال معاوية : (( العقل مِكْيالٌ , ثلثه فِطْنَةٌ , وثُلثاه تغافلٌ )) , ومن العقد ايضا قول ابن القيِّم : ((من دقيق الفِطْنَة: أنَّك لا تردُّ على المطَاع خطأه بين الملأ , فتَحْمِله رُتْبَته على نُصْرة الخطأ , وذلك خطأ ثان , ولكن تلطَّف في إعلامه به , حيث لا يشعر به غيره)) , وقال المتنبي : (( لا يُدْرِكُ المجْدَ إلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ *** لِمَا يَشُقُّ على السَّادَاتِ فَعَّال لا وارثٌ جَهِلَت يُمْنَاه ما وَهَبَت *** ولا كَسُوبٌ بغير السَّيف سَئَّالُ )) .

عرف عن بعض الأعراب الذكاء الشديد و قوة الفطنة , وفي نفس الوقت عرف عن بعضعم السذاجة المفرطة التي تصل الى درجة الحمق في بعض الأحيان , و قد تكاثرت الروايات عن قصص بعض الأعراب , وكتبها بعض العلماء في كتبهم ومنها , في الحلال و الحرام قال أعرابي للقاضي إياس بن معاوية : لو كنت أكلت التمر هل تجلدني ؟ قال : لا , قال : لو شربت الماء هل تجلدني؟ قال : لا , قال : فشراب النبيد منها فكيف يكون حراما ويجلد شاربها ؟ قال اياس : لو ضربتك بالتراب على رأسك هل يوجعك؟ قال : لا , قال: لو صببت عليك قدرا من الماء هل ينكسر رأسك ؟ قال : لا , قال : لو مزجت الماء والتراب و صنعت منها طابوقة صلبة وضربت بها رأسك كيف يكون , قال : ينكسر الرأس , قال اياس: كذلك النبيذ.

قرأ ألأصمعي من سورة النساء : ( والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم ) , فقال له اعرابي لأول مرة يسمع الآية : كلام من هذا ؟ فقال الأصمعي : كلام الله , فقال له الأعرابي : لو غفر ما قطع , فرجع الأصمعي الى المصحف فأذا هي ( عزيز حكيم ) لا ( غفور رحيم ) , فأخذ يردد : لو غفر ما قطع , لو غفر ما قطع , وكان أعرابي يقول: اللهم اغفر لي وحدي فقيل له : لو عممت بدعائك فإن الله واسع المغفرة , فقال: أكره أن أثقل على ربي ,  وعن الأصمعي : حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس ,  ودعا أعرابي بمكة لأمه فقيل له: ما بال أبيك ؟ قال: ذاك رجل يحتال لنفسه.

في القضاء و العقاب : جيء برجل الى أحد الولاة لمحاكمته على تهمة ,  فلما دخل على الوالي في مجلسه , أخرج الرجل كتابا قد أدرج فيه قصته وقدمه للوالي وهو يقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه , فقال الوالي : انما يقال هذا يوم القيامة , فقال الرجل : هذا والله شر من يوم القيامة , ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي ,أما أنتم فقد جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي , وعن الأصمعي قال: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار , فأصابهم ريح عاصف , يئسوا معها من الحياة , ثم سلموا , فأعتق كل رجل منهم مملوكاً , فقال ذلك الأعرابي : اللهم لا مملوك لي أعتقه , ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً

ظفر المأمون برجل كان يطلبه , فلما دخل عليه قال : يا عدو الله أنت الذي تفسد في الأرض بغير الحق ؟ يا غلام خذه إليك فاسقه كأس المنية , فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تبقيني حتى أؤيدك بمال , قال: لا سبيل إلى ذلك , فقال: يا أمير المؤمنين فدعني أنشدك أبياتاً , قال : هات , فأنشده : (( زعموا بــأن الباز علَّقَ مـرة عُصفور برٍّ سـاقه المقــدورُ, فتكلم العصفور تحت جِناحه والباز منقـضُّ عليـه يطيرُ , ما بي لما يغني لمثلك شـَبْعةً  ولئـن أُكلـتُ فإنني لحقيــرُ , فتبسـم البازُ المُـدِلُّ بنفسه كرماً وأُطلق ذلك العصفورُ)) , فقال له المأمون : أحسنت , ما جرى ذلك على لسانك إلا لبقية بقيت من عمرك , فأطلقه وخلع عليه ووصلهُ.

انفرد الحجاج يوما ً عن عسكره فلقي أعرابيا ً فقال : ياوجه العرب كيف الحجاج ؟
فقال : الظالم الغاشم , فقال : فهل شكوته الى عبد الملك , فقال : لعنه الله أظلم منه وأغشم  , وأحاط به العسكر , فقال أركبوا البدوي , فسأل عنه فقالوا : هو الحجاج , فركض من الفرس خلفه , وقال ياحجاج , قال : مالك ؟ قال : السر الذي بيني وبينك لايطلع عليه أحد فضحك وخلاه  , وعاد رجلٌ أعرابي مريضاً , فقال له: ما عِلَّتُك ؟ , قال : وجعٌ في الركبتين , فقال له : والله لقد قال (جرير) بيتاً من الشعر ذهب مني صدره وبقي عجزه , وهو قوله: ليس لداء الركبتين طبيبُ , فقال له المريض : لا بَشَّرَك الله بالخير ليتك ذكرتَ صدره ونسيتَ عجزه , وحضر أعرابي مجلس قوم , فتذاكروا قيام الليل , فقيل له :يا أمامة أتقوم الليل؟ قال: نعم قالوا: ما تصنع ؟قال: أبول  , وأرجع أنام .

أحدث المقالات

أحدث المقالات