كتب صاحبنا تحت عنوان همسة مثقفة: (( حين كنت اهوى امراة تحب الفجر واغاني فيروز كنت اشعر بان الدنيا ربيع دائم , ولكن حين صرت انتظر طبخ الفاصوليا في القدور التقليدية ادركت ان الحياة بليدة )) , يحيرنا هذا الثمانيني , ولكن لندعه يكمل بوحه , فالأرواح حين تحب لا تملك حق الإختيار, يُحكى أن جلال الدين الرومي سُئل عن تعريفه للسُّم , فقال : (( هو كلُّ شيءٍ يزيد عن حاجتنا , قد يكون القوة , أو الثروة , أو الجوع , أو الطمع , أو الحب , أو الغرور, أو الطموح , أو الكراهية , أو الكسل , أو أيَّ شيءٍ آخر)) .

 

يقول المثل الإنجليزي المشهور : (( ((If you don’t belong, don’t be long ,

إذا لم تشعر بالانتماء فلا تطل البقاء , وتعني إذا لم تشعر بقيمتك في المكان الذي أنت فيه , أو عند الشخص الذي تحبه , لا تكمّل , وأنت تملك خيار الرحيل , لا تستنزف وقتك ومشاعرك ونفسك بالمجان , لأنها ستتحول في المدى البعيد إلى ذكريات مؤلمة تحاصر أيامك وتساهم في تغيير مجرى حياتك )) , فهل لك في قرار كهذا ؟ وخل في البال ان الذين كانوا يرفعون لافتة (( يا بابا لا تسرع , الموت أسرع )) حوّلوها الآن إلى (( بابا لا تُسرع , الماما تأخذ غيرك )) .

تقول الشاعرة الأمريكية تيس غالاغر في قصيدتها المكتوبة بالأنجليزية : (( دخلت هذا العالم وأنا لا أريد أن آتي إليه , وسأغادره وأنا لا أرغب في الذهاب عنه , كل هذا الوقت , عندما بدا لي أن ثمة بابان , كان هناك بالحقيقة , باب واحد فقط للمرور من خلاله )) , وعلى نحو مماثل يقول صلاح چاهين في احدى رباعياته :
(( مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل , لادخلتهـا برجليا ولا كــان لي ميــل ,
شايلني شــيل دخلت انـا في الحياة , وبكره ح اخرج منهـا شايلني شيــل ,عجبي)) ,

فهلا أخترت بين أمرأة الفجر وبين طبخ الفاصوليا مادام باب الخروج منفردا ؟

تأخر بوحك , كان عليك ان تعرف وأنت العارف ان الأقنعة ستسقط دائما , مهما طال العرض , وأنت تذكرني بعتب العباس لأبن أخيه : (( لم أرفعك في شيء الا رجعت الي مستأخرا بما أكره, أشرت عليك عند وفاة رسول الله ان تسأله فيمن هذا الأمر , فأبيت, وأشرت عليك بعد وفاته ان تعاجل الأمر فأبيت , وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى ألا تدخل معهم , فأبيت , أحفظ عني واحدة , كلما عرض عليك القوم فقل لا , الا ان يولوك , وأحذر هؤلاء الرهط فأنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر , حتى يقوم لنا به غيرها , وأيم الله لا يناله الا بشر لا ينفع معه خير)) .

 

هذا التعبير البسيط الذي نشرته يخفي ألما أو آلاما هائلة , ولكنها جاءت خريفية متأخرة , أما قرأت ماكتبه الأديب العالمي ألبير كامو في روايته (( la chute )) :, (( إن الرعب الحقيقي في الوجود ليس الخوف من الموت , بل الخوف من الحياة , إنه الخوف من الإستيقاظ كل يوم لمواجهة نفس الصراعات , نفس الخيبات , نفس الألم , إنه الخوف من أن لا يتغير أي شيء أبدا , وأن نكون عالقين في دائرة من المعاناة التي لا مفر منها , وداخل هذآ الخوف تنشأ رغبة , رغبة في شيء , أي شيء يكسر الرتابة , ليمنح معنى للتكرار , الذي لا نهاية له للأيام )) .

 

أوسكار وايلد َ, في كتابه (( من الأعماق … رسائل أوسكار وايلد من السجن )) , يقول : لم أعد أوافق أو أعترض في هذه الأيام , فقد وجدت أن هذه فلسفة سخيفة نواجه بها الحياة , هُناك لحظات يجبُ على المرء أن يختار ما بين أن يحيى حياتهُ بالطريقة التي يُريدها كُليا بحُرية تامة , أو ما بين أن يُجر ليحيى حياة ضحلة كاذبة تتطلب الكثير من النفاق والمُداهنة للاستمرار )) , وشكسبير يقول : (( الجلوس مع شخصيه واعيه راحه ومتعه عظيمه , حتى وإن خالفك الرأي , فانهُ يفتح لكَ آفاقًا جديده )) , فمن الطبيعي حنينك لدنيا الربيع الدائم , ورفضك للبلادة .

 

نشرت كاتبة اسمها شمس الشموس : (( تمر بنا الحياة ولا نفيق , إلا عند ما نجد قطار العمر قد مر بنا ,هناك مقولة رافقتنا تقول , أن الغد أجمل , حتى كبرنا واكتشفنا أن الجمال الحقيقي , كان بالأمس وليس فى الغد )).

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات