مقامة الشارب والشنب

مقامة الشارب والشنب

سألت حسناء حكيما , ما أجمل ما يلفت نظرك في محاسن وجه المرأة يا فيلسوفنا العجوز ؟ ما الذي لفت نظرك في وجهي مثلا ؟ قال الفيلسوف : شنبك يا ابنتي جميل , قالت يا فيلسوف ألا ترى أنه ليس للأنثى شنب , و أنه للرجال فقط ؟ قال الفيلسوف : أعلم أنكِ أنثى ولكنّي أصر على أنّ لكِ شنبا , ثم قال : هل تعلمين ما معنى الشنب ؟ قالت نعم إنه الشعر الذي يغطي المنطقة التي فوق الشفة العليا للرجل قال : كلا أنا لا أعني هذا الشعر على الإطلاق , الشنب هو بردٌ وعذوبة ورقة في الأسنان , شنب الأَسنان يا بنيتي : صفاؤها جمالها .

يعتبرالشارب رمزا للرجولة والفخر , وهو الشعر الذي ينبت على الشفة العليا , وقد ارتبط منذ القدم بالرجولة والفخر, وكان العرب يعتبرونه جزءًا أساسيًا من مظهر الرجل , ويولونه عناية خاصة , وقد تغنى الشعراء بالشارب في قصائدهم , ووصفوه بأجمل الصفات , واعتبروه رمزًا للقوة والشجاعة , ومن أشهر الأبيات الشعرية التي تتغنى بالشارب : (( شاربي ما حنيته بذل***ولا وطيت لغير ربي جبيني )) .

أما الشنب , فهو جمال الثغر وصفاء الأسنان , وقد ارتبط بالجمال والجاذبية , وكان العرب يعتبرونه جزءًا أساسيًا من جمال المرأة , ويولونه عناية خاصة , وقد تغنى الشعراء بالشنب في قصائدهم , واعتبروه رمزًا للجمال والأنوثة , ومن أشهر الأبيات الشعرية التي تتغنى بالشنب قول ابن الرومي : (( يا حَبَّذَا الشَّنَبُ المَعْسُولُ رِيقُهُ***وَحَبَّذَا لَثْمُهُ مِنْ بَعْدِ تَقْبِيلِ )) , ويقول شاعر آخر: (( ضحكت فقالوا مبسم فيه الشنب***فقلت لا بل بارق فيه ذهب )) .

يكمن الفرق الأساسي بين الشارب والشنب في موقعهما من الوجه , فالشارب كما عرفنا هو الشعر الذي ينبت على الشفة العليا , بينما الشنب هو جمال الثغر وصفاء الأسنان , ولذا فهما يختلفان في دلالاتهما , فالشارب يرتبط بالرجولة والفخر, بينما الشنب يرتبط بالجمال والجاذبية , وقد اختلف مفهوم الشارب والشنب قليلًا في الثقافة الحديثة , حيث أصبح الشارب رمزًا للرجولة والأناقة , بينما أصبح الشنب مجرد تعبير عن جمال الأسنان , ومع ذلك لا يزال الشارب والشنب يحملان دلالات جمالية واجتماعية مهمة, حيث يبقى الشارب والشنب جزءًا أساسيًا من جماليات الوجه في الثقافة العربية , ويحملان دلالات جمالية واجتماعية مختلفة ,وقد تغنى بهما الشعراء في قصائدهم , ووصفوهما بأجمل الصفات , واعتبروهما رمزًا للرجولة والجمال.

قال الشاعر ذي الرُمَّة)) : لَمْياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَـسُ وفي اللِثاتِ وفي أنيابها شَنَبُ )) , والشنب صفاءُ الأسنان , و جمال الثغر , أما الشعر الذي ينبت فوق الشفةِ العليا للرجل فيسمى ( شاربا ) و ليس شنبا , وقد جاء في المعجم : الشَنَبُ حِدَّةٌ في الأسنان , ويقال بَرْدٌ وعُذوبَةٌ , وامرأةٌ شَنْباءُ , بَيِّنَةُ الشَنَبِ , قال الجَرْميّ: سمِعت الأصمعيَّ يقول: ((الشَنَبُ: بَرْدُ الفمِ والأسنانِ و ما هو إلا بَرْدُها )) .

 

تختلف الآراء حول بعض التفاصيل المتعلقة بحكم الشارب , ولكن يتفق العلماء على أهمية قص الشارب والنظافة الشخصية , وقد وردت أحاديث نبوية تحث على قص الشارب , وتعتبره من سنن الفطرة , والهدف من قص الشارب هو النظافة وتجنب تراكم الأوساخ والطعام فيه , وقد اختلف العلماء في درجة قص الشارب , فمنهم من رأى أنه يجب قصه حتى تظهر حافة الشفة , ومنهم من رأى أنه يكفي تقصيره , وبعضهم يقول لا يجوز حلق الشارب بالكامل , لأن ذلك يعتبر تشبهًا ببعض الأمم الأخرى , أما الشنب الذي هو جمال الثغر وصفاء الأسنان , فلا يوجد حكم شرعي خاص به , وينصح الإسلام عموما بالنظافة والعناية بالأسنان , وذلك يشمل تنظيفها وتجميلها.

 

يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات من خلال النظر في السياق التاريخي والممارسات الاجتماعية السائدة في الدولتين الأموية والعباسية , ففي تلك الحقبة , كان هناك اهتمام كبير بالتصنيف , والتمييز بين الفئات الاجتماعية المختلفة , وقد وجدنا ان قص الشارب كان ممارسة خاصة بالخدم الخصيان في الدولتين الأموية والعباسية , حيث يكون قص الشارب وسيلة لتمييز الخدم الخصيان عن غيرهم من الخدم , أو عن عامة الناس , وكذلك كانت النظافة الشخصية مهمة في البلاطين الأموي والعباسي , خاصة للخدم المكلفين بخدمة الخلفاء والأمراء , وقد يكون قص الشارب جزءًا من ممارسات النظافة , حيث يسهل الحفاظ على نظافة الوجه ويقلل من تراكم الطعام والأوساخ , او لأنه كان للخصيان دور كبير في الدولتين , وكانوا يقومون بأعمال داخل القصور, لذلك كان يجب أن يكون مظهرهم لائقاً.

في الدولة العثمانية , كان الخصيان يشغلون مناصب مهمة في القصر العثماني , يؤدون أدوارًا متنوعة في القصر, بما في ذلك حراسة الحريم والقيام بمهام إدارية وخدمية , وكانت النظافة الشخصية أمرًا بالغ الأهمية , خاصة بالنسبة للخدم الذين يتعاملون مباشرة مع السلطان وأفراد العائلة المالكة , وفي المجتمع العثماني , كان هناك اهتمام بالتصنيف والتمييز بين الفئات الاجتماعية , قد يكون قص الشارب وسيلة لتمييز الخصيان عن غيرهم من الخدم أو عن عامة الناس .

يمكن الحديث أيضا عن علاقة الشوارب بالشخصيات اليسارية العالمية من خلال عدة جوانب , فالشارب أصبح في بعض الحالات مرتبطًا بشخصيات يسارية بارزة , مما جعله رمزًا سياسيًا , على سبيل المثال , شارب جوزيف ستالين , الزعيم السوفيتي , أصبح علامة مميزة له , وارتبط بالشيوعية في فترة حكمه , هناك أيضًا شارب فيدل كاسترو الزعيم الكوبي , كان جزءًا من مظهره المميز, وارتبط بالثورة الكوبية واليسارية في أمريكا اللاتينية , كما اصبح الشارب كتعبير عن الهوية لدى بعض الشخصيات اليسارية , قد يكون الشارب تعبيرًا عن هويتهم الثقافية , او يعكس مظهرا للتمرد على الأعراف السائدة أو التعبير عن انتماء لتيار فكري معين .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات