25 ديسمبر، 2024 11:08 م

حوار فيسبوكي كان مدخلي (الصوفي) لمقامة اليوم , و لدخول باحة الروح الإلهية المتجسُّدة بالوجدان الصادق لقلوب ثكلى بغياب موجع وغير مسّبوق , وأنا اعتقد بالرقية , خصوصا بعد اقتناعي بعلم الباراسايكولوجي , وبعد ان اتاحت لي وظيفتي ان اجوب الكرة الأرضية, حيث رأيت فى عالمنا المعاصر 4200 عقيدة دينية وأتباع كلٍ عقيدة لاتساورهم ذرة شك أنهم على صواب , وأن أتباع ال 4199 ديانة الأخرى ضالون , لماذا ؟ وانا درستُ التصوفَ بتعمقٍ , وفى مكتبتي العديد من الكتب عن التصوف, وأكثر ما أذهلني فى البدايةِ ورود مفرداتٍ آرامية وعبرية وسريانية فى أورادِ عددٍ من أقطابِ التصوفِ الإسلامي (مثل أبى الحسن الشاذلي وإبراهيم الدسوقي وغيرهما), فكيف هذا التلاقح ؟ من كل هذا جاء الأعتقاد بالرقية .

من أقتباسات سيد قطب ( رقية الحب ) , يقول فيها :
((خيم الليل فنامي في هدوء وسلام رتّل الحب رقاه في سكون لتنامي
رقية النوم وأخرى للرؤى بعد المنام ودعاء لك بالبشر غدا عند القيام
وتعاويذ من الشر لعام بعد عام رقية في إثر أخرى مشرقات في الظلام
أيها الحب فلا تنـس دعاء بالدوام وتعاويذ لقلبينــا لصد أو سآم
أو فعوذها ودعني لتعاويذ غرامي وإذا شئت فعوّذنيَ من فرط هيامي
ومن اللهفة تطغى في فوادي كالضرام واجعل الدنيا سلاما وارو يا حب أوامي )) .

يقول ابن الفارض : (( اهوى رشأ هواه للقلب غدى ….ما أحسن فعله ولو كان أذى ……. لم أنس وقد قلت له الوصل متى …. مولاي اذا مت أسى قال أذا )) , ولما كان دأب الناس دوما اذا اعياهم شرح ظاهرة اخترعوا لها اسطورة , وحيث (أنَّهُ لا كبيرةَ معَ استِغفارٍ, ولا صغيرةَ معَ إصرارٍ) ,فلنبق حيث الغناء , فالأشرار لا يغنون , ولندعو بجاه عبد الله بن عباس الذي اعترف قائلا : لم أعرف معنى ( فاطر السماوات والأرض ) الا من شجار اعرابيين حول بئر كل واحد منهما يدعيه لنفسه , فقال أحدهما للآخر : أنا فطرتها , يريد ان يقول أنا بدأتها , وها أنا أراني ادعو بالشفاء وانا مدرك ان (( مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ )) , وماذا أقول لمجرةٍ لَا يراها غَيْرِي عِنْد قَلْب يَنْبُت مَرَايَا عَلَى أوردةِ الشوقْ .

اوصى صلاح شاهين بقراءة رقيته الشهيرة : (( يا أم المطَّاهر رشي الملح سبع مرات.. في مقامه الطاهر خشي وقيدي سبع شمعات.. يا عريس يا صغير.. علقة تفوت ولا حد يموت.. لابس ومغير.. وح تشرب مرقة كتكوت )) , وحين سألوا اياد الزاملي عن المرأة قال : (( الللللللللللللله ( المرأة ) هي كما النسمة تأتي بعد عطش الرئتين …)) , وكلنا يعرف ان العصافير ُ, تطيرُ من عيِنيها, والقلب هو الملاح , فــ أَسَّرَها يوسف في نفسه, وتُسِّرُها أنت , وأُسِّرُهُا أنا , وبهذا تستقيم الحياة .

(( دون كيشوت: ألا تظنُ إن المرءَ , متى ما أصبح طيراً سيرتاحُ يا سانشو ؟
سانشو: وكيف يرتاحُ طيرٌ , وكلُّ البنادق مُصوِّبة عليه يا سيدي الدون؟)) , وهكذا كلما
رفع رأسه , طارده الوعي , وللرحابنة بيت شعر يقول : نسيت من يده أن أسترد يدي طال السلام وطالت رفة الهدب , فدعوا الفكر يَسبَحُ في ملكوت المعاني وليس أمام المريد إلا التَدبّر وليس أمام العارف إلا التأمل ,فمذ كانت هاجر تحمل طفلها إسماعيل عليهما السلام , وتركض به ذهاباً وإياباً بين صخرتي الصفا والمروة في منطقة قاحلة جافة غير ذي زرع في مكة المكرمة, عرفنا أن هذه الشعائر تنطوي على مشقة مهما تغيرت الظروف والأحوال , وأن هناك رقية تجلب الماء والخير .
يُقالُ في بعض نظريات علم النفس إنَّ الوعي الباطن , الخام , حتى وإن قمعه الوعي الأعلى وضبطه, يجد طريقه للخروج والعلنية فيما يسمى (فلتات اللسان) , وغيرها من مسارب الخروج النفسية , من ذلك تتسرب رقيتي , وماذا نقول للقلب تلك الحجرة الجسدية التي يحتلها البعض دون سبب مقنع ؟ , ولقد كان قدرا جميلا ان تصطاده عيناك , ولكنه وهو يقع في فخ حبك ذاق الحرية لأول مرة , فما يحررنا وما يكبلنا كامن فينا , وكل قيد بعد قيد الحب تافه .

كيف ارقيه وهو يراها سيدة للأضداد , وهو عاشق لتناقضاتها و تشعله بقبلة , وتطفئه بضمة , بسيطة كماء المطر , مركبة كقوس قزح , هادئة كفلة , صاخبة كأقحوانة , مروية كنهر , محرقة كبركان , حلوة كعسل , مرة كقهوة , قريبة كنبضة , بعيدة كطفولة , مبتلة كوضوء , جافة كتيمم , مذ رآها و اشتعل بها كالقش اليابس اذ تقع فيه شرارة ولا تترك له فرصة للدفاع عن نفسه , ذاب فيها كملعقة سكر يدفع بها في كوب مليء بالماء , وتحرك بعنف فتذوب كل قواها ,هل لاحظتم اني احدثكم عن اشتعال وذوبان في لحظة واحدة ؟ أنها سيدة المتناقضات .
أكتب شعرا يشبه النثر , ونثرا يشبه الشعر , انه صلاة قديس , و دعوة محتاج , وفي أعتى لحظات الحزن , أتطلع الى عينيه , لأرى فرح يقاتل كل جيش الوجع , وعندما يسمو الى قمة الفرح يخبو حزنه , وفي مساءات الفرح , نتطلع الى العيون , لنرى فرح يقاتل كل جيوش أوجاع عمر نهاية الطريق , وعندما يسمو الفرح الى قمته تخبو ألأحزان , فليتَ للحروفِ فمٌ ليصرخَ أمامَ عناد الوجع ليسحبَ أنّاتِ القلبِ منَ الشّريانِ للشّريان ويداوي بحرقةٍ صقيعَ القدمين , وليحفزُّ الحُمرَةَ في الخدين , ويسرقُ من النّبضِ آهاتٍ ترتقُ أخاديداً في دروبِ العمر , وتشتري أحلاماً جديدة بعروضٍ مغرية .
صباح الزهيري .

أحدث المقالات

أحدث المقالات