((فقل للشامتين بنا افيقوا ….سيلقى الشامتون كما لقينا ))
أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه , وقيل الشماتة : سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار, وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد , وقد عرف الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو الشماتة : (( ابتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين , والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو وملائم )) , كما ذكر الفيلسوف أرتور شوبنهاور الشماتة قائلا : (( أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني , أن تستمتع بالشماتة هو أمر شيطاني )) .
قال ابن الكلبي: لـمَّا مات رسول الله , شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت , وخَضَّبن أيديهن , وأظهرن السُّرور لموته , وضربن بالدُّفوف , فقال شاعر منهم :
(( أبلغ أبا بكر إذا ما جئته أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام
أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام
فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم كالبرق أَوْمَض من متون غمام)) .
يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابه : عندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين تتكون الشماتة كردة فعل كونية , وحتى صحية , لا يمكن التحكم بها أو كبحها : ((والتي تؤشر إلى ردة فعل الانشراح المخجلة التي نشعر بها عندما يحدث شيءٌ سيءٌ إلى شخصٍ آخر بدلاً منا )) , ثم يعطي مثالاً ويكتب : (( الأناس لا يتمننون السوء لأصدقائهم , ولكنهم لا يمكنهم إلا أن يشعروا برعشة من الجذل لأن الأمر السيء حدث لشخص آخر لا لهم )) .
((لولا شماتةُ أعداءِ ذوي حسَدٍ أو اغتمامُ صديقٍ كان يرجوني
لما طلبتُ من الدنيا مراتبَها ولا بذلتُ لها عرضي ولا ديني)) .
الشماتة بالمصائب والابتلاءات التي تقع للغير ومنها الحوادث والموت , ليس خُلُقًا إنسانيًا ولا دينيًا , والشامت بالموت سيموت كما مات غيره , وقد ورد في سورة آل عمران عندما شمت الكافرون بالمسلمين في غزوة أحد: (( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)) كما حذرالنبي: (( لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك)) فالشماتة والتشفِّيَ في المُصاب الذي يصيب الإنسان أيًّا كان مخالفًا للأخلاق والفطرة الإنسانية السليمة , فعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ لا الفَرَح والسرور.
((وقل للشامتين صبرا فإن نوائب الدنيا تدور .. إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم )) .
أن الشماتة ليست شيئا نتعلمه , بل هي جزء من جهازنا النفسي , لكن على الرغم من تلك التأثيرات المتنوعة للشماتة بين البراءة الشديدة (غيرة الأطفال) والخبث الشديد (السعادة الغامرة لموت آخرين) , ولو بصورة غير عادلة فقط لأنهم ينتمون إلى جماعة لا ننتمي إليها فإننا لا نفهم بعد جذورها.
(( فقل للذي يبدي الشماتة جاهلاً سيأتيك كأس أنت لا بد شاربه
يا أيها المبدي الشماتة انتظر عقباً كان الموت كأس مد ير))
قال ابن سيرين: عيَّرت رجلًا بالإفلاس , فأفلستُ , وعن عمر بن عبد العزيز: ((ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد , غمٌّ دائمٌ , ونفس متتابع , وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً , بُهِت , وإذا رأى عثرةً , شَمَت )) , في النهاية فإن الشماتة جزء من تركيبتنا البشرية الخالصة , في بعض الأحيان تكون طبيعية , لكن في أحيان أخرى تصبح شيطانية , و في حالات التنافس الشديد والصراع السياسي والاجتماعي تظهر الشماتة لتسيطر على الموقف, وفي مرحلة ما رُبما تُنتزع إنسانيتنا ونتعامل مع الآخرين كحيوانات , لا مشكة أن يتم قتلهم أو اغتصابهم أو اعتقالهم لمجرد أننا نختلف معهم في الآراء السياسية , في تلك النقطة نترك أعظم منجزات البشر إلى الآن خلال 300 ألف سنة من وجودهم وتطورهم , وهو تعظيم الإنسان , وندخل بكل ثقة وعنترية إلى عالم من الفوضى , هذا هو ما نراه الآن , هذا هو العالم الذي نعيش فيه بينما نقرأ هذه الكلمات.