18 ديسمبر، 2024 8:57 م

مقامة العراق , تتبغدد

مقامة العراق , تتبغدد

أنت العراق الى متى تحني القفا؟      عمر العراق رجاله ما حدبوا

ثكلتني أمي ان تكن انت الذي        بالأمس أعرفه الرهيب الأهيب.

 

كم مضى من زمن عندما أمسك كولن باول بأصبع ملوية أنبوبة بها سائل ملون قدمها بينة لا تدحض على امتلال ألعراق اكداسا من أسلحة الإبادة بالجملة تنتظر اللحظة المناسبة لنشر دمارها ضد الغرب المتطور؟ طبعا ,كانت أكذوبة, قناعا أعد بوعي لتبرير ما يدبر لاحقا , حيث دفع عشرات ملايين المواطنين في أرجاء الشرق الأوسط , من حرياتهم وحيواتهم وأشواقهم لما يزيد قليلا عن الحق الكوني لأن ينالوا وأسرهم حرية الحياة , ثمنا لهذا (( الكشف الاستخباراتي المتحصل بصعوبة)) .

 

لو تأملنا حديث كنعان مكية مع جريدة الشرق الأوسط: ((غلطتي الكبيرة كانت أنني أسأت تقدير المعارضة العراقية التي اشتغلت معها ودعمتها بعد حرب 1991, لم أكن أتخيّل على سبيل المثال أنه لا يوجد واحد من أحزاب وشخصيات المعارضة المختلفة الذين تعرفت عليهم جميعاً , لا يوجد بينهم أحد لديه نفس عراقي أو حس وطني , لو تلاحظ أن كل الجماعات التي صارت جزءاً من مجلس الحكم مع بول بريمر لم يكن حتى اسم العراق موجوداً في أسمائها, عدا المؤتمر الوطني العراقي , غلطتي كانت أنني لم أقيّم هذه القوى في حينه ولم أحس بضعف وحتى غياب حسّهم الوطني العراقي)) .

 

لقدعرف غسان ماأكتشفه جيفارا قبله : ((كلهم كاذبون يا رفيقي , لا المطرب العاطفي عاشق , ولا المذيع المُتحمس يُحب وطنه , ولا رجل الدين يعرف الله , نحنُ منبوذون لأننا لسنا منهم )) , انهم محض غرباء حلوا في بلد غريب جاءوا في سياحة استثمارية , عندما كنا صغار كان لكل شيء رائحة كانت توجد رائحة الدخول المدرسي , رائحة نهاية الأسبوع , رائحة القيلولة و بعد العصر , رائحة الصباح الباكر ,  هل كبرنا و ضعفت حواسنا ؟ ام ان الروائح لم يصبح لها وجود؟ لم اعرف ان للذاكرة عطرا انه عطر الوطن .

 

رحم الله ابا خالد حين وصف حال الوطنيين :

(( ياصبر أيوب لا ثوب فنخلعه ان ضاق عنا , ولا دارا فننتقل

لكنه وطن أدنى مكارمه ياصبر ايوب انا فيه نكتمل

وأنه غرة الأوطان أجمعها فأين من غرة الأوطان نرتحل

ام انهم أجمعوا ألا يظللنا في أرضنا نحن لاسفح ولا جبل)) .

 

الخلاصة كتبها أحدهم : إذا كان العلم والتكنولوجيا قد حول المحافظة على شرف البنت إلى أمر نسبي جداً, ولا يساوي سوى بضعة سنتات, الا أنه لم يخترع وسيلة لمحو عار فقدان الشرف الوطني ,الذي تحاول دوائر كثيرة  ولها مصلحة في ذلك أن تسفه مفاهيم الولاء الوطني والقومي , فأطلقوا كلمات للسخرية والاستهزاء ((قومجي/ وطنجي)) في مسعى خائب بلغ درجة خيبته أنه لا يعادل غشاء البكارة الصيني , فمصطلح الخيانة العظمى ما زال سائداً في القوانين الجزائية , لكافة بلدان العالم وهو عار لا تغسله مياه كل بحار العالم.

 

وطن تعرض الى الاستباحة من قبل جيوش اجنبية اسقطوا نظاما سابقا واستولوا على موجودات هذا الوطن , وجيء بمجموعات بشرية موالية لتلك الجيوش لتحكم الوطن , وفق عقائدهم وسياساتهم ومخططاتهم التي سرعان ما عرف اهل الوطن نوايا هذه المجموعات واهدافها والى اين تريد ان تصل , فعمت الفوضى والارباك وانتشر السوء وتقوضت الحقائق وتحسس الناس الحجم الكبير للخديعة والوهم ,

وفي أعتراف متأخركتب أندرو .أس .كوبر كتاب سقوط السماء قال فيه :(( عندما دعم الأميركيون الأحزاب الأسلامية, لم يكونوا قد أدركوا المراوغه التي يتمتع بها رجال الدين وقدراتهم على حرف المواقف وعكسها)) .

بلد يعرف معظم عقلائه طبيعة علّته, غير أنهم مع ذلك, يتجاهلونها, إما لتعصّب متمكّن في النفوس أو مصالح مرتبطة بالنفوذ والجيوب أو إنكار نابع من غريزة البقاء, وهكذا فأن جميع الذين التقطتهم المخابرات الأمريكية من مقاهي لندن وطهران ودمشق وعمان والرياض , وأجلستهم على الكراسي المذهبة, وهي تعلم علم اليقين بأنهم أسوأ العراقيين وأرخصُهم , وأكثرهم فسادا وجبنا وانتهازية واستعدادا فطريا للخيانة, وهي التي لا يناسبها ولا يرضي مخططاتها عراقيون وطنيون رجال شجعان وشرفاء لا يسكتون عن باطل ولا ينافقون ولا يختلسون.

سلاماّعلى قلوب قرأت ((وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) , فأيقنت أنها أيام وليست شهور ولا أعوام وترحل معها الآلام , سلاماّ على صدور تدبرت (( ‏وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا )) , فأيقنت أن صاحب الدعاء لا يشقي أبدا , سلاماّ على أرواح اوجعتها الجراح , واثقلتها الهموم والأحزان , فكتمتها بكلمة (( الحمد لله )) , سلاما على من آمن أنه طال الزمان او قصر, سنضحك , سنفرح , سنغني , سنرقص , لأن العراق يليق بنا , وبغداد تتبغدد مهما خيم الظلام , لانها بنت الشمس والنور وحاضنة الحب والفن والجمال .