أناوح المندلاوي الجميل بما قاله كريم العراقي : (( لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ … لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ , وأذكره بما قاله الدكتورابراهيم ناجي : (( لا تبكها ذَهَبَت ومات هواها في القلبِ متسعٌ غَداً لِسواها , أحببتُها وطويتُ صفحتَها وكم قَرَأَ اللبيبُ صحيفةً وطواها )) , ثم : (( هيَ قِصَّةُ الدُّنيا وكَم مِن آدمٍ مِنّا , لَهُ دَمْعٌ على حَوّاءِ )) , وأردف مع أبي تمام : (( البينُ جرعني نقيعَ الحنظلِ والبينُ أثكلني وإنْ لم أثكلِ , ما حسرتي أنْ كدتُ أقضي إنّما حَسرَاتُ نَفْسي أنَّني لم أفْعلِ , نقلْ فؤدكَ حيثُ شئتَ من الهوى ما الحبُّ إلّا للحبيبِ الأولِ , كم منزل في الأرضِ يألفه الفتى وحنينُه أبداً لأولِ منزلِ )) .

غَلْطَةُ الْعُمْرِ : الخَطَأُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الإِنْسَانُ وَيَتَحَمَّلُ نَتَائِجَهُ طُولَ حَيَاتِهِ.

غلطة مرت , وها أنت تجرُّ القدمَ تلو القدم , ومقلتاك مثقلتان بخطأ ألأختيار , فماجدوى قميصكَ قدّهُ الفشلُ , وتعرّتْ ضفافُكَ كلّما مرَّ العاشقون , وتتسائل (( مَاذَا لَوْ جَعَلْنَا الْوَقْتَ دَائِرَةً , مَاذَا لَوْ اقْتَرَحْنَا حَاسَّةً سَادِسَةً , نَتَذُوقُ طَعْمَ وُجُودِنَا , نَسْمعُ الْأَغَانِيَ الْبَرِّيَّةَ , نَشَمْ عِطر فَعَلَتِنَا , نَلْمِسُ مَكَامِنَ السُّطُورِ , نُبْصِرُ اللَّيْلَ , نُمْسِكْ أَطْرَافَ الْقَلْبِ , وَنَلْتَف مِثْلَ حِكَايَةٍ , تشبهُ الوقت )) .

 

كثيرا ما تتهلل الروح بآيات حضوره البعيد , فتسهم بإبعاد رهبة مراسيم الكتابة المنقوعة بألم الغلطة , وأنا تعجبني فكرة أن نمحي الغلطة من أجل أن تستمر المحبة , وليس أن نمحي المحبة من أجل غلطة , ويبدو ان لمحمود درويش غلطته أيضا , هاهو يتذكرها بأجمل قطعة شعرية : ((عيونِك شوكةٌ في القلبِ توجعني… وأعبدُها , وأحميها من الريحِ , وأُغمدها وراء الليل والأوجاع… أُغمدها فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ , ويجعل حاضري غدُها أعزَّ عليَّ من روحي , وأنسى , بعد حينٍ , في لقاء العين بالعينِ , بأنّا مرة كنّا , وراءَ الباب، اثنين )) .

 

أنت تستشهد بالأغنية ((تايبين وللمحبة ما يرجعنا الحنين , غلطة ودفعنا ثمنها اجمل ايام السنين )) , وهذه لم تكن سوى انفلاتات الروح من زوايا القلب والجسد لعبور مستحيل الكتابة , كوهم موشك على الانتحار , فالليل على وشك الانتهاء , وأنك بحاجة لصدى يعلنك حضورا لا يعرف الأفول , وبعيدًا عن مثقلات الهموم , وها انت تشكر روحك التي
جعلتك تهذي , وتشكر تلك الحدقتين , وهي تؤم محرابك بسماحة ودعة , شكرًا عميقة تطوق الجنبين .

ولتجاوز محبطات الروح , أدعوك لسياحة مع أدونيس الذي كتب : (( سأسافرُ في موجةٍ في جَناحْ , سأزور العصور التي هجرتْنا , والسماءَ الهُلاميّة السابعهْ , وأزور الشفاه , والعيونَ المليئةَ بالثلج والشفرةَ اللامعه , في جحيم الإِلهْ , سأغيب سأحزم صدري , وأربطُه بالرّياحْ , وبعيداً سأتركُ خطويَ في مفرقٍ , في متاهْ )) , تعود بعدها لتقتني قارورة عطر باريسية , وسيجلجل ذاك العطر في أعطافك , لتعود مثقلا بشتلات العشق , وستجد النفس تنهمر كقصيدة تتفيأ ظل من ضيعت .