9 فبراير، 2025 8:19 ص

يقول ابراهيم البهرزي : ((كل يوم تلد القرى معتوها يذهب إلى المدينة وينفخ في البوق)) , ذهلت وأنا أشاهد أحد الساسة يقول وبضرس قاطع  , وبكل صفاقة وكأنه يحقق انتصارا  :(( الان نحن في عصر بيع المبادئ )) , صدق من قال : (( أن تُحافظ على مبادئك في وقت تُباع وتشترى فيه المبادئ بسعر بخس , فأنت على خير)) , فمعلوم ان مَن يسهل عليه بيع نفسه لن يصعب عليه بيعك , فهؤلاء هم خونة العصر , فئة أضاعت الطريق الصحيح وانحازت إلى صف الأعداء , متخلية عن القيم الأصيلة والنزاهة , متجردة من كُـلّ مبدأ يربطها بأوطانها وبقضايا الأُمَّــة , خيانتهم ليست متوارية , بل جهروا بانحيازهم للمحتل علنًا , متفاخرين ببيعهم للقيم وسعيهم وراء مصالح شخصية ضيقة على حساب أمن وكرامة شعوبهم .

في تقاطعات الحياة وصداماتها المستمرة قد تتغيَّر بعض مفاهيمنا , قناعاتنا , اهتماماتنا , هذا أمر وارد , وهو دليل نضج وتفاعل إنساني لا يبعث على قلق طالما بقيت مبادئنا , أخلاقنا , نزاهتنا , إنسانيتنا ثابتة لا تتغيَّر , وعندما نقرأ : (( إن خير من استأجرت القوي الأمين)) , فهذا دليل واضح على أن الأقوياء والأمناء هم أصحاب المبادئ , وأولو العزم من الشرفاء الذين تنصلح بهم الأمم , وتنتشر بتعاملاتهم الفضيلة , ويكتب بجهودهم الخير.

المبادئ ليست شيئاً ميتاً يرقد في بطون الكتب كما قد يعتقد البعض , بل هي كائنات حية , إما أن تسكن روحك لتضيئها من الداخل فينعكس نورها ليضيء كل دروبك , أو أن تخرج منها للأبد , وفي أسواق الحياة تُختبر مبادئنا كل يوم , وفي كل يوم أيضاً يسير الناس على مذهبين لا ثالث لهما : فإما (صامد) مستعد للتضحية بكل شيء من أجل قيمه ومبادئه , وإما (بائع) بثمنٍ بخس  هو بخس بالفعل مهما ارتفع , فلا حياة بلا كرامة , ولا كرامة دون مبادئ.

انظر الى تعاليم السماء فالشمس ثابتة في الشروق وفي الغروب , والليل بظلمته وهدوئه , والجبال بشهاقتها وصلابتها , وهكذا فإن جوهر الأشياء قد نبعت من ثباتها على خصائصها وتمسكها بسلوكها ومبدئها , والإنسان شيء من الأشياء , اذا الكون يمضي على ناموس لا يتغير , فغياب المباديء عن أفكار البشر ضياع في إدراك معنى الحياة , قد تكون أفضل الطرق أعسرها ولكن عليك اتباعها , إذ أن الاعتياد عليها سيجعل الامور تبدو سهلة للوصول , ويكفيك شرف السير , فالسير على طريق الوصول وصول .

مبادئك هي ذاتك وهويتك  , ‏اصمد إن كنت على يقين بأنك تفعل الصواب , لا تستسلم لما يدور حولك من قبحٍ وزيف وبيع وشراء وماراثونات طويلة في التزلُّف والتسلُّق والنفاق والخنوع , لا تُخالف مبادئك لتوافقهم , لا تتلوّن بألوانهم , ولا تُبدِّل كلماتك لتعجبهم , أنت مختلف ببصمتك وبترفعك , باحترامك لنفسك , وستشعر بهذا الاختلاف كلما نظرت لصورتك في المرآة.

 يقولون إن ‏الوقوف على قدميك يمنحك مساحة صغيرة في هذا العالم , لكن الوقوف على مبادئك يمنحك العالم كله , فما قيمة الإنسان بلا مبدأ ؟ هناك من يؤثر التضحية بكل ما يملك لأجل قيمه , هناك من يؤثر تفويت الفرص وتضييع المغريات لأن مبادئه لا تقبل الخطأ , وعلى النقيض هناك من يبيع كل شيء , ضمير وقيم وأخلاق وللأسف حتى العرض لأجل مكسب رخيص , هو رخيص ولو كان عالي الثمن وغالي القدر, فلا حياة دون كرامة , ولا كرامة دون مبادئ , ولا عزة لإنسان لا يصر على العيش عزيزاً .

(( إذا اعتاد الفتى خوض المنايا … فأهون ما يمر به الوحول
ومن أمر الحصون فما عصته … أطاعته الحزونة والسّهول )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات