يريد المندلاوي الجميل أن يريح ركابه , ويبحث عن المخلص في محطة استراحته التي اسماها (( اسطورة العقم والحبل )) , ويخاطب حبة قلبه ببيت شعر الجواهري (( ياسامر الحي ان الدهر ذو عجب ..اعيت مذاهبه الجلى على الفكر)( , فنزيد له : ((ياسامرَ الحي بي شوقٌ يرمِضٌني ..إلى الَّلذاتِ, إلى النجوى إلى السمَرِ , ياسامر الحي حتى الهم من دأبٍ .. عليه آب إلى ضربٍ من الخدَرِ, ياسامر الحي بي داءٌ من الضجَرِ..عاصاه حتى رنينُ الكأس والوترِ , لا أدَّعي سهرَ العشاق يشبعَهُم ..ياسامرَ الحي بي جْوع إلى السهَرِ)) .
يشكو شيخنا بؤس الحال ويتمنى أن يقيم القيامة للفاسدين , تذكرت حينها كلمة شهيرة لهوشي منه : ((لا يوجد بيت مدمر , أو حجر مبعثر , أو يد مبتورة , أو أم ثكلى , أو أمة مشوهة , إلا وستجد للولايات المتحدة الأمريكية أثراً فيه , ومع ذلك عندما يغادر ألأميركان فيتنام فسنودعهم بالزهور )) , ليتبعها قسم محمود درويش الشهير : ((وأقسم , من رموش العين سوف اخيط منديلا , وأنقش فوقه شعرا لعينيك.. وأرسم حين اسقيه فؤادا ذاب ترتيلا , يمد عرائش الأيك , سأكتب جملة اغلى من الشهداء والقبل : فلسطينية كانت ولا تزل )) .
كلنا مثلك نريد ان نصعد للسماء لنشكو ما حل بنا , ولكن يبدو ان سياسيي العراق حفظوا على ظهر قلب جميع المفردات في قاموس السرقة والعمالة والطائفية , ولم يفوتهم منها شيئا , فباتوا أشد أبالسة من ابليس نفسه , وعندما تتصدى لحرامي بما تيسر لديك من وسائل دفاع , الأنذال فقط هم من يشمتون في ضعف أدواتك , لأنهم لا يعرفون بالمرة معنى قوة شرف موقفك , فتنطبق هنا المقولة الشهيرة لإبن خلدون : (( في إفريقية وافق او نافق او غادر البلاد)) .
يقول غاندي : (( متى يفقد الإنسانُ شرَفهُ ؟عندما يأكلُ من خيراتِ بلدهِ و ينتمي الى بلد آخر )) , لكن المؤلم ان هذا الجيل أو ألأمل قد فقد خيرة عناصره ما بين اقبية التعذيب والتغييب ومطاحن الأقصاءات والتصفيات , وماتبقى منه غير أنفار يعاني اغلبها القنوط مما الت اليه خواتيم الامور ليأتي نداء شيخنا لسرور بصراحته ووضوحه منصفا لأرواح كل أولئك الذين ازهقت ارواحهم عبثا تحت طائلة قرارات متخبطة لقيادات متنافرة البوصلات , فأهون على شيخنا بكلام حكمة كنت قد قرأته : (( إذا رأيتَ للأقزام ظلًا طويلاً , فاعلم أن الشمس قد شارفت على المغيب )) .
كتب ابراهيم البهرزي : (( قال لي من أحب ُّ , والبينُ قد جَدَّ , وفي مهجتي لهيب ُالحريقِ
مالذي في الطريقِ تصنع ُبعدي ؟ قلت ُأبكي عليكَ طول الطريق )) , و(( كل الايام مريرة نخادعُ اللسان لاجل الكلمة الحلوة التي لابد منها لاحتمال الايام )) , (( وانت تريد ان تقنع هؤلاء بأنك لست َعدوّهُم , كل هؤلاء الغاضبين الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك ايضا , لمجرد انك لم تغضب , أنت تريد ان تكون آمناً ولاتدري ان هذا يغضبهم اكثروهكذا حتى تغضب يوما )) , (( واناعندي من الألم ما يواسي امهات الحروب , عندي بندقية محشوة بالأيتام أصوب نحو السماء , يسقط الريش فتطير الأحلام)) .
ندعو مع شيخنا الجليل , ونحن مفتوحي زياج الصدور ونصرخ بجاه حبة القلب (( سرور )) , باحثين عن بطل يجلب الخير كل الخير , بطلا حقيقيا يعبر (( نهر الروبيكون )) ,
ذلك المصطلح الذي سمعته اثناء عملي في أيطاليا , والذي يعني عدم المقدرة على العودة إلى الوراء , ومرجعه حادثة عبور يوليوس قيصر هذا النهر, والدخول إلى روما بجيوشه , ما أدى إلى اشتعال الحرب الأهلية , ومن ثم تكريسه حاكماً دائماً وإلى الأبد للإمبراطورية التاريخية.